• Monday, 06 May 2024
logo

موقع الرئيس البارزاني في العملية السياسية في العراق

موقع الرئيس البارزاني في العملية السياسية في العراق
التقييم العالي لزيارته الأخيرة الى بغداد محلياً و دولياً
ترجمة/ بهاءالدين جلال
في منتصف شهر تموز من عام 2010 عندما كانت الكتل السياسية العراقية عاجزة عن تشكيل الحكومة بعد مرور خمسة اشهر على الأنتخابات العامة في البلاد،سألت (كولان) من خلال لقاء اجرته مع السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان سألته هل في نيتكم زيارة بغداد أو توجيه الدعوة الى الأطراف السياسية الى اربيل لغرض الأتفاق على مشروع معيّن،فكان جواب سيادته:(( في الوقت الحاضر" وكان يقصد منتصف شهر تموز 2010"قرر الأخوة عدم الأتفاق،ولكنني لو اعلم أنهم يبحثون عن حل ما ، فأنا مستعد لدعوتهم الى اربيل وكذلك الذهاب الى بغداد اذا ماقرر الأخوة الأتفاق،ولكن يبدو انهم لم يقرروا ذلك بعد)).
ان الأشارة الى هذا الموقف لرئيس اقليم كوردستان حول العملية السياسية في العراق،تعدّ مدخلاً لقراءة اسلوب و منطق البارزاني على انه لايزور أي منطقة و لايستقبل أي طرف من باب المجاملة و في هذا الأطار من الممكن تكثيف قراءة أو تقييم الرئيس البارزاني لأسلوب الحكم في عدة نقاط:
1- بعد عام 1991 حيث كان سيادته و معه الرئيس طالباني يقودان الجبهة الكوردستانية و بعد ذلك حصل على اغلبية اصوات الشعب في الأنتخابات المتعلقة بأختيار زعيم الحركة التحررية الكوردستانية،وكانت اصوات الرئيس الطالباني قريبة الى اصواته،لذا فإن السيدين البارزاني و الطالباني يُعتبران رئيسين على صعيد الواقع الكوردستاني،حيث كانا يتمتعان بالشرعية الثورية و الشعبية في اقليم كوردستان، وعلى هذا الأساس فإنهما حققا العمل الدبلوماسي و السياسي كرؤساء دولة،ان هذا الأسلوب الذي يتمتع به السيد الطالباني كرئيس للجمهورية و السيد مسعود بارزاني كرئيس لأقليم كوردستان، اصبح محل تقدير من قبل الدول الجارة و على مستوى العالم.
2- ان هذه المسؤولية الصعبة خلال 23 سنة المنصرمة ورغم الأخفاقات و التحديات الكبيرة التي واجهتها، الاّ ان العملية السياسية في اقليم كوردستان كانت مستمرة و شهدت تطوراً ملحوظاً يوماً بعد يوم حيث خطى الأقليم نحو الأعمارو التنمية على مختلف الصعد،صحيح أنّه كانت هناك صراعات داخلية ولكنها في كل الأحوال وجدت طريقها للحل و انتهت بحكمة السياسة السلمية للرئيس البارزاني نحو التحالفات و العيش المشترك الآمن.
3- ان اساس سياسة البارزاني هذه و دبلوماسيته يكمن في أنّ سيادته يؤمن بانه لايمكن حل أي مشكلة عن طريق العنف، ومهما كانت الأساليب الاّ انها تتطلب التفاهم بين الأطراف على اساس السلام و الحوار المشترك.
و لو نظرنا من خلال تلك النقاط الى مواقف البارزاني،لوجدنا ان سيادته لم يستغن عن أي منها ابداَ في معالجته للمشكلات،مهما كانت تداعياتها على اقليم كوردستان،واتخذ البارزاني مواقف عديدة،حيث ظن بعض القادة السياسيين في الأقليم و العراق و المنطقة أن الرئيس البارزاني يجازف في هذه المواقف،ولكن بسب أنّ مواقفه كانت على اساس السلام و التعايش و تحقيق الأستقرار في المنطقة و اقليم كوردستان و العراق لذا نجد في النتيجة انّ لغة الحوار و المنطق الدبلوماسي للبارزاني استطاعت جمع عموم الأطراف، و لما كان هدف البارزاني خلال ال23 سنة الماضية كمسؤول دولة هو على اساس الحوار و السلام و التعايش و الأستقرار لذا فإنّ أي خطوة تخدم هذه الأتجاهات و يقتنع بها البارزاني فإنه يُقدم عليها و يخصص لها جل حياته لما فيها خير و سلام.
وفي هذا المنحى و قبل أنْ ناتي الى موضوع الزيارة الأخيرة لرئيس اقليم كوردستان الى بغداد علينا التطرق الى العلاقات القائمة بين اربيل و انقرة خلال السنوات الماضية،حيث نتوصل الى حقيقة وهي ان تركيا تعتبر اقليم كوردستان شريكاً ستراتيجياً لها على الصعيدين السياسي و الأقتصادي، و تركيا هي ذاتها التي هددتْ في عام 2003 غزو اقليم كوردستان و احتلاله حيث اكد الرئيس البارزاني حينها انّه لايمكن للجيش التركي دخول اراضي الأقليم الاّ على جسدي،ولكن سرعان ما تحول العداء الى الصداقة حيث رأينا أنّ السيد اوردوغان حضر بنفسه مراسيم افتتاح القنصلية التركية و الرئيس البارزاني القى كلمته باللغة الكوردية في مؤتمر حزب العدالة و التنمية الحاكم،اذاَ السؤال هو هل تغيّر موقف الرئيس البارزاني ازاء تركيا أم أن الأخيرة غيّرت موقفها؟
مما لاشك فيه اننا نستطيع القول أنّ تركيا الآن ليست هي تركيا السنوات السابقة التي كانت تعتقد أنّ كل المشكلات لاتُحل الاّ بالوسائل العسكرية،لذا بعد هذا التحول نجدها الآن قد تغيّر موقفها من الأقليم،بل بادرت اكثر من اجل احلال السلام في المنطقة،ان ما تحقق الآن من تقدم في حل المشكلة الكوردية في تركيا ماهو الاّ نتاج هذا المنطق السياسي الذي يؤيده البارزاني و مستعد لتقديم كافة انواع الدعم لتركيا و لحزب العمال الكوردستاني وذلك بأتجاه تحقيق السلام الدائم و حل المشكلة الكوردية سلمياَ.
في عام 2010 عندما هيأ الرئيس البارزاني اجتماعاً للأطراف السياسية العراقية اشترط فيه أن يكون لها القرار في ايجاد حل لأزمة الحكم في العراق،و تلتزم كافة المكونات بالدستور العراقي و تؤمن بالشراكة الحقيقية و المشاركة الفعلية في حكومة ذات القاعدة العريضة،وبالنتيجة تمخضت عن الأجتماع اتفاقية اربيل و بأشراف الرئيس البارزاني،و كان الهدف من الأتفاقية اعادة تنظيم الحياة السياسية في العراق على اساس السلام و التعايش المشترك على الصعيدين الداخلي و الدولي، وايدت الدول الصديقة للعراق مبادرة الرئيس البارزاني هذه،و وصفت الرئيس البارزاني بالمنقذ للعملية السياسية في العراق وتجاوز المخاطر التي كانت تواجهها،و بعد مرور فترة من الزمن كان الرئيس البارزاني اول من أبلغ العالم بأن العراق يتجه نحو الكارثة الحقيقية بسبب عدم التزام الأطراف الموقعة على اتقاقية اربيل ببنودها، ونتسائل هل أنّ موقف الحكومة العراقية ازاء حل مشكلاتها مع الأقليم تغيّر أم انها قائمة حتى الآن؟للأجابة على هذا السؤال يمكننا القول أنّ الأقليم في انتظار الجهود التي يبذلها المسؤولون في بغداد بهذا الأتجاه و تكوين القناعة التامة لديهم و في مقدمتهم شخص نوري المالكي و التحالف الوطني بضرورة حل عموم المشكلات عبر الحوار و التفاهم المشترك.
ان زيارة رئيس اقليم كوردستان الأخيرة الى بغداد الى جانب انها ازالت الجمود بين اربيل و بغداد فإنها دفعت بالعملية السياسية في العراق نحو الأمام،كما تلقت الزيارة لدى الأوساط المحلية و الأقليمية و الدولية اهتماماً متميزاً بأعتبارها خطوة على طريق اعادة تنظيم عملية الحكم في العراق، وحول هذه الزيارة قال السيد عارف طيفور نائب رئيس البرلمان العراقي :لقد استأثرت زيارة الرئيس البارزاني الى بغداد بأهتمام الشارع العراقي من خلال مشاهد من اللقاءات التي اجرتها القنوات التلفزيونية مع المواطنين و الذين عبّروا عن تأييدهم لهذه المبادرة معلقين الآمال في أنْ تعود العلاقة بين الجانبين الى وضعها الطبيعي بأتجاه حل المشكلات المعلقة بين الجانبين،و اضاف قائلاَ ان الأجتماع الذي جرى بين سيادته و السيد المالكي بعث املاَ جديداَ في قلوب العراقين من اجل تجاوز الخلافات و اعادة الثقة بين حكومة الأقليم و الحكومة الأتحادية في بغداد،مشيراً الى أنّ الأجتماع الأخير تطرق الى بعض المسائل الجدية من اهمها العمل بقانون اعادة ترسيم الحدود بين المحافظات الذي يتم بموجبه معالجة المشكلات الأدارية في المناطق الكوردستانية خارج اقليم كوردستان. في اطار ذلك اكد نائب رئيس البرلمان العراقي ان زيارة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان الى بغداد قبل زيارة السيد رئيس الأقليم بفترة، حققت النجاح و فتحت ابواب الحوار بين الأقليم و بغداد،حيث جرى فيه بحث الوسائل الممكنة لتهدئة الأوضاع المتأزمة و بحث المشكلات العالقة بين الطرفين،مشيراَ الى أن زيارة رئيس حكومة الأقليم الى بغداد تمخض عنها تشكيل لجان مشتركة لبحث مشكلة الموازنة و البيشمركة ومستحقات الشركات العالمية العاملة في مجال النفط و قانون النفط و الغاز و توزيع المياه بين الأقليم و بغداد، واستطرد السيد طيفور قائلاً:تقرر في اجتماع نيجيرفان بارزاني و المالكي في بغداد قيام الأخير بزيارة اربيل و قد تم ذلك فعلاً حيث استقبله رئيس الأقليم و عقد اجتماع ثنائي بينهما الى جانب عقد المالكي لأجتماع مجلس وزرائه في اربيل، وتطرق نائب رئيس البرلمان العراقي الى نقطة مهمة وهي الرئيس البارزاني زار خلال وجوده في بغداد رئاسة البرلمان العراقي كما التقى رؤساء الكتل حيث بحث معهم الأوضاع الراهنة و العلاقات بين الأقليم وبغداد.
من جهة اخرى قال غفور مخموري سكرتير الأتحاد القومي الديمقراطي الكوردستاني عضو الوفد المرافق لرئيس اقليم كوردستان في زيارته الى بغداد، كانت لزيارة رئيس الأقليم الى بغداد اهمية كبيرة في مسألة حل المشكلات العالقة بين اربيل و بغداد موضحاً أنّ الوفد كان يضم برلمانيين و ممثلين عن عدد من الأحزاب و الأطراف السياسية الى جانب مسؤولين حكوميين،وتعتبر هذه بمثابة رسالة الى العراقيين وهي أننا موحدون سواء كنا في السلطة أم خارجها و تأكيد على حرص الجميع على حل المشكلات العالقة بين اربيل و بغداد و ذلك عبر الحوار و التفاهم المشترك،واضاف قائلاً: بصفتي كنتُ احد اعضاء الوفد المرافق لاحظتُ أنّ الأطراف العراقية انتظرت زيارة رئيس الأقليم بكل شوق معلقة الآمال عليها في سرعة التوصل الى حل لكافة المسائل الخلافية بين الجانبين،وقد لاحظنا انّ تلك الأطراف كانت تحمل رسالة و مفادها هو بما انّ شعب كوردستان بحاجة ماسة الى الرئيس البارزاني لذا فإن عموم العراقين بحاجة الى سيادته ايضاً،جاء ذلك خلال لقاء رئيس الأقليم مع غالبية الكتل البرلمانية في مجلس النواب حيث طلبوا من سيادته زيارة محافظات العراق الأخرى،مثمنة مبادرة الرئيس البارزاني في الأعداد لأتفاقية اربيل و التي تم بموجبها تشكيل الحكومة العراقية الجديدة،وعلى الصعيد الدولي اصدرت الأمم المتحدة عن طريق ممثلها في بغداد بياناً رحبتْ بزيارة الرئيس البارزاني الى بغداد كما هو الحال بالنسبة الى السفارة الأمريكية و التي تلقت خبر الزيارة برحابة صدر،و اتصل جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي هاتفياً بالرئيس البارزاني مشكره على هذه الخطوة مؤكدا دعمه لها داعياً اياه الى استمرار تلك الزيارات من اجل حل المشكلات المستعصية في بغداد و تقديم المساعدات الى الأطراف المتنازعة في العراق من اجل اخراج العراق من الأزمة الراهنة.
Top