• Monday, 29 April 2024
logo

الافواج السياسية الخفيفة!

الافواج السياسية الخفيفة!
محمود كفاح سنجاري



شكلّت الأنظمة العراقيّة المتعاقبة ومنذ ستينيات القرن الماضي والمعادية، مجاميع من الموالين لها في كوردستان على شكل أفواج شبه عسكرية من بعض شيوخ العشائر وأغواتها المرتبطين بتلك الأنظمة، لقاء أموالٍ طائلة كانت تُدفع لهم كرواتب لأبناء عشيرتهم مقابل إعفائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية والعمل تحت أوامر وتوجيهات دائرة الاستخبارات العسكرية أو الأمن المحلي، ويستخدمون عادة في الحملات العسكرية للجيش ضد الثورة الكوردية وأثناء الهجوم على القرى والبلدات، ولم تكن واجباتهم تتعدى البحث عن الثوار أو المعارضة وتفتيش القرى والبلدات وما يرافقها من عمليات سلب ونهب لتلك القرى، أو في أحيان أخرى أمام القطعات العسكرية لتفجير حقول الألغام أمامهم، وفي العادة كان الأغا أو الشيخ أو آمر الجحفل أو الفوج أو السريّة، يستحوذ على رواتب عناصره مقابل عدم التزامها بالدوام إلا في واجبات محددة ومحصورة جداً كما ذكرنا، وهذه التشكيلات التي كان يطلق عليها رسمياً اسم (الأفواج الخفيفة) أو (فرسان صلاح الدين) أو (سرايا أبو فراس الحمداني)، كانت تُعرف لدى أهالي كوردستان بأسماء أخرى يعبرون فيها عن سخريتهم وازدرائهم منهم.

أما في الحقل السياسي فقد اعتادت معظم الأنظمة الشمولية تجميل شكلها السياسي بصناعة اكسسوارات سياسية على شاكلة أحزاب للزينة من الموالين لها، باستخدام بعض الشخصيات التي تمّ ارشاؤها بالمال أو بالمناصب، لتجميل ما كان تدعيه تلك الأنظمة بالتعددية، على شاكلة ما كان موجوداً في بلغاريا وألمانيا الديمقراطية ابان الحكم الشيوعي، فقد استنسخت شمولياتنا الشرق أوسطية، خاصة في العراق وسوريا، هذا النمط من صناعة أحزاب رديفة للأحزاب المعارضة الحقيقية، حيث حاولوا استنساخ نسخ مشوهة من شخصيات مفصولة أو مطرودة من الأحزاب الحقيقية لتصنيع حزب شيوعي وقومي وكوردي، وتقديمها على أنها ممثلة للشعب العراقي والكوردستاني، ونتذكر جميعاً تلك الأحزاب الكارتونية وخاصة في كوردستان والتي كانت سرعان ما تتبخر بعد ساعات من أي اتفاق بين قيادة الحركة الكوردية وبين الحكومة العراقية في حينها.

وللأسف ما تزال تلك الثقافة سائدة في معظم من تولى الأنظمة الجديدة التي أعقبت عملية ازالة سابقاتها الشمولية، خاصة هنا في العراق ولدى بعض مفاصل النظام السياسي الجديد بعد 2003، حيث دأبت ومنذ السنوات الأولى للحكم على إحياء تلك الكيانات، خاصة مع إقليم كوردستان ومن خلف السلطات الدستورية في الإقليم، حينما اقترحت مكافأة تلك الكيانات التي خدمت الأنظمة الدكتاتورية السابقة برواتب تقاعدية، وقد أفشلت سلطات الإقليم تلك المحاولات البائسة في بثِّ الرّوح لكيانات ميتة، مما دفعها هي وغيرها ممن أدمنوا عدم قبول الآخر إلى خيارات أخرى في السنوات الأخيرة حيث كثّفت جهودها بشتى الوسائل لشراء ذمم أو استخدام واستمالة مجاميع، وبذات الثقافة الشمولية سيئة الصيت لتكوين كيانات أو مجموعة تعمل لصالحها وخاصةً في البرلمانين الاتحادي والإقليمي، لتنفيذ أجندة تلك الأحزاب المهيمنة، وشق الصف الكوردستاني وتشتيته.

ويقيناً أنها حققت بعض التقدم في هذا الاتجاه، وفتح جيوب هنا وهناك، واستطاعت تشجيع بعض المستائين أو المنشقين من الأحزاب الرئيسية في كوردستان ودعمهم للعمل معهم، وذلك باستغلال الخلافات السياسيّة الداخليّة لصناعة أحزاب كارتونية أخرى، لاستثمارها واستخدامها حين الطلب على شاكلة الأفواج الخفيفة ولكن بتطوير جديد وموديلات أحدث، ولقد أكّدت الأحداث قبل وبعد الاستفتاء وحتى يومنا هذا استمرار هذا النهج المعادي للإقليم وشعبه وطموحاته، خاصةً وأنهم جربوا القوّة العسكرية بعد 16 أكتوبر في محاولة اجتياح الإقليم، إلا أن فشلهم جعلهم يعيدون النظر بالاتجاه الآخر، وذلك بفتح جيوب على طريقة نظام البعث الذي كان يستخدمه في تلك الكيانات ولكن هذه المرّة بدون اسم وزي عسكري، بل من خلال مجموعات برلمانية تقوم بالواجب لتنفيذ مآربهم بشكل غير مباشر.

إنهم "دودة الشجرة" كما يصفها أهالي كوردستان.










روداو
Top