• Saturday, 27 April 2024
logo

شهادة الباجه جي بالحقوق التاريخية للكورد

شهادة الباجه جي بالحقوق التاريخية للكورد
معد فياض


لا نستغرب كثيراً إذا ما سمعنا رأياً مخالفاً للحقائق صادراً عن مثقف او متثاقف أو سياسي او متسيس عربي، غير عراقي، عن حقوق شعبنا الكوردي القومية في أرضه وتاريخه وثقافته ويستنكر حق الكورد في أن تكون لهم دولتهم.

لكنني استغرب كثيراً، وحد الصدمة، في ان يصدر هذا الرأي عن مثقف او سياسي عراقي يدعي المعرفة والاطلاع على التاريخ، القديم والحديث والراهن، وسواء صدر هذا الرأي عن مثقف وسياسي عربي او عراقي مع سبق الاصرار والتعمد والجهل بالتاريخ والحقائق، أو لأغراض تشويه الحقائق وتغييبها واستغباء الرأي العام لكسب اصوات هنا وهناك، فأن الحقائق لا يمكن ان تغيب، ومثلما يقال أن ضوء الشمس لا يحجبه غربال.

عندما كنت في أوروبا، اناقش بعض الكتاب العرب، من بعض الدول العربية، حول حقوق الكورد، وكورد العراق خاصة، ويتهمونني بالانحياز لهم ضد العرب، متهمين، عن جهل حقيقي بالمعلومات التاريخية أو عن تعصب شوفيني للقومية العربية، الكورد باحتلال "شمال العراق" ومحاولة تجزئة العراق وتقسيمه، يكون ردي بأن عليكم العودة الى الادلة والحقائق التاريخية وقراءة التاريخ، تأريخ المنطقة ككل، وتأريخ الكورد، لتتيقنوا ان وجودهم في ارض وادي الرافدين يعود لاكثر من ستة الاف عام، وقلعة اربيل الشامخة وسط عاصمة اقليم كوردستان دليل دامغ لا يمكن تجاوزه لتأكيد هذه الحقيقة. المعلومة الصادمة بالنسبة لهم والتي غالباً ما كانت مثار خلاف بيني وبينهم هي أن وجود العرب في المنطقة، وأعني وادي الرافدين ومن ثم العراق، حديث العهد بالنسبة لوجود الكورد ولا يتجاوز الـ 1200 عام، او اكثر من ذلك بقليل، عندما بدأت الغزوات العربية للدول والشعوب المجاورة للجزيرة العربية تحت تسمية "الفتوحات الاسلامية" التي وصلت حتى اوربا عن طريق الاندلس.

هناك حقيقة تاريخية يقرها غالبية من الباحثين وعلماء التاريخ والجغرافيا، مفادها ان الغزوات كانت دائما تنطلق من الجنوب الشحيح بموارده الطبيعية الى الشمال الغزير بمياهه واراضيه الزراعية، وانطلاقاً من ذلك جاءت الغزوات من الجزيرة الى بلاد الرافدين وفارس من جهة، ثم اتجهت الى المغرب عبورا إلى اسبانيا. هذا دون أن ننكر وجود بعض االقبائل العربية في بلاد وادي الرافدين قبل حدوث ما تسمى "الفتوحات الاسلامية"، وحتى هذه القبائل العربية التي كانت متواجدة او مستقرة في وادي االرافدين فانهم نزحوا في الغالب من الجزيرة العربية في أوقات سابقة.

على العكس تماما من الآراء الشوفينية المتطرفة ضد الكورد، والمعلومات الخاطئة عن حقيقة وجودهم التأريخي في وادي الرافدين، هناك من المثقفين والسياسيين الذين يتمتعون بالكثير من الموضوعية والانصاف ويعترفون بالحقوق القومية المشروعة للكورد على ارضهم في إقليم كوردستان.

أحد أهم وأبرز السياسيين والمثقفين العراقيين في العصر الراهن الذي اعترف بصراحة بحقوق الكورد في إقامة دولتهم المستقلة هو الدكتور عدنان الباجه جي، ممثل العراق الدائم لأكثر من ربع قرن في الامم المتحدة ووزير الخارجية العراقية الأسبق في منتصف الستينيات من القرن الماضي والذي ترأس لسنوات لجنة تحرير الشعوب في المنظمة الدولية، حيث يقول كانت مهمتي كمندوب دائم للعراق في الامم المتحدة هي "دعم وتأييد حركات التحرر العربية، كون العراق تأسس باعتباره دولة عربية قومية وجزءا من الأمة العربية، وكان يعتبر نفسه مسؤولاً عن دعم حركات التحرر العربية، على الرغم من وجود الكورد كقومية ثانية لهم حقوق تعترف بها الحكومة، والعراق الدولة الوحيدة في المنطقة الذي يعترف بحقوق الكورد على العكس من تركيا وإيران وسوريا، فهم جزء مهم من شعبنا وهذا حقهم".

خلال مراجعتي الأخيرة لكتابي "عدنان الباجه جي.. ذاكرة العراق" قبل دفعه للنشر، رأيت ان استقطع وأنشر جزءاً مما قاله هذا السياسي الموثوق والعقلاني في آرائه، حيث يقول: "من حق الكورد أن يقرروا مصيرهم عملا بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأنا لا ألومهم ولو كنت كورديا لتمنيت أن تكون لي دولة كوردية، كل شعوب العالم صارت لها دولها، واليوم هناك جزيرة صغيرة في المحيط الهندي عدد سكانها لا يتجاوز العشرين ألفا صارت دولة معترفا بها كعضو في الأمم المتحدة".

وفي جانب آخر من الكتاب يقول:"كان المفروض أن تكون هناك دولة كوردية منذ 1920، بعد انهيار الدولة العثمانية ووفق اتفاقية سرت".

في اعتراف صريح بكوردستانية مدينة كركوك، يقول الباجه جي: "عندما كان والدي (مزاحم الباجه جي) وزيراً للداخلية في وزارة نوري سعيد الأولى، عام 1933، زار كوردستان، كانت تسمى شمال العراق، وقد أخذني معه وكان عمري عشر سنوات، حيث زار جميع المدن الكوردية، كركوك (نلاحظ أنه يذكر هنا كركوك باعتبارها مدينة كوردية منذ ذلك التاريخ) والسليمانية وأربيل ودهوك وزاخو والعمادية وراوندوز".

يشير الباجه جي في ختام حديثه عن حقوق الكورد بقوله: "أنا أناصر الاكراد في أن يقرروا مصيرهم مثلما يريدون، حتى عندما كنت وزيراً للخارجية عام 1966، قلت في اجتماع مجلس الوزراء يجب أن نسمح للأكراد بتقرير مصيرهم مثلما يريدون، فاستغرب الجميع من هذا الطرح، فقلت لهم، أنا دافعت لسنوات طويلة في الأمم المتحدة عن حقوق شعوب أفريقيا في الاستقلال ونيل حرياتها، ثم آتي إلى العراق لنحرم الأكراد، وهم منا وشعبنا! والأكراد يعرفون موقفي هذا، ومنذ بدايات عملي في الخارجية وأنا متمسك بهذا الموقف".









روداو
Top