• Thursday, 09 May 2024
logo

الأطفال هم الوطن

الأطفال هم الوطن

معد فياض

 

هل الوطن هو الارض، ام الناس؟.. هل الوطن هو الجغرافيا بكل تضاريسها وانهارها وبحارها وغاباتها وصحرائها ام التاريخ بكل احداثه الحقيقية والملفقة؟.. هل الوطن هو السياسة والقادة الشرفاء والقتلة والسراق والكتاب والشعراء وكل المبدعين ام المال؟.. هل الوطن هو الانتماء ام الخيانة؟..هل الوطن هو المستقر ام الهجرة؟.. وسنبقى نطرح الكثير من تلك الاسئلة عن ما هية الوطن.

الوطن هو الاطفال..هو الطفولة..في البدء كان الاطفال فصار البيت هو المستقر وتحول الى وطن..البيوت المؤثثة بالأطفال هي مجموعة أوطان..الاطفال، بنات واولاد يكبرون، ينضجون، يتزوجون وينجبون الاطفال، فتكثر وتكبر الاوطان. لم يأت المثل الشعبي العراقي القائل:"جيب أطفال وعمر الدار" من فراغ، بل هذه هي فلسفة بناء وتعمير الوطن.. بيت بلا اطفال عبارة عن ارض جافة، عن يباب، عبارة عن فراغ.. الاطفال هم من يعمر البيوت والاوطان. وطن بلا اطفال وبلا طفولة آيل للانقراض..لهذا كله هم يقتلون الاطفال أولاً لانهم يريدون تدمير الوطن الذي سيعتمر بوجود الاطفال، الذي سيكبر بأحلام الاطفال وتكون هذه الاحلام حقيقة ويصير من المستحيل على الاعداء انهاء فكرة وجود الوطن.

اسرائيل اكثر من يدرك هذه الحقيقة، وأكثر من يعرف فلسفة علاقة الاطفال والوطن، وأكثر ما يقلقها هم اطفال فلسطين، لهذا تتعمد قتل الاطفال وتشويه الطفولة لتغتال فكرة الوطن وبقائه وديمومته وقوته، او في الاقل تتعمد تهجيرهم، اعني اطفال فلسطين، ان تجبر عوائلهم على الهجرة ليفرغ الوطن منهم ويكون خاويا وضعيفا ويسهل عليهم، اسرائيل، السيطرة عليه.

استمعوا لما يقوله اطفال غزة" نحن لسنا ارهابيين ولا مسلحين ولا نملك الصواريخ لماذا يقتلنا اليهود؟"، سؤال كبير وعظيم بقدر ما هو بسيط، يقتلوهم لأنهن يخافون منهم، يخافون من المستقبل، فالعنف يلد العنف بالمقابل وفي ذاكرة كل طفل فلسطيني الاف الصور البشعة عن تعامل اسرائيل معهم ومع عوائلهم.. قتلوا امهاتهم وابائهم واخوانهم واعمامهم واخوالهم وابناء اعمامهم واخواتهم، فماذا ينتظرون منهم عندما يكبرون سوى ان هؤلاء الفتيان او الشباب الذين كانوا اطفالا سوف يتحولون الى مقاتلين يثأرون لأهلهم ولأنفسهم ويقاتلون من اجل حاضرهم ومستقبلهم.

مؤخرا شاهدت الفيلم الوثائقي "ولد في غزة" للصحفي والكاتب والمخرج الارجنتيني من اصل ايطالي، هيرنان زين، والذي صوره خلال الهجوم الاسرائيلي على غزة في تموز 2014، اي انه صوره تحت وابل الصواريخ التي كانت تسقط على الاحياء السكنية والمدارس والاسواق والمستشفيات والمساجد والكنائس في غزة، وكانت نتيجة هذا الهجوم 507 ضحية و3 الاف جريح من الاطفال فقط، وان هناك ما يقرب من نصف مليون طفل في غزة بحاجة ماسة الى الرعاية النفسية وقتذاك. الفيلم الذي كتبت ونشرت موضوعا عنه هنا في رووداو عربية تحت عنوان" الوثائقي(ولد في غزة)..الحقيقة يرويها الاطفال: نريد ان نعيش"، يتابع قصص عشرة اطفال فلسطينيين كنموذج للأطفال الضحايا وهم يتحدثون بعمق وعفوية ومصداقية عما اصابهم واصاب عوائلهم والاثار الجسدية والنفسية التي يعانون منها..كل طفل يحكي قصته، واتمنى ان تشاهدون فيلم "ولد في غزة" Born in Gaza، وتستمعون الى هؤلاء الاطفال الذين لا يريدون سوى ان يعيشوا حالهم حال أقرانهم في العالم، مطلب طبيعي ومشروع لكنه يصير في فلسطين وفي غزة بالذات من المستحيلات.

ويوم امس الاول، الاثنين، 23 اكتوبر 2023، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، أن إجمالي عدد الضحايا في قطاع غزة، ارتفع إلى 5087 ضحية، وإصابة 15 ألفاً و273 شخصاً منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على القطاع. موضحة أن من بين الوفيات 2055 طفلاً و1119 امرأة و217 مسناً، مشيرة إلى وفاة 436 فلسطينياً بينهم 182 طفلاً في الضربات الإسرائيلية على القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية.

دققوا في الرقم جيدا ايها السيدات والسادة، ان عدد الاطفال الذين قضوا بسبب الهجمات الاسرائيلية على غزة حتى يوم أمس الاول هو 2055 طفلا! لو كان هذا قد حدث في اي مكان في العالم لقامت الدنيا ولم تقعد، لكن ان يحدث ذلك في فلسطين وعلى ايدي القوات الاسرائيلية فان الجميع يتغاضى عنه وكان الحادث طبيعي وسيسجل ضد مجهول.

اسرائيل لا تخشى حماس ولا صواريخها، ولا مؤتمرات القمة العربية ولا ما يقال فيها لأنها تعرف ان العرب، ومنذ 75 سنة، أمة تجيد الكلام وليس الافعال، ولا تحترم قرارات مجلس الامن ولا اي قرار أممي او أوربي..اسرائيل اكثر ما تخشاه هم اطفال فلسطين واحلامهم وقراراتهم المستقبلية، لان كل طفل هو وطن..كل طفل هو فلسطين..كل طفل هو تحدي وتهديد لكيانها، لهذا تمعنت بقتل اطفال فلسطين. الا تتذكرون الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قتله الجنود الاسرائيليين وهو بحضن والده في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000؟ ام نسيتم هذه الجريمة البشعة؟ تعمدوا استهداف الطفل لأنه يشكل بالنسبة لهم تهديدا اكثر مما يعنيه والده بالنسبة لهم.

اذا صحت المقولة بان "الاطفال هم احباب الله"، فان اسرائيل لا تحب الاطفال ولا تحب الله ولا تؤمن به ولا بأطفاله، بل تتعمد قتلهم سواء اراد الرب ام لم يرد، وصار علينا ان نسال لماذا الرب لا يحمي احبائه الاطفال من جرائم اليهود في اسرائيل؟.

 

 

 

روداو

Top