• Monday, 06 May 2024
logo

عن الموصل بعد تحريرها

عن الموصل بعد تحريرها
عبدالكريم الكيلاني

تقرع الطبول على أبواب الموصل الأسيرة منذ فترة، نصغي لتصريحات المسؤولين والقادة العسكريين وهي تنعش اسماعنا باقتراب اعلان ساعة الصفر لتحرير ماتبقى من نينوى ونحن نغذ خطى القلب نحو مدينة الأزقة والعوجات (الموصل الحدباء) التي خطفها التنظيم الارهابي المتطرف (داعش) قبل أكثر من سنتين على مرأى ومسمع من العالم، الموصل التي أصبحت خارج الوقت، بعد أن كانت هي الوقت الجميل الذي لطالما افترش ربيعها الدائم.

حكومتها المحلية في المنفى، اهلها يقتسمون الخيبة بينهم، بعضهم يعيشون في المخيمات ومدن اقليم كوردستان ومدن اوربا وتركيا، والبعض الآخر يستقبلون سياط التطرف والظلم والعبودية داخل المدينة، خذلتهم الحكومة الاتحادية والفرق العسكرية التي كانت تحميهم، حتى حدثت كوارث لم تكن تخطر بالحسبان.
الأسئلة التي تتبادر الى الاذهان معقدة نوعاً ما وأجوبتها عصية على الفهم ومركبة وهي بحاجة الى مراس فكري يساعد على تقبل الناس لها وادراكها:
1- هل حقاً نحن على موعد قريب مع التحرير؟ أم هي مجرد حروب اعلامية المغزى منها كسر شوكة الاعداء؟
نحن نعلم بأن الحرب الاعلامية مهمة جداً في هكذا مواجهات، وقد سبقتنا الدول الكبرى في استخدام الاعلام كأداة فاعلة لتحطيم معنويات العدو وانهياره كما حدث في الحربين العالميتين الاولى والثانية عندما استخدم الراديو والسينما والصحافة لهذا الغرض، وايضا هنالك عشرات الامثلة في التاريخ الحديث توثق اهمية الاعلام كسلاح فتاك، الا اننا نرى ان اعلامنا لا يزال ضعيفا نوعا ما بالرغم من تعدد المنافذ والوسائل الاعلامية، لكنها غير محترفة في صناعة النصر ومواجهة العدو، لذا فنحن بحاجة الى حرب برية وجوية على الارض لحسم الحرب بصورة نهائية.
2- الموصل ومنذ اكثر من سنتين محتلة من قبل داعش الذي يحاول بكل الوسائل تأسيس قاعدة فكرية متطرفة عبر تجنيده للاطفال والصبيان وغسل ادمغتهم ، كيف سنتعامل معهم بعد تحرير الموصل ؟
لا شك ان السنتين الماضيتين كانت كافية لتلقين الكثير من الاطفال ثقافة التطرف داخل الموصل، عبر مناهج الدراسة في المدارس وعن طريق تجنيد الاطفال الايتام وتدريبهم وتلقينهم، وهذا الامر يتطلب جهد منظماتي كبير لتأهيل هؤلاء الاطفال بعد تحرير الموصل، وينبغي على المنظمات الانسانية العالمية التحضير لبرامج تأهيلية مكثفة، تعيد الأطفال والصبيان الى جادة الصواب وتبين لهم ان ماتعلموه من داعش وهمٌ كبير وفكرٌ ينبذه العالم اجمع لانه ضد الانسانية والحياة الطبيعية والقيم العليا.
3- التنظيم احدث شرخاً في النسيج الاجتماعي لمكونات نينوى، كيف سنعالج هذا الشرخ ونعيد الاستقرار مرة أخرى؟
لاشك ان داعش احدث شرخاً في النسيج الاجتماعي لمكونات نينوى من خلال قيامه بعمليات الابادة الجماعية التي أودت بحياة الالاف من الابرياء من مختلف المكونات وبالأخص المكون الايزيدي في سنجار وتوابعها والمكون المسيحي والشبكي والمكونات الاخرى التي تتشكل منها لوحة نينوى الفريدة، وهذا الامر احدث مآساة كبيرة يجب معالجتها بحكمة ودراية وتحضر، وايضا نحن بحاجة الى آلة معرفية تعيد الأمور الى نصابها بعد تقديم المجرمين الى العدالة، وتعويض المتضررين وترميم الفكر السلمي بعد أن أصبح مهدداً بالزوال، وعلى المجتمع الدولي بذل الكثير من الجهد في هذا المجال والا فإن الأصوات تتعالى لتقسيم نينوى الى عدة مدن كأن تستحدث محافظة في سنجار واخرى في تلعفر واخرى في سهل نينوى ماعدا الموصل، والغالبية من المراقبين يؤكدون أن هذا ماسيحدث في النهاية بسبب حجم الدمار النفسي والمجتمعي الحاصل في نينوى .
4- هل عملية تحرير الموصل عسكرية بحتة ام سياسية بحاجة الى تفاهمات؟
من الواضح ان تحرير الموصل بحاجة الى تفاهمات قبل البدء بتحريرها، شكل الإدارة وشكل المحافظة والضمانات التي يحتاجها مكونات نينوى من (الكورد والعرب والايزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان والكاكائيين وغيرهم)، فالثقة بين هذه المكونات والحكومة الاتحادية اصبحت في مهب الريح بسبب كل ماحصل، والحاجة الى تفاهمات سياسية لضمان عدم عودة حالة عدم الاستقرار الى المنطقة مرة اخرى، وهناك اصوات تتعالى لاستقدام قوات حفظ النظام الدولية للمحافظة على الأمن والاستقرار بعد التحرير.
في كل الاحوال علينا ان نهيء انفسنا لمرحلة جديدة كلياً وتغيير جديد في نينوى، فلا يمكن عودة الامور الى ماقبل 10/6/2016 مهما حدث، فمحافظة نينوى ليست كباقي المدن المحررة (صلاح الدين والانبار) لانها تضم مكونات متعددة وقوميات واديان وثقافات مختلفة وقد تعرضت هذه المكونات لزلازل وكوارث على ايدي تنظيم داعش الارهابي، ومن المستحيل ان تعود الامور الى سابق عهدها، ونحن بانتظار الخارطة الجديدة للمنطقة .
Top