• Friday, 26 April 2024
logo

الكورد في لبنان.. وجود تاريخي مهمش، فكيف جرت رحلة الألف عام؟

الكورد في لبنان.. وجود تاريخي مهمش، فكيف جرت رحلة الألف عام؟
يشكل الكورد في لبنان حالة استثنائية فريدة، فعلى الرغم من وجودهم في هذه البلاد منذ الف سنة، الا ان غالبيتهم تعاني من التجاهل والتهميش، باستثناء العائلات الكوردية التي اندمجت تماما بالنسيج اللبناني الطائفي والديني المعقد، ومع ذلك لم يعترف لبنان بهويتها العرقية الخاصة.

وبالامكان الحديث عن وجود الكورد في لبنان من خلال ثلاث مراحل اساسية، الاولى قبل ألف سنة، والثانية قبل نحو مئة عام، والثالثة قبل نحو 30 سنة عندما جرى تجنيس عائلات عديدة منهم.

وبكل الأحوال لا توجد تنظيمات سياسية تمثل الكورد كأقلية خاصة في لبنان، والعديد منهم نشطوا عبر العقود الماضية في الحياة السياسية والحزبية والثقافية، تماما مثلما فعل أجدادهم قبل الف سنة، عندما وصلوا الى سواحل لبنان وسوريا للمشاركة مع أهالي هذه المناطق في الدفاع عنها أمام عُرِفَ بالحملات الصليبية.

وقد استقر العديد منهم في ما بات يعرف بلبنان حاليا، وأسسوا عائلات نافذة وكبيرة من بينها عائلات الأيوبي، كريدية، المرعبي وجنبلاط. أما قبل مئة سنة، فقد جاءت دفعة ثانية من النازحين الكورد الى لبنان هربا من القمع الذي تعرضوا له في تركيا، خصوصا بعد تقسيم المنطقة برمتها وفق معاهدة سايكس -بيكو. وجاء غالبية هؤلاء من مناطق ماردين وبوتان في شمال كوردستان. ومن العائلات من أصول كوردية ايضا هناك المرابعي، حمية، المشيك، الحمود والكردي.

وتقول رئيسة رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية في لبنان حنان عثمان لوكالة شفق نيوز، ان عدد الكورد في لبنان يتراوح بين ٨٠ إلى ١٥٠ الف نسمة، بحسب تقديرات غير رسمية ويتمركزون في مناطق وأحياء متفرقة في بيروت كالبسطة وبرج أبي حيدر وميناء الحصن وكرنتينا وبرج حمود، كما أنهم يتوزعون في مدينة طرابلس في الشمال، وفي منطقة سهل البقاع.

وأشارت عثمان إلى أن "العديد من الكورد تم نفيهم من وطنهم الأم بسبب مواقفهم السياسية المناهضة للدولة التركية التي كانت تعرض الكورد للابادة الجسدية والثقافية، ومن بين تلك العائلات، عائلة بدرخان التي كان لها دور كبير في مصر ولبنان من حيث نشر الثقافة والدفاع عن حقوق الكورد".

وكانت التقديرات حول عدد الكورد في لبنان قبل العالم 1985 تشير إلى 60 ألف نسمة. وقد هاجر الآلاف منهم الى أوروبا خلال الحرب الاهلية، وبسبب ظروف المعيشة الصعبة التي طالتهم كما طالت اللبنانيين عموما، لكنهم ظلوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ولا يعترف بهم ولا بهوياتهم، ما شجعهم على الرحيل كلما سنحت لهم الفرص. والتحق العديد من الشباب الكورد بما كان يسمى "الحركة الوطنية" التي كانت تمثل القوى اليسارية والوطنية اللبنانية التي قاتلت في الحرب الاهلية تأييدا للفلسطينيين. وفي مرحلة ما بعد نهاية الحرب، تبين ان العديد من الناخبين الكورد كانوا يأيدون المرشحين من الطائفة السنية في الانتخابات البرلمانية.

ومع ذلك، فانه وفق تقديرات العام 2012، فان حوالي 40٪ من جميع الكورد في لبنان لم تكن لديهم الجنسية اللبنانية. وبحسب حنان عثمان، هناك أيضا حوالي ٥٠ الف كوردي نازح من الشمال السوري وخاصة من مناطق عفرين ورأس العين-كوباني- بعد ان قام الجيش التركي ومرتزقته باحتلال المدن والقرى الكوردية.

وحول تمثيلهم السياسي وإيصال أصواتهم، قالت عثمان انه "منذ بداية القرن العشرين قام نشطاء وسياسيون من الكورد بتأسيس العديد من الجمعيات والأحزاب وحتى والصحف الكوردية في لبنان، لأن لبنان كان منارة الشرق من حيث حرية الفكر والرأي، ومركزا صحافي مهما في الشرق الاوسط ".

وأشارت الى أن قسما من الوجود الكوردي حصل على الجنسية اللبنانية بعد معاناة وصعوبات كبيرة الا ان القسم الاكبر لم يحصل على حقه الشرعي في المواطنة رغم ان الكورد قدموا الكثير من التضحيات في الدفاع عن لبنان.

وهناك فئة كبيرة من الكورد لم يحصلوا على الجنسية لكنهم يحملون وثائق "قيد الدرس" أي أن حالاتهم يتم دراستها لحين البت بقرار منحهم الجنسية من عدمه. وجرت عملية تجنيس واسعة للكورد في العام 1994، خلال عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري يعتقد انها طالت 12 ألف عائلة كوردية.

ويقول الكوردي اللبناني فيصل جميل محو إن "مسألة الكورد في لبنان هي مسألة وجع وألم وحرمان يعاني منها كثير من اللبنانيين ومن كل الطوائف وعلى مر السنين الطويلة والأزمات العصيبة والحروب التي مرت بها مع هذا الشعب والتي نتحملها سويا بكل صبر".

وحاول الكورد في لبنان ايصال أصواتهم من خلال تأسيس جمعيات كوردية عديدة، ولكن بحسب حنان عثمان فانه "لاسباب ذاتية وموضوعية لم تحقق هذه الجمعيات أي أهداف سياسية للكورد، حيث كان هدف تلك الجمعيات يختصر بالعمل الثقافي او الخيري، مضيفة انه على الرغم من "بعض الجهود التي بذلت من قبل شخصيات كوردية لها تاريخها في النضال، الا ان الكورد في لبنان لم يحصلوا الى يومنا هذا على اي تمثيل لهم يطالب بحقوقهم او يدافع عنهم".

وقال فيصل محو ان "الكورد في لبنان قدموا الكثير لهذا الوطن الغالي منذ اوائل القرن الماضي، الكثيرون منهم قدموا الغالي والنفيس من اجل وطننا هذا الذي نعتز به كوطن أول .. وأسسوا الأحزاب والجمعيات وواصل مؤسسوها الدفاع عن حقوق شعبهم وإبراز حرمانهم لكثير من تلك الحقوق وعلى رأسها كانت قضية التجنيس الذي حصل عليها الكثيرون ولم يحصل عليها أيضا العديد من هؤلاء الكورد ولا زالوا محرومين منها وهو حق قانوني".

وأوضح فيصل محو "كان مسؤولو هذه الأحزاب والجمعيات في كثير من لقاءاتهم مع أبرز الشخصيات اللبنانية، دينية كانت او سياسية، يطالبون بهذه الحقوق.. ولم يكن رد هؤلاء الا تطييب الخواطر والوعود ثم الوعود التي كانت كلها ليست جدية وتهمل ولا يؤخذ بها"، مضيفا ان "الشعب الكوردي اكثر من ٧٥ ألفا بعد أن كانوا ٢٥٠ ألفا قبل الحرب اللبنانية والذين نزحوا الى مختلف بلاد أوروبا"، مضيفا ان "المضحك في هذا الامر أنهم حصلوا على جنسيات تلك البلدان بعد أن أمضوا فيها بضع سنوات وليس كما في لبنان أكثر من ٧٥ عاما".

وبكل الاحوال، كان هناك نوع من الوعي الكوردي للمرة الاولى بضرورة الحصول على تمثيل كوردي مناسب في البرلمان اللبناني تمثل في ترشيح حنان عثمان نفسها الى الانتخابات العام 2018، التي خاضت الانتخابات كمرشحة عن المقعد السني في دائرة بيروت الثانية، لكن النجاح لم يكتب لها، ودعت في حملاتها الى المطالبة بحق الكورد اللبنانيين بالتمثيل كباقي الأقليات في لبنان.

لكن فيصل محو يقول ان "الكورد في لبنان يطالبون اليوم بمنحهم حق التمثيل النيابي (مقعدان برلمانيان) وهذا حق مشروع أسوة بباقي الطوائف والأقليات الذين منحوا حق التمثيل وزادوا عدد نواب المجلس من ٩٩ اوائل الستينيات الى ١٢٨ في يومنا هذا .. كل ذلك هو من أبسط حقوق الكورد الذين لا يمثلون حق التمثيل ولديهم كل الكفاءات والشخصيات لتقوم بهذا العمل الشريف".

ولا تقتصر المشكلات التي تواجه الكورد في لبنان على ذلك. تقول حنان عثمان ان "الكورد عامة في لبنان والكورد السوريين (نازحون في لبنان) خاصة يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة جدا، حيث انهم يعانون من التهميش والنظرة الدونية، حتى المواطنين منهم، حيث ينظر اليهم وكانهم مواطنون من الدرجة الثالثة والرابعة".

واشارت الى ان الكورد السوريين في لبنان يفضلون العودة الى ديارهم بأسرع وقت ممكن، حيث ان الكثير منهم توجهوا الى مناطق الادارة الذاتية حيث الاستقرار والامان نسبة الى المناطق الاخرى في سوريا.

وقالت عثمان ان الكورد اللبنانيين وعلى الرغم من انهم يعتبرون أنفسهم جزءا أساسيا من النسيج الوطني اللبناني وعلى الرغم من انهم يفتخرون بلبنانيتهم، الا ان القضايا الوطنية الكوردستانية تشغل حيزا كبيرا من حياتهم"، مضيفة انهم "لم يتخلوا أبدا عن الشعور الوطني الكوردي وهم يدعمون ويدافعون عن قوميتهم رغم عدم وجود أحزاب سياسية منظمة بين صفوفهم".

وأشارت عثمان إلى ان الكثير من الكورد في لبنان يتحدثون اللغة الكرمانجية وهي اللهجة الرئيسية في اللغة الكوردية، مضيفة في الوقت نفسه ان الكثير من الجيل الجديد لا يجيد اللغة الكوردية نظرا لانه لا توجد مدارس ومعاهد تعليمية.

وفي كل الأحوال، فقد افتتح الكورد في لبنان رابطة نوروز الثقافية- الاجتماعية بشكل رسمي في بيروت العام 2014، والتي تديرها حنان عثمان، حيث يجري تنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية ودورات للغة الكوردية وحول التاريخ وحقوق المرأة.

يوجه فيصل محو نداء أخيرا عبر وكالة شفق نيوز الى المسؤولين في لبنان قائلا ان "للكورد في لبنان حق على المسؤولين ان ينظروا ويراعوا حرمانهم وغبنهم ودورهم اجتماعيا وصحيا وتربويا وانسانيا ومعاناتهم كقومية في هذا البلد. رجاؤنا تفهم الموضوع".






>shafaaq
Top