• Sunday, 19 May 2024
logo

العلاقة بين أربيل وطهران.. هل تتجه من الحرب الباردة إلى العلاقة الهادئة؟

العلاقة بين أربيل وطهران.. هل تتجه من الحرب الباردة إلى العلاقة الهادئة؟

شيروان الشميراني

 

للعلاقة بين كورد العراق والإيرانيين محطات عديدة تصورها، يمكن تلخيصها في خمس مراحل: سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، مرحلة التسعينيات، من 2003 الى 2017، 2017 لغاية 2024، والآن الشروع بالمرحلة الخامسة بحثاً عن الاستقرار.

إنّ المرحلة الراهنة هي الأسوأ أوصلت بالطرفين الى حالة الحرب غير المباشرة تحديداً من الجانب الإيراني الذي يرى في سلطات إقليم كوردستان أنها أميل إلى المحور السني المتفاهم مع الأميركيين، والظنّ الإيراني اتخذ التعبير عنه مظاهر مختلفة منها القصف الصاروخي المباشر تحت ذريعة استهداف الوكر الصهيوني (وهو للإستهلاك) ليس إلاّ، ومنها الضغط الشديد من حلفاء إيران أصحاب السلطة في الحكومة العراقية الاتحادية، من قصف بالمسيرات والصواريخ واستهداف المطار وحقول النفط والغاز، والإمتناع عن تزويد إقليم كوردستان حصته التشغيلية من الموازنة العامة للدولة، أي أن سوء العلاقة بين أربيل وطهران انعكس على الفور على تعاطي الحاكمين الشيعة في بغداد ورمي مؤسسات إقليم كوردستان بسلسلة قرارات من المحكمة الاتحادية، قرارت وصِفَت بأنها "ديليفري" من طهران الى بغداد عبر الخطوط الجوية العراقية، دخل إقليم كوردستان في أجواء كما سميناها "إقليم كوردستان في مواجهة تحدي الوجود مع بغداد"، فلم يبقى من بدّ سوى التوجه الى طهران، بوابة التوصل الى الحلّ مع بغداد.

من هنا تأتي زيارة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان البارزاني في 5-5-2024 تلبية لدعوة رسمية من السلطات الإيرانية، ومع أن جميع السلطات العليا إبتداء من المرشد اجتمع مع نيجيرفان بارزاني، لكن بروتوكولياً لم يصل التعامل إلى المستوى الذي تتعامل به أنقرة مع زوارها من المسؤولين الكورد، مازالت طهران حذرة من القوة الكوردية في المنطقة والتي تميل فطرياً الى أوروبا وتركيا والمنطقة العربية ولا تريد التعامل معها بنمط يعطيها ميزة شبه استقلالية أو حرة في رسم العلاقات.

هذا سبب حقيقي من أسباب التوتر الإقليمي، فطهران تريد النظر الى كوردستان كجزء تاريخي من الإمبراطورية كما هي نظرتها الى مناطق الخليج العربي، ولا تريد أيضاً أن تكون العلاقة بين أربيل وأنقرة أكثر تقدماً من العلاقة معها، لأن الصراع على النفوذ بين إيران وتركيا على الأرض الكوردية العراقية جزء من عوامل سوء العلاقة بين الطرفين، الإيرانيون يريدون من سلطات إقليم كوردستان علاقة أقوى من علاقتهم مع الأتراك، أو أن لا تكون متأخرة عنها، وهذه نقطة نزاع تاريخي بين الامبراطوريتين المتنافستين عبر مآت من السنين.

فهل بالإمكان تجاوز المرحلة الخطيرة من العلاقات؟

- الإقتصاد عامل مهم جدّاً، التجارة بين أربيل وطهران انخفضت بنسبة 50% السنة الماضية بعد قرار غرفة تجارة أربيل التوقف عن استيراد المنتجات الإيرانية إحتجاجاً شديداً على القصف الصاروخي على عائلة احد التجار الكبار في أربيل ليلة 15-1-2024، لكن القضية ليست هنا، فإيران لاتريد تطور الحقل النفطي في كوردستان، حتى لا يمتلك الاستقلالية في التصرف بالغاز، تريد منه ومن العراق الاعتماد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وإن كان لابد من تصديره فليكن الى الشركات الإيرانية وثم إعادة شرائه بالسعر الذي يرونه مناسباً، فمع مرور 21 عاماً على الحكم الحالي في العراق مازال البلد يستورد الغاز الإيراني لمحطات توليد الطاقة.

- على الجانب السياسي، الإيرانيون يتهمون سلطات إقليم كوردستان بإيواء المعارضين الكورد، لكن والحق يقال إن الأحزاب الكوردية المسلحة المعارضة لإيران يراعون للغاية حساسية الوضع وخطورته، والايرانيون لم يترددوا في قصف بالصواريخ التي لم تخطئ أهدافها كما أخطأت المواقع الإسرائيلية المحتلة، لكن الإشكالية هي أن العرق الفارسي - تراكم التاريخ - يتعامل من فوق، وينظر الى مستوى منخفض عندما يريد النظر الى إقليم كوردستان، أي إنهم يريدون إصدار الأوامر او التوجهيات اللطيفة بطرف اللسان على أقل تقدير، ولا يُرضي غرورَهم التعاملُ بالمثل أو الحياد الكوردستاني في السياسة الخارجية، فلم تتدخل سلطات إقليم كوردستان في الشأن الداخلي الإيراني، ولم تشكل جسراً تعبر عليه العناصر الكارهة لإيران، لكن الإيرانيين لن يهدأوا لحين سحب الطرف الكوردي في النزاعات الإقليمية الى جانبهم والدخول في محور يأتي على التجربة الإدارية الكوردية ويستأصلها من الجذور، لأن الوجود الكوردي هو حالة دولية أكثر من كونها حالة عراقية، الحاكمون في العراق عاجزون عن هضم وجود كيان فدرالي يسمى إقليم كوردستان فعقليتهم لم تتشكل على هذا المنوال المتقدم في الفكر الديني والسياسي، والدليل هو مواجهتهم المحاولات العربية السنية تأسيس فدرالية لهم حسَب مقتضيات الدستور بالرفض القاطع.

- إشكالية أخرى في العلاقة بين الطرفين، هي الموقف من الأحداث التي تعصف بالشرق الأوسط، وفي المقدمة سوريا، الطرفان مختلفان اختلاف الأبيض والأسود، بين من يرى في التحرك الشعبي السوري ثورة، ومن يرى فيه مؤامرة كونية، والحاجة الإيرانية بمدّ خط إتصال برّي الى سوريا عبر المنطقة الكوردية ومن هناك الى لبنان، وهذه معضلة كبرى للجانب الكوردي وعلاقاته الستراتيجية مع الأميركيين ومع الاتراك.

- يشكل الوجود الأميركي على الأرض العراقية حالة قلق شديد للإيرانيين، والقوات الاميركية هي صدّ صامت للتمدد الإيراني، وتقليل من نفوذها وسطوتها على العراق، فواشنطن كيفما كانت صيغة وجودها هي تعطي قوة معنوية للعراقيين للوقوف المتردد بوجه حدّية الطلبات الإيرانية، ولو من باب التحجج، وكذلك الامر في القاعدة الاميركية في إقليم كوردستان، فهي قلق لإيران وقوة لكوردستان، تريد طهران أرضاً عراقية معبّدة لها طولاً وعَرضاً، ومع أنهم يعلمون أن الوجود الأميركي غير خاضع للرغبة الكوردية والعراقية لكنها قد تطلب من رئيس إقليم كوردستان الإنضمام الى الشيعة في طلبهم مغادرة القوات الاميركية الأرض العراقية، علماً أن هذه المغادرة لا تحتاج الى الدعم الكوردي ولا الى الدعم العربي السّني، صلاحية بقاءهم وخروجهم محصورة بالحاكمين الذين هم من الشيعة المقربين من إيران، وإنّ اللعب على هذا الوتر هي من باب المشاكسة السياسية فقط.

ما سبق جلّها طلبات إيرانية، والطرف الكوردي حقيبته ليست فارغة، ولم يذهب رئيسه الى طهران من أجل سماع الأوامر، إن إحترام السيادة العراقية وعدم انتهاك حرمة دولتها والتوقف عن قصف كوردستان بصواريخ الحرس الثوري، مع الإيعاز الى الحلفاء في بغداد أن لا يعادوا الإدارة الكوردية ولا يثيروا المشاكل في طريقها، والملفات العالقة بين بغداد واربيل التي تتدخل طهران مباشرة في إدارتها، وتصدير المخدرات، كلّها وغيرها زعَل كوردي من إيران.

 

 

 

روداو

Top