• Monday, 29 April 2024
logo

التعليم: هل يمكن الحصول على وظيفة جيدة من دون شهادة جامعية؟

التعليم: هل يمكن الحصول على وظيفة جيدة من دون شهادة جامعية؟
منذ 11 عاما، أدركت آلي كورنيت أنها غير مستعدة للدراسة في الجامعة، ولم تعد متحمسة للحصول على البكالوريوس في الجيولوجيا بإحدى الجامعات في هاواي. وبعد أن أنهت دراستها الثانوية، قررت أن تعمل مرشدة سياحية في قطاع الضيافة. لكن على مدى السنوات العشر اللاحقة وجدت نفسها في طريق مسدود.

وتقول كورنيت، التي تبلغ من العمر الآن 33 عاما: "قيل لي مرات عديدة إن سيرتي الذاتي رائعة، وأمتلك خبرة طويلة، لكنني لم أحصل على شهادة جامعية، ومن ثم فإن فرص الترقي الوظيفي معدومة".

وحاولت كورنيت الحصول على وظيفة إدارية في الشركة التي كانت تعمل لديها لخمس سنوات على التوالي. وتقول: "جميع محاولاتي باءت بالفشل، لأن شخصا أقل خبرة مني، لكنه يحمل شهادة جامعية، فاز بالوظيفة".

وقد انتشرت في الوقت الراهن ظاهرة ارتفاع الطلب على الشهادات الجامعية، أي اشتراط المؤهل الجامعي للعمل في وظائف لم تكن تتطلب شهادات جامعية في الماضي، وربما لا تتطلب مزاولتها الآن شهادات جامعية أيضا.وكشف بحث أجرته مانجاري رامان، مديرة بمشروع عن إدارة مستقبل العمل الذي دشنته كلية هارفارد لإدارة الأعمال، عن وجود فجوة بين الطلب على الشهادات الجامعية في إعلانات الوظائف وبين عدد الموظفين الحاصلين على الشهادات الجامعية الذين يتقلدون حاليا هذه الوظائف.ففي عام 2015، على سبيل المثال، اشتُرط في 67 في المئة من إعلانات وظائف مشرفي الإنتاج حصول المتقدم للوظيفة على شهادة جامعية، في حين أن 16 في المئة فقط من مشرفي الإنتاج المعينين في الوقت الحالي يحملون شهادات جامعية.

وبعبارة أخرى، إن الموظفين الذين يتقلدون هذا المنصب الآن لا يحملون مؤهلا جامعيا، لكنهم إذا تقاعدوا أو استقالوا، فإن الموظفين الذين سيحلون محلهم يشترط أن يكونوا حاصلين على شهادات عليا. وقد ترتب على ذلك أن الشركات الآن تجد صعوبة في العثور على الكفاءات المناسبة لشغل الوظائف الشاغرة، وتتكبد تكاليف غير ضرورية، وفي الوقت نفسه تحرم أصحاب الخبرة المتحمسين للعمل من فرص الحصول على الوظيفة.

ويمثل ارتفاع الطلب على الشهادات الجامعية إحدى المشاكل الكبرى في سوق العمل منذ عقود، لكن الحاجة لمعالجة هذه المشكلة أصبحت أكثر إلحاحا في وقت نحتاج فيه إلى حلول جادة وسريعة لإنعاش الاقتصاد بعد الجائحة.نفس الوظائف، لكن بمؤهلات جديدة
تبدو مشكلة ارتفاع الطلب على الشهادات الجامعية أكثر وضوحا في الوظائف التي تحتاج مزاولتها لمهارات متوسطة، أي تتطلب حصول الموظف على شهادة تفوق الثانوية العامة ولكن أقل من الشهادة الجامعية الأولى.

وتشترط الكثير من الشركات الآن مؤهلا جامعيا لشغل هذه الوظائف في وقت لا يحمل فيه سوى ثلث الأمريكيين البالغين شهادة جامعية، ولا يحمل سوى سبعة في المئة من سكان العالم الشهادة الجامعية الأولى أو البكالوريوس.

ويعزو الخبراء ذلك إلى تعاظم دور التكنولوجيا. وتقول رامان: "ظهرت مشكلة ارتفاع الطلب على الشهادات الجامعية إثر تغير طبيعة الوظائف. فتزايد الاعتماد على الآلات والتكنولوجيا أفرز وظائف تحمل نفس المسمى الوظيفي لكنها تتطلب مؤهلات مختلفة".

وتضرب مثالا على ذلك، بمهنة عامل خطوط الكهرباء. وتقول إن هذه المهنة قبل عقدين كانت تتطلب قوة بدنية تتيح لصاحبها تسلق الأعمدة والعمل في أحوال الطقس المختلفة. لكن طبيعة الوظيفة اختلفت الآن. وتقول رامان: "يصعد عامل الكهرباء الآن عبر آلة ويستخدم جهاز ذكي للتواصل مع المركز الرئيسي لتحديد جذور المشكلة. صحيح أن هذا العامل لا يزال يعمل بيديه، لكنه أيضا يتعامل مع الكثير من البيانات التي يرسلها له الكمبيوتر".

وهذا ينطبق على الكثير من القطاعات الأخرى. وترى رامان أن زيادة الاعتماد على الآلات والتكنولوجيا ترافق مع زيادة الطلب على العمال الذين يتمتعون بمهارات اجتماعية، للتحدث إلى العملاء والتعرف على المشاكل وحلها. لكن الشركات بدلا من البحث عن عاملين يتمتعون بهذه المهارات، اختصرت المسافات واشترطت حصول المتقدم للوظيفة على شهادة جامعية أولى، وتقول رامان: "وكأن لسان حال الشركات يقول 'ما دام الموظف يحمل شهادة جامعية، فسيكون قادرا بالتأكيد على استخدام جهاز "الآيباد" وبرنامج الإكسل".

وبات من الصعب العثور على الموظف المناسب لشغل الوظائف التي تتطلب مهارات متوسطة، لأن الخوازميات تستبعد المتقدمين لهذه الوظائف الذين لا يحملون شهادات جامعية، حتى لو كانوا يتمتعون بالخبرة اللازمة لمزاولتها.

وأشار بحث لكلية هارفارد لإدارة الأعمال إلى أن شغل الوظائف التي تتطلب مهارات متوسطة، مثل وظيفة المشرف أو مسؤول الدعم الفني أو مندوب المبيعات أو الفاحص أو كاتب المحكمة أو السكرتير والمساعد الإداري، أصبح عسيرا لأن أصحاب العمل يفضلون خريجي الجامعات.إشارات لا يعول عليها
ويتوقع راي باتشان، كبير المحاضرين بكلية إدارة الأعمال بجامعة برايتون، أن يؤدي التركيز على الشهادات الجامعية إلى تقليص فرص الشباب في الترقي الاجتماعي. وذلك لأن الآباء والأمهات الأقل ثراء من المستبعد أن يدرس أبناؤهم في الجامعات، ومن ثم قد يجدون صعوبة في العثور على وظيفة، وستكون النتيجة أن فرص هذا الجيل ستكون أقل من فرص الجيل الذي يسبقه في تحقيق النجاح.

وسيكون تأثير هذه الظاهرة أشد على المجتمعات التي ليس من المرجح أن يحصل أفرادها على شهادات جامعية، فنصيب السود من مجمل شهادات البكالوريوس التي تمنحها الجامعات سنويا لا يتجاوز 11 في المئة، في حين أن نصيب الطلاب من أصول لاتينية 14 في المئة فقط.

غير أن هذه الممارسات لا تسهم في تحسين أداء القوى العاملة. وتقول رامان إن الحاصلين على شهادات جامعية، إذا انتهى بهم المطاف في وظائف لا تتطلب التخصصات التي درسوها، من المرجح أن يصابوا بالإحباط ويتدنى أداؤهم. وقد يبحثوا عن وظيفة أخرى لأنهم غير راضين عن أداء نفس المهام التي يمكن أن يؤديها أي موظف غير حاصل على شهادة جامعية.

ويكلف تنقل الموظفين بين الوظائف الشركات مبالغ كبيرة، ناهيك عن أن رواتب خريجي الجامعات أعلى بما يصل إلى 30 في المئة مقارنة بنظرائهم غير الحاصلين على شهادات جامعية.

ولهذا من الواضح أن الطلب على الشهادات الجامعية لا يعود بالنفع لا على الموظف ولا على صاحب العمل. وربما يكون المستفيد الوحيد منه هو المؤسسات الأكاديمية في العالم، التي تضاعف عدد الطلبة المسجلين فيها في الفترة بين 2000 و2014.

وفي المملكة المتحدة، لم يزد عدد برامج الدبلومات التي تمنحها الجامعات خمس مرات منذ 1990 فحسب، بل ارتفع أيضا عدد الطلاب الحاصلين على مرتبة الشرف الأولى من 7 في المئة في عام 1997 إلى 30 في عام 2019.

ويعزو باتشان ذلك إلى تحسن طرق التدريس وتوسيع المكتبات والإنترنت. لكن ربما أصبح الحصول على الدرجات العالية الآن أسهل منه في الماضي، بسبب الاعتماد على خوارزميات التقييم.

غير أن ارتفاع عدد الحاصلين على أعلى الدرجات في الجامعات قلّص فرص العاملين الذين لم يحصلوا على أي شهادات جامعية في الحصول على موطئ قدم في سوق العمل.

وينبه باتشان إلى أن المؤهلات الجامعية لم تعد مؤشرا يعول عليه على كفاءة المتقدم للوظيفة. ويقول: "عندما يتقدم للوظيفة الكثير من الحاصلين على مؤهلات عالية، سيجد أصحاب العمل صعوبة في اختيار الموظف الذي يتمتع بأعلى مستوى من المهارات التي تؤهله لشغل الوظيفة".حان الوقت للتوقف عن هذه الممارسات
ثمة أدلة تشير إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين قرروا العودة للدراسة بالجامعة خلال عام 2020. إذ سجل موقع خدمة تقديم طلبات الالتحاق بالجامعات البريطانية ارتفاعا في عدد المتقدمين الذين تتجاوز أعمارهم 35 عاما.

وعندما أغلقت الوجهة السياحية التي كانت تعمل لديها آلي كورنيت، أبوابها بسبب جائحة كورونا، انتقلت كورنيت إلى أوريغون للحصول على درجة البكالوريوس في تنظيم وقيادة المغامرات في الهواء الطلق بجامعة جنوب أوريغون. وتقول كورنيت: "إن الوباء أتاح لي الفرصة للتركيز على التخصص الذي أريد أن أدرسه ليفيدني في مستقبلي المهني".

وعلى الرغم من أن مشكلة ارتفاع الطلب على الشهادات الجامعية تعود لعقود مضت، إلا أن جائحة كورونا ربما تكون قد فتحت الباب على مصراعيه لتغيرات كبرى. وتقول رامان: "إن الوباء أماط اللثام عن المشاكل المتأصلة في الاقتصاد". وقد تتجه الشركات في اقتصاد ما بعد الوباء إلى الاستغناء عن اشتراط حيازة الشهادة الجامعية توفيرا للمال ولتحسين فرص العثور على الكفاءات المناسبة. وقد اتخذت شركات كبرى بالفعل هذه الخطوة قبل 2020.

وتقول رامان إن هناك أسبابا قوية تحمل الشركات على الاستغناء عن اشتراط الشهادة الجامعية في جميع الوظائف، لا بسبب تخفيض الرواتب فحسب، بل أيضا للحد من تكاليف تنقل الموظفين بين الوظائف وتحسين الأداء والحفاظ على الكفاءات. فالشركات ستكتشف أن اشتراط الشهادة الجامعية يعود عليها بالضرر.

وتلفت رامان إلى أن الشركات العملاقة، مثل وولمارت وأمازون، فطنت إلى هذه المشكلة قبل الوباء. ولهذا دشنت أمازون برنامجا في عام 2019 بقيمة 700 مليون دولار للإنفاق على تعليم موظفيها الذين لا يحملون شهادات علمية وتدريبهم، لأنها أدركت أن حصول الموظفين الثابتين على التدريب الذي يؤهلهم لتولي المناصب الإدارية سيوفر عليها الكثير من التكاليف.

وتقول رامان: "أدركنا قبل الوباء أن الطلب على الشهادات الجامعية لا يفيد الشركة ولا العاملين. وعلينا أن نضع ذلك في الاعتبار بعد الجائحة لكي نبني اقتصادا يستوعب مئات الآلاف من الناس الذين لم يحصلوا على شهادات جامعية لكنهم يمتلكون خبرات ومؤهلات ومتحمسون للعمل".









بي بي سي





Top