• Monday, 29 April 2024
logo

المثلث العراقي قائم الزاوية

المثلث العراقي قائم الزاوية

طارق كاريزي

 

العراق بلد ذو ثقافة تعددية، وينقسم سياسيا الى ثلاثة مكونات رئيسة، علاوة على سلة من المكونات (الثانوية) او الاصغر حجما وعددا. فالمعادلة السياسية على المستوى الوطني والجغرافي وطبقا للثقل السكاني وعدد الناخبين، تتوزع على شكل مثلث بأضلاعه الثلاثة (العرب الشيعة والعرب السنة والكورد)، كل منهما يشكل احد اضلاع مثلث السياسة العراقية. هذا الامر بات بديهيا لكل متابع ومراقب للشأن العراقي، والعلة في عدم استقامة الامور في هذا البلد هو الخلل في ضبط هندسة هذا المثلث ذو البعد الثقافي، او تهميش هذه الحقيقة الهندسية المعبرة عن واقع اجتماعي ذو جذور عميقة.

الهوية العراقية المفترضة والاطر القانونية لبلد عضو في منظمة الامم المتحدة منذ تأسيسها وقبلها عضو في عصبة الامم، جيَرت من قبل الاحزاب والشخصيات التي تولت مقاليد السلطة مذهبيا وقوميا. عماد الدولة العراقية ارتكز طوال 82 عاما على العلمانية المعلنة والمذهبية والقومية المخفية، وبالارتكاز على هذين العاملين تمحورت بؤرة السلطة في وسط العراق وغربه، وشعر الجنوبيون والشماليون (الشيعة والكورد) بأنهم مهمشون، عليه لم تستقم المعادلة العراقية على خط مستقيم يحدده الانتماءين القومي العربي والمذهبي السني. هذا الانتماء تقاطع قوميا مع الكورد ومذهبيا مع الشيعة.

ومنذ 19 عاما تعرض العراق لزلزال قلب الموازين رأسا على عقب، ورغم كل التوقعات الايجابية والاستقراءات المتفائلة لمرحلة بعد زوال الدكتاتورية، لجهة بناء عراق يتبنى الطروحات السياسية العصرية، وفق المحددات التي تبلورت في الغرب وباتت النموذج المقبول عالميا، الا ان واقع الحال على الارض مازال يشير الى عثرات كبيرة ومعوقات جمّة تحيل دون استقامة البلد وتحديد نقطة شروع جديدة يمكن البناء عليها لمستقبل افضل من الآن والسابق.

التحدث بلغة علوم الرياضيات هو الاكثر جلاء وتجريدا وعلمية، والمحددات الرياضية طبقا للحالة السياسية للعراق تقدم المثلث قائم الزاوية بمثابة النموذج الامثل استنادا لعلوم الرياضيات. التكوين الاجتماعي الثقافي للمجتمع العراقي لا يمكن تصوره بانسيابية الدائرة، لان الدولة العراقية لم تلفح في تحويل المجتمع العراقي من مجتمع مكونات الى مجتمع المواطنة. وقد ابدى فيصل الاول ملك العراق شكواه من الانشطار الاجتماعي والثقافي لمواطني الدولة التي نصب فيها ملكا مع انه لم يكن من مواطنيه. هذا الانشطار الثلاثي لم يتم تجاوزه بل ان سوء التعامل معه ادى الى تعميق الخطوط المميزة بين المكونات وزاد الانشطار وضوحا وتجسما.

الكثير من المحليين والمراقبين يصفون الحالة العراقية الحالية بحالة الـ"لادولة"، بل ان آمال بناء مجتمع منسجم تحت مظلة هوية جامعة، تراجعت بعد عام 2003 بشكل خطير وأكثر من السابق لدرجة بات يهدد كيان البلد ووحدته من الصميم. وبات منطقيا التحدث عن جدوى استمرار دولة عجز حكامها طوال قرن من الزمان من بلورة هوية واحدة موحدة تستوعب التنوع والتعددية. وطرحنا هنا لشكل المثلث قائم الزاوية يحتاج شيئا من التوضيح.

نقول يجب ان يكون المثلث العراقي قائم الزاوية كي يكون عنوانا لقيام وثبات كيان الدولة، وتوزيع الاضلاع من الاجدر ان يكون على هذه الشاكلة. فالضلع المائل يعبر عن المكون الشيعي وهو الاطول وبمثابة الاساس لاستقامة واستقرار الاوضاع بموجب المعطيات السكانية. فيما الضلعان الآخران (المستقيم والعمودي) لا مشكلة من حيث تحديد اي منهما لكل من المكونين السني والكوردي، لأنه طالما كان الاساس هو المثلث قائم الزاوية، فلا غرو من طول او قصر اي من الضلعين (المستقيم والعمودي) لأن الضابط هو الضلع المائل الذي يتكفل ضبط هندسة شكل الحكم بين الضلعين الآخرين. هذا الطرح النظري والعلمي الصرف هل يجد طريقه للتبني والتطبيق؟ سؤال ليس من السهل الاجابة عليه في ظل التقاطعات الحالية الحادة.

 

 

باسنيوز

Top