• Monday, 06 May 2024
logo

في التعددية السياسية... لا وجود للتسامح من طرف واحد

في التعددية السياسية... لا وجود للتسامح من طرف واحد
(يتساءل فولتير(ما هو التسامح، إنه نتيجة ملحقة بوجود أنسانيتنا، فكلنا نخطئ، لذا فإن الأمر يحتم علينا، كعمل ثنائي، أن نتسامح فيما بيننا، وهو المبدأ الأول لقانون الطبيعة و لحقوق الأنسان أيضاً) إن وجهة نظر فوليتر هذه مبنية على توجه سقراط القائل(أنا أدرك أنني لا أعلم شيئا)، أي أن فهم هذه الحقيقة يكفي لأن نتسامح فيما بيننا إلا أن ذلك لا يكفي للدفاع عن التسامح إذا ما تعرض لأي هجوم لأن فولتير كان يجد بوضوح أن يكون التسامح متبادلا أي أن يكون الطرفان متسامحين أزاء بعضهما البعض إلا أنه لم يكن ليتصور مجتمعاً ديمقراطياً يكون فيه التسامح مبدأ مقبولاً، وذلك ليس فقط على غرار التسامح الديني بل وأن يكون التسامح السياسي مقبولاً ايضا، ولم يكن ليتصور كذلك أنبثاق أقلية سياسية في مثل هذا المجتمع، والتي لا تحبذ أن تقدم أي شئ مقابل التسامح الذي تحمله الأكثرية أزاءها..
وهذا يعني بطبيعة الحال أن(الأقلية السياسية) تتقبل أسس اللاتسامح و تمارس النظرية التي ترى العنف والتطرف كضرورة أساسية، بل وتصل حد ممارسة أعمال العنف، و كمتابعة لهذه الظاهرة هناك أمامنا أسباب عديدة من شأنها أن توصلنا الى قناعة أن مثل هذه الأقليات سترفض الديمقراطية لو وصلت الى سدة الحكم ولو ليوم واحد و تقضي على حرية التعبير والتسامح وهنا تكمن المشكلة و نتساءل: هل يتوجب علينا أن نكون متسامحين مع مثل هذه الاقليات أم لا؟
وهو سؤال ذو ردين: لو لم نكن متسامحين معها فإن ذلك يبدو و يبين أننا نرفض مبادئنا الخاصة، و نتراجع عن التسامح ونكون بالنتيجة منافقين، ولو كنا متسامحين معهم عندها يكون علينا أن نقدم تضحية كبيرة ونكون مسؤولين عن أنتهاء الديمقرطية والتسامح وقد تمكن من أتخذوا مثل هذه القرارات الكبرى التي كانت تدافع عن التسامح من تطوير نظرية التسامح والديمقراطية والأجابة بكل أقتدار عن السؤال القائل(ترى ما الذي يجب فعله في هذه الأوضاع الجديدة حيث تمارس الأقلية السياسية أسس عدم التسامح ونظرية ضرورة العنف والتطرف؟ أزاء هذا التساؤل فإن الجميع قد عايشوا أو وقفوا بوضوح و صراحة على هذا الواقع وقالوا: لا يمكن أن يكون التسامح بدون حدود...
كارل بوبر
التسامح والمسؤولية الفكرية


منذ أن تم تأسيس شركة(وشة) من قبل نوشيروان مصطفى، و مسألة الحوار و قبول الآخر بين الأطراف السياسية، قد تعرضت الى تساؤل فقد أبد عت هذه الشركة التي تحولت الى (قائمة كوران) في أنتخابات تموز عام 2009 ومن ثم الى (حزب كوران) لاحقاً، قد ابدعت تقليداً غريباً على المجتمع الديمقراطي وهو رفض الآخر و تشويهه والتعامل مع الطرف المقابل معاملة الأعداء، لذا فإننا لو أمعنا النظر وفق رؤية حزب كوران هذه الى الأختلاف فإنه يتوجب حينها ان نعرف مفهوم الأختلاف و بكل صراحة بإنه عبارة عن الأختلاف بين الصديق والعدو، هذا في حين أن مفهوم الأختلاف في المجتمع الديمقراطي هو عبارة عن الأختلاف بين الأصدقاء ، ويبدوا أننا لو تعاملنا مع أختلافات المجتمع وفق الأدبيات الفكرية لحزب(كوران) فإن المجتمع عندها سيكون على جبهتين، فأعضاء حزب كوران و حلفاؤه سيكونون وفق تلك الرؤية هم الأصدقاء و يكون غيرهم ممن ليسوا معهم هم الأعداء، لذلك عندما يتم تقسيم المجتمع على أساس مبدأ الأصدقاء والأعداء فإن ذلك لا يعني فقط اقامة حدود بينهما فحسب، بل ستقوم بينهما أسوار و جدران و كما هو قائم الآن بين الكورتين من أسلاك شائكة و جدار أسمنتي الكتروني بين قطاع غزة و بين أسرائيل، فإن، حزب كوران يتطلع اليوم و يسعى لبناء سور أداري و آخر سياسي بينه و بين الآخر، ولأنه ليس بحزب جماهيري على مستوى أقليم كوردستان بل هو مجرد أقليه داخل مجموع العملية السياسية في الأقليم، فإنه لا يتمكن من أقامة سوره الأيديولوجي في حدود كامل كوردستان الجنوبية، وهو الآن مستمر في محاولاته لجعل أقليم كوردستان مجموعة مناطق مسيجة و تقسيمه على مواقع نفوذ الأحزاب السياسية، وتحاول بصراحة أكبر أن تجعل من المنطقة السياسية لحزب كوران التي تحتل قسماً من مدينة السليمانية فقط وليس محافظة السليمانية كاملة تلك المنطقة المسيجة لسياسة رفض الآخر و نظرية العنف والتطرف كضرورة ينمو فيها، ولو عمدنا الى قراءة سياسة حزب كوران من هذا المفهوم، فإنهم يعتبرون تلك السياسة و بكل صراحة و بأعتزاز، أبداعاً لحزبهم ونشعر هنا أن الأساس الرئيس لسياسة ذلك الحزب يستند مسندين:
1- قبل أن يكون لقائمة كوران ومن ثم حزب كوران أي وجود، فإن شركة(وشة) قد تأسست ظاهراً بهدف العمل وفق تلك الأسس وتصبح مركزاً بحثياً على غرار أوساط (السنيك تاكس) في الغرب إلا أنها، ومع الأسف ، قد عملت بصورة فعلية على اسس عدم التسامح و رفض المقابل و بناء سور سياسي والأنطواء.
2- وتهيات لقائمة كوران في انتخابات عام 2009، وفي أوضاع سياسية خاصة، فرصة سانحة على حساب أصوات ألأتحاد الوطني الكوردستاني، لنيل(25) مقعداً في برلمان كوردستان العراق وكان أن قرأ رئيس حزب كوران، ومن هذا المنطلق ، والنتيجة السايكولوجية السياسية لأبناء كوردستان وكأنهم متوافقون مع سياسة رفض المقابل وأظهر ذلك(كأبداع سياسي لحزبه(المعاصر) وتوخياً لوقوف أبناء كوردستان في طوابير طويلة للأنتماء الى حزب كوران!! فقد قدم نوشيروان مصطفى أبداعاً سياسياً آخر وهو ممارسة نظرية العنف والتطرف كضرورة لممارسة السياسة و بديل عن الحوار والتفاهم بين الأطراف السياسية أو بمعنى آخر أن التوجهات الراديكالية التي كان حزب كوران، كحزب أقلية محلية، يحاول فرضها على المجتمع وكان ذلك أمراً مرفوضاً في بيئة الأمان والديمقراطية، ماحدا به أن يحاول بممارسة نظرية العنف، أقامة بيئة غير مستقرة يفرض من خلالها توجهاته الراديكالية.

(عدم القبول المتبادل لممارسة العنف)

لقد كانت السياسة الجديدة لكوران بعد أنتخابات مايس عام 2010 في العراق، ممارسة نظرية العنف والتطرف كضرورة اساسية لسياسة محو المقابل وعدم القبول المتبادل، وذلك في الواقع ليس تصوراً او توجها أو تفسيراً من طرف سياسي معين ليسند التهم الى تلك السياسة التي يمارسها كوران منذ ذلك الحين بل هو بعينه تنويه الى متطلبات العنف كضرورة ثابتة لممارسة السياسة في حزب كوران، وهو موضع أعتزاز رئيس وأعضاء ذلك الحزب و يعتبرونه إبداعاً سياسياً لحزبهم(المعاصر) وهم يقولون بأنفسهم:
( أن أختلاف حزب كوران عن الأحزاب التقليدية الأخرى مثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني الكوردستاني هو أنهما لا يتمكنان من ممارسة السياسة كما حزب كوران والأنكى من ذلك أنهم يسمون الحزبين ب(الحزب ذي الهيكل الستا ليني) وكان تأسيس نوشيروان مصطفى لحزب (ذي هيكل للمهاتماغاندي) مقابل ذلك، سيفرح الجميع، ولم يؤمن ، كماغاندي، بالعنف، إلا أن نظرية العنف السياسي التي يمارسها كوران ومع الأسف هي مسائل تشعر أزاءها الأحزاب الشيوعية التي لا تزال تعتبر الأحزاب السياسية هي الأصح، تشعر بالخجل في ممارسة مثل هذه السياسة حتى في المجتمعات الشيوعية والدليل على ذلك هو الآنظمة الشمولية اليسارية في أمريكا اللاتينية صحيح هي أحزاب معادية للديمقراطية وألأحزاب السياسة والمجتمعات المؤسساتية، إلا أنها لا تزال غير مؤمنة، على درجة حزب كوران، بضرورة ممارسة العنف، للسياسة ما يحدو بنا أن نتساءل هنا بصراحة: لماذا لجأ كوران، الى نظرية العنف عندما تحولت الى حزب سياسي كضرورة لممارسة السياسة؟
وينبع الرد على هذا التساؤل من نتائج الأنتخابات العراقية في آذار 2010 وهي: لقد تراجعت أصوات كوران و نسبها خلال الفترة من تموز 2009 الى آذار 2010 أي ما يساوي زهاء (8) أشهر بحدود(40-50)% و بصراحة أكبر: لقد نالت كوران في أنتخابات أقليم كورستان لعام(2009) نسبة 25% من الأصوات أي ما يعادل 25 مقعداً من أصل(100) مقعد، فيما نالت في الأنتخابات العراقية(8) مقاعد من اصل 57 مقعداً، ما يعني أن نسبة الأصوات التي حصلت عليها خلال أقل من (8) أشهر قد تراجعت من 25% الى 14% وبالعكس من ذلك فقد تزايدت جماهيرية الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني اللذين خاضاً الأنتخابات بقوائم مستقلة ليحصل البارتي على، (31) مقعداً والأتحاد على(12) مقعداً أي ما مجموعه(43) مقعداً من مجموع(57) مقعداً. ما يعني أن الحزبين قد حصلاً في أنتخابات عام 2009 على 59% من الأصوات لترتفع في أنتخابات آذار عام 2010 الى أكثر من 75% وهي نتيجة ولدت لدى حركة كوران مخاطر حقيقية دفعتها للتفكير في ممارسة العنف لذلك لو وقفنا على حقائق المسافة الزمنية لأنتخابات آذار 2010 وكانون ثاني 2011 وممارسات كوران السياسية فيها، إنما نشعر بجلاء بتزايد ممارستها لسياسة العنف ولكن عن طريق أستخدام اليات المجتمع الديمقراطي مثل(التظاهر وتشكيل المخيمات والتجمعات والأعتصام والتلاسن و تشويه صورة المقابل.. الخ و بصورة مستمرة، و رغم كون تلك السياسة معادية لأسس ممارسة السياسة في المجتمع الديمقراطي، ولكن نظراً لأتباع آليات الديمقراطية في ممارستها فقد أعتبرتها المؤسسات الشرعية في أقليم كوردستان كظاهرة صحية، وتركزت جميع مساعي السيد جلال الطالباني والسيد مسعود بارزاني و قيادتي الحزبين في جعل حزب كوران شريكاً في العملية السياسية وأن يقبل كحد أدنى بالتخلى عن سياسة رفض المقابل و مسحه، إلا أن حزب كوران كحزب أقلية معارضة في العملية السياسية ومقابل تلك المواقف، و بدل أن يعمل على حماية النظام الديمقراطي في الأقليم والأنفتاح الأوسع مع البارتي والأتحاد، فقد كان يفكر، ومع الأسف، في الأنقلاب على المؤسسات الشرعية والديمقراطية في الأقليم.. و لذك ومع بدايات التظاهر والأعتصامات في تونس شتاء عام 2011 ومن ثم في مصر وسقوط مبارك، فقد بدأ كوران.
- ويقول البعض أنها كانت خطوة فردية من نوشيروان مصطفى ودون أطلاع قيادة حزبه، بدأ بممارسة سياسة العنف والتطرف من خلال بيانه ذي ال(7) نقاط والذي أعلنه يوم 29/7/2011 و طالب علناً بحل جميع المؤسسات الشرعية في الأقليم وأزاء ذلك البيان الذي كان في الواقع انقلاباً على الديمقراطية من قبل الأقلية، فقد فوجئ ليس البارتي والأتحاد فحسب، بل عموم الأحزاب السياسية الأخرى مثل الجماعة الأسلامية والأتحاد الأسلامي والتي أعتبرته ممارسة عجيبة وغريبة.. لأنها تعجبت من مساعي حزب اقلية محلي للأنقلاب على المؤسسات الشرعية المنتخبة في الأقليم، لذلك، وتخلصاً من حالة الأنطواء السياسي التي وقع فيها حزب كوران فقد حاول، وعن طريق التعميق العلني لمعاداته للبارتي والأتحاد، تشويه الوضع وتعكيره، ونفذ مسعاه هذا في 17 شباط 2011 حين غير وجهة تظاهراته من تهنئة الشعب المصري أو مجرد المطالبة بالعدالة والمساواة، غيرها نحو معاداة الديمقراطي الكوردستاني والتجاوز والأعتداء على مقراته و دون أن يكون للبارتي سلطات أدارية كبيرة في تلك المناطق.
(الحزب الشمولي وأستخدام القوانين الديمقراطية للوصول الى السلطة)

يتوقف أكثرية الباحثين والأكاديميين حول ظاهرة الأسلام السياسي عند أسباب تقدم الحزب الأسلامي السياسي وتزايد العنف في صفوفها، حيث يصل الحزب الأسلامي في بعض الحالات حد إعداد الناس لتنفيذ تفجيرات انتحارية، و لو جمعنا أسباب هذه الظاهرة في نقطة واحدة بصورة عامة لتمكنا من القول:
السبب هو تحول الأحباط واليأس الى ظاهرة أي عندما ييأس الناس داخل مجتمعهم نتيجة عدم وجود العدالة والخدمات والعمل فإنهم يلجأون في هذه الحالة وتداركاً للأحباط، الى جميع الممارسات ما يدفع في ذلك قادة الأحزاب الأسلامية وبالأخص في الدول العربية ومن لف لفهم
للسعي في بناء تنظيم راسخ على مستوى أعضائها كأقلية سياسية، و يطلقون خطاباتهم على مستوى الشارع والقاء الكلمات والأدعاء وأعلان(أن الأسلام هو الحل الوحيد) ليتخذوا مواطئ أقدامهم على المستوى الشعبي والجماهيري ما يؤدي الى ظاهرة دعوة لتلك الأحزاب وأستخدامها مصطلحات (الحلال والحرام، الجنة والنار، مستهدفين في ذلك أحباط الناس و تغييريبهم عن الواقع ليجدوا أنفسهم نتيجة ذلك في صفوف الأحزاب الأسلامية أو يتجمعوا حولها و بذلك تحقق أهدافها في ظهور أيديولوجية شمولية على تفسير سياسي للدين والمجتمع ويوجهونها وجهة قرآنية تتوافق مع نصوص القرآن، كي يعتبر الناس أي أنتقاد يوجه لحزب أسلامي بإنه موجه ضد القرآن.. والأهم من ذلك أنه صحيح أن الأحزاب الأسلامية تستخدم قوانين اللعبة الديمقراطية كآلية للوصول الى السلطة. إلا أنها بمجرد وصولها للسلطة، لا تعمل بالديمقراطية و مبادئها، ما يوحي علناً أن الفكر الأسلامي السياسي هو وسيلة للوصول الى هدف معين لا أن يكون الحزب الأسلامي وسيلة للوصول الى الديمقراطية، و يعتبر الحزب السياسي الأسلامي في هذه الحالة خطراً على الديمقراطية، ولكن، و كما يؤكد جميع المفكرين المدافعين عن نهج و نظرية التسامح، حتى لوجاء ذلك التهديد في أطار الدعوات والتعليمات والعمل الجماهيري بصورة مدنية، فإن على المجتمع الديمقراطي أن يفسح أمامه المجال و يحمي البيئة التي يعملون فيها بحرية، إلا أن هذه الحالة، لو تغيرت الى عدم التسامح بشكل عملي والسعي لممارسة عملية العنف والتطرف، عندها يجب وضع حد لها و بعكسه سيتعرض التسامح والتعايش في المجتمع الديمقراطي الى الخطر، و نتساءل ثانية:
هل أن الفكر الشمولي للأسلام السياسي هو وحده لا يثق بالديمقراطية و يعتبرها وسيلة للوصول الى السلطة؟: ويأتي الرد من تأريخ الديمقراطية بالقول: تتوافق نظرة جميع المبادئ السياسية الشمولية مع الحزب الأسلامي السياسي أزاء الديمقراطية نقول على سبيل المثال: أنهم لو سمحت لهم الظروف، كما في حالة أسامة بن لادن و حركة طالبان، فإنهم يكررون ذات التوجه عندما أعلنوا الأمارة الأسلامية في أفغانستان، أما بالنسبة للأفكار الشمولية اليسارية العاجزة عن قبول المقابل والتخلي عن الراديكالية والتحول الى التسامح والتوافق، فإنهم، وكما كانوا يفتخرون بالدكتاتورية السلطوية في الأتحاد السوفيتي السابق، سيعيدون ذات السيناريو لو سمحت لهم الظروف بذلك ، ولكن لماذا تمكنت الأحزاب الأشتراكية الغربية من التوافق مع الليبرالية الديمقراطية و تطوير الديمقراطية دون أن تتمكن من ذلك في دول المعسكر الشيوعي السابق والعالم الثالث ويأتي الرد على شقين:
1- يكون التسامح محدوداً في الدول الليبرالية الديمقراطية الغربية، حتى أن أحترام مبادئ الديمقراطية فيها مشروط بالمستوى الديمقراطي للحزب الذي يفوز في عملية الأنتخابات و نذكر على سبيل المثال : لو أن حزباً سياسياً ذا أفكار نازية حتى لو فاز في الأنتخابات فإنهم لا يسمحون له بتشكيل الحكومة لأن ذلك يشكل خطراً على النظام الديمقراطي كما لا يسمح لأي حزب يساري أو اشتراكي فاز في الأنتخابات بتغيير اسس أقتصاد السوق الى أقتصاد الدولة بل ولا يسمحون ببقائه في الحكومة...
وبمعنى أدق فإن الديمقراطية مرتبطة بذلك الدستور الليبرالي الذي يستند عليه النظام الديمقراطي ولا يقبل بخلاف ذلك الدستور.
2- إلا أننا نرى عكس ذلك في دول العالم الثالث أو المعسكر الشيوعي السابق وبالأخص جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابق التي ليست لها أسس الليبرالية لكي تبنى عليها الديمقراطية فإن الملاحظ أن الطريق فيها يمهد لأن تكون قوانين اللعبة الديمقراطية في خدمة اليساريين الشموليين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية، أو الأحزاب الأسلامية السياسية التي لا تؤمن بها هي الآخرى وبالنسبة للدول العربية ، فإن الأحزاب التي تخادع الديمقراطية و تغير قوانين اللعبة الديمقراطية الى وسيلة للوصول الى السلطة، هي في الواقع الأحزاب السياسية الأسلامية، إلا أن الملاحظ في الدول ذات الخلفية الثورية اليسارية في مرحلة التحرر الوطني مثل القسم الأعظم من دول أمريكا اللاتينية وأقليم كوردستان الى حدما، أن هذه اللعبة تمارس فيها من قبل الأفكار اليسارية الشمولية غير المؤمنة بالديمقراطية ولا نقصد بذلك مجرد عدم الأيمان بصناديق الأقتراع، بل الأيمان بالأسس التي يصاغ الدستور الليبرالي و فقها و تؤسس بموجبها مؤسسات الدولة و ممارسة الحكم في أطار تلك المؤسسات و تنظيم الحياة السياسية والأجتماعية فيها.
و بمراعاة الخلافات القائمة بين المجتمعات الديمقراطية الغربية مع نظيراتها في العالم الثالث، فلا بد من التساؤل: لماذا طرأت تنمية وأنتعاش الديمقراطية في دول شرق آسيا مع انها دول ما بعد الحرب وفي ذات الوقت دول العالم الثالث و دون أجهاض العملية الديمقراطية فيها من قبل اليسار أو الأحزاب الدينية؟ ويأتي الرد من تأريخ إعادة بناء تلك الدول بإن أياً لم تتخذ خطوات كبرى نحو الديمقراطية قبل بناء أسس الليبرالية فصحيح أن دول اليابان و كوريا الجنوبية و سنغافورة و تايوان واالى حد ما ماليزيا قد شهدت تحولاً نحو الديمقراطية إلا أن الواجب هو عدم أنكار حقيقة ان التحولات الديمقراططية إنما يعود الى بناء أسس الليبرالية والتي انتعشت الديمقراطية على أساسها، والمثال أن غالبية الدول الأعضاء في رابطة دول الكومنويلث و منها الباكستان أنها المفروض بها أن تجري الأنتخابات بعد أستقلالها إلا أنها بدلاً عن ذلك تراجعت كثيراً عن هذا الهدف.. وكانت هذه الظاهرة تخص دولا يتمكن فيها الفكر الشمولي من تحقيق الأكثرية عن طريق صناديق الأقتراع ولا بد من السؤال:
ولكن لو كانت الأحزاب الشمولية هي الأقلية فهل تشكل في هذه الحالة خطراً على النظام الديمقراطي؟ ونتوقف أزاء هذه الظاهرة..

(حزب الأقلية الشمولي داخل اللعبة الديمقراطية)

لو أردنا تحليل أوضاع أقليم كوردستان تحت هذا العنوان مباشرة، ووقفنا عند معاندة المعارضة ورفضها للحوار والتوافق مع البارتي والأـحاد عندها يتوجب علينا التساؤل: ما هو الهدف من وراء تحالف الجماعة الأسلامية والأتحاد الأسلامي و حزب كوران؟ فإذا كان لأجل الوصول الى السلطة لا بد عندها من التساؤل عن النقطة التي تجمع الأطراف السياسية تلك حول أسلوب نظام الحكم أم أنه لمجرد الوصول للسلطة و سواء كان النظام ديمقراطيا أم لا ؟
ولو تحدثنا عن الديمقراطية بشكل أعمق كعملية ليبرالية ديمقراطية و ليس فقط مجرد صناديق أقتراع، فإن المؤكد أن الجماعة والأتحاد الأسلامي مؤمنان بالديمقراطية كصناديق الأقتراع، إلا أنهم من ناحية حقوق المجتمع الليبرالي أو ممارسة الأقتصاد في إطار النظام الديمقراطي، ليسوا لا يؤمنون بها فحسب بل أنهم يعتبرون قسماً من الحقوق السائدة في المجتمع الليبرالي مثل حقوق الحريات والنشاطات المدنية مجرد حرام، كما يصفون النظام المصر في الليبرالي بإنه ممارسات ربوية، ولم تخف هذه الأحزاب الأسلامية هذه الحقيقة، فعندما جرى الحديث حول تعديل المادة(6) من دستور أقليم كوردستان فقد أعلن الحزبان الأسلاميان(الجماعة والأتحاد) صراحة بإنهما سيثيران القتال إذا ما تم تعديل هذه المادة، ما يبلغنا أن فهم الحزبين، كطرفين أسلاميين ، نحو الديمقراطية هو أختصارها و تقليلها الى صناديق الأقتراع بإعتبارها وسيلة للوصول الى السلطة، ولو أرادا نفي هذه الحقيقة فإن عليهما أن ينشر اعبر شاشات قنواتهما التلفازية حقوق الفرد والجماعة والمنظمات وأسس أقتصاد السوق في المجتمع الديمقراطي و نفي المعلومات الواردة في هذا التقرير، ثم هل أن حزب(كوران) يقوم هو الآخر بأختصار الديمقراطية في أطار صناديق الأقتراع؟ أم أنه يسعى بشكل عملي لبناء نظام ليبرالي ديمقراطي، وهو سؤال لا يحتمل الرد بتوقعات و شكوك بل بإظهار مسار التوجه السياسي لكوران.. فعند ملاحظة هذا المسار نجد أن هذا الحزب، يعتبر ، كحزب يساري شمولي اسس النظام الليبرالي حراماً بل و يقول صراحة أن الأسس التي أنتجت الليبرالية في الدول الليبرالية الديمقراطية الغربية هي ذات الأسس الأقتصادية التي أنتجت الفاشية!! ما يعني أن المشكلة الليبرالية.
الرئيسة للأيديولوجية السياسية لكوران مع النظام الليبرالي الديمقراطي هي أنه أساساً لا يؤمن بهذا النظام.. فلو نظرنا الى أدبيات هذا الحزب اليساري الشمولي(كوران) لوجدنا أنهم يتحدثون عن الفساد والفقر وأنعدام العدالة كمعطيات بارزة لمؤسسات النظام الليبرالي الديمقراطي أكثر مما يتحدثون عن كيفية معالجة الفساد والقضاء على الفقر وحث الخطى نحو تغيير عدم العدالة الى العدالة الحقيقية، ولو أردنا التحاور معهم بهذا الشأن فإنهم يعتبرون وجهة نظرهم هي الحقيقة وليسوا مستعدين لأجراء الحوار بشأنه بل لتشويه صورة الآخر وتراشق الأتهامات ضده. لذلك فلأن كل شئ في النظام الديمقراطي الليبرالي هو نسبي و ليس مطلقاً من الوجهة السياسية المتبعة لكوران، فإن هذا التناسب مرفوض ثم أن تأهيل و تربية سياسة كوران لكوادره تسير نحو: أظهار أنفسهم وقد أشهر وأستخف بهم في حال توجيه أي أنتقادلهم ما يدفع بهم نحو التوجه مباشرة الى مواضيع جانبية و خلط الأوراق وأفساد المناقشة برمتها.. فعندما يقولون، على سبيل المثال، أن هذا النظام السياسي هو فاسد كله ويجب تغييره، نتساءل والى أي صورة يجب تغييره؟ فهم يطالبون في بيانهم ذي النقاط السبع لعام 2011، لتغييره الى حكومة تكنوقراط، عندها نسألهم: وأين يتبع هذا النظام الرائع والذي تطالبون ضمنه بتغيير الحكومة الى أخرى تكنوقراط وأين تحقق له النجاح؟ عندها تجد أن الرد(الأفضل لديهم هو أيطاليا ونعود و نسالهم وهل أن أوضاع الحكومة الأيطالية هي جيدة و مستقرة جداً؟
وقد لا يملكون جواباً لذلك أولا يتمكنون من أبلاغ الناس بإن أسوء حالات الأستقرار الحكومي في العالم هي المتبعة في أيطاليا، وهم يقولون للبارتي والأتحاد أنتم حزبان فاشيان، أو تكرار لحزب البعث، ولماذا لا يتحرك وجدانهم السياسي في هذه الحالة ولا يوجهون لأنفسهم سؤالاً أخلاقياً وذلك ليس بهدف التراجع عن توجهاتم بل أحتراماً لأرادة شعبهم.. وهو: إذا كان الأتحاد والبارتي فاشيين، فلماذا يكون أبناء كوردستان مستعدين للتصويت لصالح الفاشية و ليس لصالحكم؟ وهو سؤال يجب أن يهتز منه الضمائر السياسية لقادة حزب كوران كل يوم، لأن جوابه لا يعود سلباً على البارتي والأتحاد وليستطلعوا و يقفوا عند تصنيف أبناء كوردستان لهما، هنا من المستحسن الأشارة الى موقف المثقفين الأوربيين في حقبة ما قبل أنتهاء الحرب العالمية الثانية حيث كانوا يساندون الشيوعية ضد الفاشية والنازية وكان تبريرهم لذلك:
مهما كنا نقارن بينهما لوجدنا أن الشيوعية كانت أفضل، وندعو ابناء كوردستان اليوم للمقارنة بين البارتي والأتحاد و بين (الأتحاد الأسلامي والجماعة الأسلامية و كوران) فالأكثرية منهم يمنحون أصواتهم للبارتي والأتحاد وليسألوا جماهير كوردستان عن نظرتها أزاء تلك الأطراف، وهو أمر يطبق و يلازم أسلوب عمل المعارضة للأطراف الثلاثة تلك وبالأخص حزب كوران، ثم الملاحظ على ممثلي كوران في برلمان كوردستان العراق هو أنهم مشاركون في البرلمان و يسمونه ب(المضيف) في ذات الوقت!!
ويرتلبون فيه ما يشاؤون و يدعون أن لا حرية في البرلمان و يتخذون من كل القوانين العصرية، التي تصدر عن البرلمان بإنها مشاريع المعارضة و مقترحاتها، هنا من المناسب الأشادة بالمعارضة على جهودهم الطيبة تلك: وهناك حقيقة أخرى مفادها.. لوكان البارتي والأتحاد حزبين فاشيين فإن تفكير برلمانييهم يصب بذات الأتجاه ولا يقبلون منكم أي شئ.. و بالمقابل لا يمكنكم أكتمال أي مشروع قانون بهذا العدد المحدود من مقاعدكم فكيف تمكنتم يا ترى من أصدار تلك القوانين دون تصويت أكثرية الحزبين لصالحها.. والسؤال الأبرز كيف كانت ردودكم أزاء مشروع أي قانون يتقدم بها الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني، كقائمة كوردستانية ذات أكثرية؟ فقد شهد العالم ردودكم الأخيرة لتلك القوانين بخطف لاقطات الصوت وتشويه قاعة البرلمان وكسر أبوابها!!!

(كيف يجري الحوار مع الأقلية السياسية الشمولية)
ترى ما هي أسس الحوار مع الأقلية من الناحية الفكرية و كيف الطريق للمباشرة به؟ وهل أن هناك أي حزب سياسي يعتبر نفسه هو على حق ولا حقيقة موضوعية في الوجود وكيف يتم الحوار مع مثل هذا الحزب؟ ورداً على ذلك نقول إن أجمل أبداعات حزب كوران و أروعها هو: نحن لا نجتمع من أجل الأوجتماع فحسب ويعني ذلك أنه مالم يطع البارتي والأتحاد و ينفذو القرارات المسبقة التي أتخذتها المعارضة، كأوامر عسكرية صارمة، فإنهم لا يشتركون في ذلك الأجتماع!! وهذا يعني أتخاذ حزبين كبيرين مثل البارتي والأتحاد نالا ثقة أكثر من 75% من أبناء كوردستان حسب كل النتائج الأنتخابية، وسيلتين لتنفيذ أوامر وقرارات حزب كوران.. هذا التصور هو ليس طعناً للأسلوب السياسي لهذا الحزب ، بل أنه لا يوجد في القاموس السياسي أي تعريف يضم فهم كوران للحوار والتعددية والتعايش... ولو أخضعنا هذا الأسلوب تحت نقد معرفي وتساءلنا: ألا يجوز أن يكون للسياسة التي يتبعها هذا الحزب أساس فكري و معرفي معين؟ ونقول بلا ولكن لا بد من إدراك حقيقة أن لكل مصدر للعنف والتطرف أساساً معرفياً و فكرياً.. ولكن هل يتوافق هذا الأساس مع المجتمع الديمقراطي؟ و يرد علينا تأريخ الفكر بقوله: هذه الأسس مقبولة ما دامت لا تشكل أية مخاطر على المجتمع والنظام الديمقراطي.. إلا أن الغاية من ذلك الفكر أساساً هي لأنهاء النظام الديمقراطي والقضاء عليه.. وكما هرب مفكر والجيل الأول من المدرسة الفرانكفورتية من أمثال(هيربرتماركوز)، في النظام الليبرالي الديمقراطي، من الفاشية الى الولايات المتحدة وأخذ ينشر كتبه هناك بمبادرة من المطابع الأمريكية وبإذن من قوانينها ومع ذلك كان يكتب أنه لا ورق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين وبين الفاشية ولا بين النظام الليبرالي الديمقراطي الأمريكي وبين النازية الهتلرية.. والأهم من ذلك أن الكثير من قادة الأحزاب الأسلامية الذين لجاواً الى الخارج مثل(أبو حمزة المصري) وهو أحد المتطرفين إلا انه كان يكتب من بريطانيا و يسميها(أي بريطانيا) بالشيطان دون مساءلة والى أن أوصل الأوضاع حداً شكل فيه بصورة عملية خطراً على المجتمع البريطاني وكانت الحكومة البريطانية تعتبر تصريحات وأحاديث المصري، أنها (حرية للتعبير) إلا أن هذه المسألة تنتهى عندما يتحول التطرف والعنف من القول الى الفعل والممارسة وهي حالة أصبحت الآن ملازمة لسياسة حزب كوران لأنه قد توصل تماماً الى قناعة عجز خطاب العنف عن خلاصه وإنقاذه من تلك الملازمة السياسية ما حدا به للسعي لتحويل ونقل هذا التطرف من القول الى الفعل والناحية العملية وإذا ما تحقق له ذلك فإن الأمر عندها يتطلب وضع حد للتسامح حفاظاً و حماية للديمقراطية.. و يعتبر هذا التوجه، الذي يراه البعض بمثابة ردة فعل، ثورة في أعماق الأفكار والأبعاد السياسية التي لا نتحدث عنها الآن بل هي التي تتحدث عملياً و تبلغنا بإن هذه السياسة تتجه نحو ذلك الأتجاه.. وبالأمكان هنا الأشارة الى عدة نقاط:
1- حزباً سياسياً لا يرغب في اللجوء الى العنف والتطرف و يؤمن من بالحوار والتوافق والتفاهم، إنما يبتعد عن سياسته الجامدة و يخطو نحو التقرب بأتجاه الآخر.
2- وأن حزباً يؤمن بالحوار لا يقاطعه بل يستمر على هذا النهج والأستمرار عادة لا يعني الأستسلام لأرادة المقابل أو الوصول على الأقل الى القبول، بل يكون بهدف بناء أختلاف أكثر وأنتاج فكر مختلف و مخالف.. وهذا بدوره لا يعني القبول داخل عملية الحوار بالجوانب التي نقبلها نحن، بل هو القبول هنا بحالة القلق وعدم الأطمئنان الموجودة داخل العملية أي فتح أفق جديد أمام معالجة المشكلات والقضايا..
3- وأي حزب مؤمن بالحوار لا يتخذ من نقاط الخلاف أساساً ودافعاً للقضية والأبتعاد بل يتخذ تلك النقاط أنطلاقة نحو إعادة بناء العلاقات.
4- وعلى أي حزب يؤمن بالديمقراطية أن يتفهم حقيقة أن لا بديل للحوار داخل النظام الديمقراطي أي أنه لو عجز الحوار عن حل القضايا والخلافات فإن الوسائل الأخرى تعجز عن ذلك أيضا.. ولو رأ أي حزب أفضل من الحوار فإنه يبرهن و يكشف غداً انه هو معاد للديمقراطية ولو أستذكرنا أمامناً هذه النقاط فهل نتمكن من القول أن أحزاب المعارضة الكوردستانية تمتلك تلك الأرادة التي تعمل على الأنفصال ولو قليلاً والتخلي عن السياسة التي تعودت عليها و تتخذ خطوة مخلصة نحو الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني.. وهو سؤال كان جوابه محبطاً في الماضي وأصابنا بنوع من اليأس.. و نأمل أن لا يكون كذلك في المستقبل لذا فإن بناء الحوار والتقارب ملازم الأبتعاد الأحزاب السياسية عن سياساتها التي تعودت عليها عبر الأيام..
ترجمة / دارا صديق نورجان
Top