• Monday, 29 April 2024
logo

خطاب الكراهية إرث تاريخي

خطاب الكراهية إرث تاريخي
جان كورد



ظهور الكراهية في المجتمعات ليس كالانتشار السريع للأوبئة، وإنما هو المرض الثقافي للأقوياء في كل مكانٍ على سطح الأرض، والثقافة في تطوّر وتوسّع، أولاّ بين النخب السياسية والثقافية ثم تتعمّق في المجتمعات حتى يتأثر بها عوام الناس، وتصبح ذات فاعلية وتأثير في حياة عوام مع الأيام.

عندما اشتد طغيان وفساد العائلة المالكة الأموية التي استثمرت الدين لاستمرارية بقائها حاكمةً، غامر الكوردي أبو مسلم الخراساني بحياته من أجل انتزاع السلطة منهم فقضى على السلطة الأموية، ونقلها ليس لقومه الكورد وإنما لبني العباس العرب في بغداد، إلاّ أن هؤلاء لم يثقوا به مطلقا لاعتباارهم غير العرب شعوبيين، بل نعت أحد شعرائهم أبا مسلم يالغدر وقتلوه قتلة بشعة، فقال: أفي دولة العباس أردت غدرنا ألا إنّ (أهل الغدر آباؤك الكورد)

فلم يكن آباء الكورد في نظر النخبة العربية أهل الغدر والخيانة فحسب، وإنما اعتبر المؤرخون العرب الكورد سلالةً من الجن، والجن مكروهون، فساهم الشعراء والمؤرخون السنّة على إثارة الكراهية ضد الكورد، في حين أن ملالي الشيعة حرّموا على أتباعهم مصاهرة الكورد ونشروا ذلك في كتبهم الدينية والتاريخية، وذلك على الرغم من أن الدين المشترك بين السنة والشيعة وبين الكورد يقول بأن المؤمنين أخوة، وأن البشر كلهم من آدم وآدم من تراب. هذه الكراهية مبعثها عدم قدرة الأمويين والعباسيين على صهر الشعب الكوردي، في حين أخضعوا لثقافة ولغة العرب حضارات عظيمة، ومنها الحضارتين الفرعونية المصرية والأمازيغية.

هذه الكراهية نجدها عند سلاطين العثمانيين أيضاً حيال الكورد، حتى أن سلطاناً أمر بترميم نبع ماء وبكتابة عبارةٍ كهذه على جدار ذلك (السبيل): " اللهم، دع كل البشر من المسافرين وحيوانات البرية الوحشية تشرب من ماء هذا النبع، إلا الكورد فليكن سماً زعافاً لهم." وتوارث القوميون الأتراك تلك الكراهية بشكلٍ مثيرٍ للعجب، ووصل الأمر إلى حد اعتبروا الكورد وحوشاً أو بشراً دون المستوى في كتب الأطفال وتعاليم السياسة الطورانية، وأهم الأسباب في ذلك هو عدم قدرتهم على صهر الكورد رغم سياساتهم العنصرية، في حين تمكنوا من القضاء على الامبراطورية البيزنطية وأبادوا الشعب الأرمني وصهروا الشعب الليدي ودحروا الاغريق... وعليه، لا يمكننا تخفيف وطأة خطاب الكراهية، ما لم ندرس بعمق نشوءه تاريخياً وما لم نحصّن النخب الثقافية والسياسية ضده بدايةً، ثم نتأكّد من أن المدرسة ودار العبادة وبرامج الكتل السياسية لا تغذي أفكار الكراهية ضد الأقليات القومية والدينية في المجتمعات.








باسنيوز
Top