• Friday, 10 May 2024
logo

من وثائق البعث (1)

من وثائق البعث (1)

طارق كاريزي

 

مارست سلطات حزب البعث خلال الفترة (1968- 2003) سياسة تمييز عنصرية مقيتة ضد الكورد العراقيين تجلت في نواح عديدة. سياسة التطهير العرقي ضد الكورد خصوصا في مناطق الحدود والتماس بين الاقليمين العربي والكوردي في العراق، تركت آثارا قاتمة في الواقع الجغرافي وآلام ومعاناة انسانية رهيبة عانى منها المرحلون أشد المعاناة. قامت سلطات البعث خلال 35 عاما من قيادتها السلطة في العراق بتوسيع سياسة ترحيل وتهجير الكورد حتى تحولت كوردستان المليئة بالحياة والعطاء والانتاج الى مناطق موحشة خالية من السكان والحياة. نسعى لتقديم ثلاث أمثلة فقط من سياسات القهر والتمييز العنصري الرهيبة والواسعة النطاق التي مارستها سلطات البعث ضد مواطنيها من الكورد العراقيين في مقال ثلاثي ننشره، باذن الله، في هذا الموقع على التوالي.

الترحيل مصطلح استخدمته سلطات الحكومة العراقية ابان حقبة حكم حزب البعث تعبيرا عن أوامر تصدر من أعلى السلطات العراقية (الحكومية والحزبية) لطرد الكورد من مدنهم ومناطقهم واجبارهم الرحيل كرها من حيث يسكنون أبا عن جد الى مناطق تقع خارج المحافظة أو المنطقة التي يسكنون فيها. مارست حكومة البعث سياسة الترحيل والتهجير القسري ضد الكورد في مناطق واسعة من اقليم كوردستان العراق، وقد تركزت هذه السياسة بشكل خاص في محافظة كركوك.

ونشير هنا الى مثال واحد فقط عن حملات تهجير وترحيل الكورد. اصدرت محافظة كركوك (التأميم بحسب تسمية البعث) الأمر الـ(سري وعلى الفور) المرقم 783 بتاريخ 17/12/1996 الموجه الى الوحدات الادارية كافة بعنوان (ترحيل) بتوقيع أياد فتيح خليفة محافظ كركوك (التأميم) آنذاك، جاء فيه:

قررنا قيامكم بالتحري الدقيق وجمع المعلومات عن أماكن سكن (54) عائلة كوردية والصادر بحقها أمر الترحيل خارج المحافظة خلال مدة اسبوع فقط ولم ينفذ أمر ترحيلهم لحد الآن بسبب ارتحالهم الى جهة مجهولة والقاء القبض عليهم وتسليمهم الى مديرية شرطة المحافظة بغية ترحيلهم، وفي حال عدم العثور عليهم من قبلكم خلال الفترة الزمنية المحددة وظهورهم لاحقا، سوف نقوم بمحاسبة رئيس الوحدة الادارية ومدير شرطة القسم والمسؤول الحزبي والأمني فيها. لاتخاذ ما يلزم فورا وطيا قائمة بالأسماء واعلامنا اجراءاتكم رجاء.

وتبدء أسماء هذه العوائل الكوردية التي تقرر ترحيلها وتهجيرها قسرا بموجب الأمر الرسمي المذكور أعلاه من كركوك، بأسرة المواطن (جبار محمد قادر) من سكنة ناحية ليلان وتنتهي بالعائلة رقم 54 وهي اسرة المواطن (عمر حمه صالح) يسكن مقابل معهد كركوك الفني.

سياسة طرد وترحيل وتهجير الكورد من كركوك بدأت مع تأسيس ميليشيا الحرس القومي عام 1963 من قبل حزب البعث بعد توليه السلطة اثر انقلاب عسكري دموي قاده عام 1963 ضد الزعيم عبدالكريم قاسم، واستمرت هذه السياسة طوال أربعة عقود حتى سقوط نظام البعث عام 2003 على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. وقد تم تهجير وترحيل عشرات آلاف العوائل الكوردية من كركوك طوال هذه الفترة الى أربيل والسليمانية ومحافظات وسط وجنوب العراق.

ومن باب معالجة هذه الأزمة الانسانية، جاءت احدى فقرات المادة 140 من الدستور العراقي لتنصف هؤلاء المرحلين قسرا من كركوك، وبعد مرور 18 عاما على صدور الدستور مازالت الآلاف من العوائل الكوردية المهجرة من كركوك تنتظر اقرار العدالة ومنحهم الدعم وفرصة العودة الى كركوك التي هجروا منها عنوة وكرها. بعد سقوط النظام الشمولي عام 2003 عادت العديد من العوائل الكوردية التي سبق ترحيلها عن كركوك طوال عهد البعث، الا ان النسبة الأكبر من هذه العوائل استقرت في الأماكن الجديدة التي رحلتها اليها حيث تعذر عليها العودة الى كركوك بعد مضي عقود على ترحيلها واستقرارها في أربيل والسليمانية، فهناك الآلاف من الاسر التي رحلت عن كركوك وتعيش في المحافظات الاخرى.

لقد مارست سلطات البعث سياسة الترحيل ضد الكورد في مسعى محموم منها لسلخ كركوك عن اقليم كوردستان من خلال تغيير التركيبة السكانية والواقع الاثني في المحافظة لصالح المكون العربي عبر اتباع سياسة طرد الكورد واستقدام العرب، للوصول الى هدف السلطات وغايتها المتمثلة برفع نسبة المكون العربي والاستفادة من سياسة ايفاد واستيطان وتوطين العرب العراقيين القادمين من المحافظات العربية محل المرحلين من الكورد في كركوك، وقد شهدت كركوك خلال 35 عاما من حكم البعث هجرة عربية كبيرة قادمة من محافظات الاقليم العربي العراقي أدت الى ارتفاع  نسبة العرب ضمن اجمالي سكان المحافظة من 18% بداية تأسيس الدولة العراقية الى أكثر من نصف سكان المحافظة أثناء سقوط النظام الشمولي بداية القرن الحادي والعشرين.

 

 

 

باسنيوز

Top