• Sunday, 05 May 2024
logo

الشرق الأوسط يعيش أجواء كابوس التقسيم

الشرق الأوسط يعيش أجواء كابوس التقسيم
المفكر السياسي د. سلطان بركات من مركز سياسات الشرق الأوسط ومدير الأبحاث بمركز بروكنجز الدوحة رئيس مجلس إدارة وحدة إعادة الإعمار والتنمية بجامعة يورك.
حوار- سميح الكايد:

قدم المفكر السياسي د. سلطان بركات من مركز سياسات الشرق الأوسط ومدير الأبحاث بمركز بروكنجز الدوحة رئيس مجلس إدارة وحدة إعادة الإعمار والتنمية بجامعة يورك صورة شاملة للمشهد السياسي في الشرق الأوسط واضعا حلولا تصورية لحل قضايا الصراع لتحقيق تقدم على مستوى أهداف التنمية المستدامة .

وأكد في حوار مع الراية أن المقاربات التي تشهدها المنطقة تعيد للذاكرة صورة اتفاقية "سايكس بيكو" الاستراتيجية الكبري التي سعت لتقاسم المنطقة وإعادة توزيعها جغرافيا فيما يعرف بكابوس التقسيم وتوزيع خيرات المنطقة.

وأشار الى أنّ تطلعات الربيع العربي لم تتحقق وانزلقت بعض الدول إلى الطائفية فهناك الآن حاجة إلى رؤية جماعية تتجاوز الحدود الوطنية من خلال تجميع موارد المنطقة كالموارد البشرية والشعوب المتعلمة ورأس المال .

ودعا لتضافر جهود كافة الأطراف المعنية للنهوض بالمنطقة ووضع استراتيجية إقليمية لإعادة الإعمار ومعالجة العنف بكافة أنواعه . . وفيما يلي تفاصيل الحوار:

- كيف تقيم صورة المشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط ؟

-- المنطقة تشهد أوجه عديدة من الصراعات والانقسامات والتقاطعات والتدخلات الأجنبية على نحو يعيد للذاكرة الأحوال التي سبقت وضع اتفاقية سايكس بيكو للمحافظين الجدد التي ظهرت في أوائل الألفية الثانية، كما أنها لا تأخذ في الحسبان أنّ منطقة الشرق الأوسط قد تغيرت جذرياً منذ العام 2011.

- كيف تتصور إمكانية الخروج بالمنطقة من نفقها المظلم؟

-- الأمر يتطلب تضافر جهود مشتركة من كافة الأطراف المعنية للنهوض وإحداث تنمية بالمنطقة تستطيع أن تخرجها من واقعها المرير وهذا يتطلب من الجميع العمل على وضع استراتيجية إقليمية لإعادة الإعمار ومعالجة العنف بكافة أنواعه .

كما أن المنطقة تحتاج إلى استراتيجية تتطوّر باستمرار وتتميّز بنظرة شمولية لحل المشاكل تستند إلى مختلف أشكال التدخل (على غرار التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية، ومشاريع التنمية بين المناطق وتحقيق الاستقرار و بناء الدولة ) من دون أن يتم فرضها بالقوة.

مشاركة الشباب

- ماهي الأسس التي ترى أنه بالإمكان البناء عليها لتحقيق هذه الصورة؟

-- لا بد هنا من الإشارة إلى أنّ الحاجة لتطبيق الصورة الجديدة تكمن في قوة القيادة الإقليمية الحقيقية والمشاركة الواسعة ومشاركة الشباب والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ومعطياتها الإيجابية ولا بد أن تكون ركائز هذه الاستراتيجية تشمل رؤية إقليمية جماعية ومشاركة محلية فعالة وأمن ذكي، بالإضافة إلى المصالحة والعدالة والإنصاف وإعادة الإعمار والتنمية والقدرة.

رؤية جماعية

- تحدثت عن ضرورة تحقيق رؤية جماعية .. ماهي مقومات تلك الرؤية؟

-- بما أنّ تطلعات الربيع العربي لم تتحقق وانزلقت بعض الدول إلى الطائفية فهناك الآن حاجة إلى رؤية جماعية تتجاوز الحدود الوطنية ويكون ذلك من خلال تجميع الموارد في المنطقة وخاصة جميع مقومات التنمية على نطاق واسع كالموارد البشرية والشعوب المتعلمة ورأس المال وقابلية التحرك والطبيعة بعد ذلك، يمكننا أن نتطلع إلى اليوم الذي تكون فيه التنمية على مستوى المنطقة فعلاً تآزرياً وليس ضاراً أو معادلة محصلتها صفر. وقد يكون ما حققه المغرب على مستوى الطاقة الشمسية هو خير مثال على ذلك - استثمار ذو رؤية واجه التحديات التنموية والبيئية الإقليمية، وحفّز التوظيف، ورفع الثقة بأن قطاعات التكنولوجيا الفائقة والقطاعات الإبداعية يمكن أن تزدهر في الشرق الأوسط. إنّ رؤية واسعة النطاق كهذه أمرٌ غاية في الأهمية في حال كانت المنطقة تريد أن تنتقل الى مرحلة جديدة قوية وألا تبقى في حلقة مفرغة من الصراعات والتنمية الفاشلة.

مفتاح الحل

- كيف ترون مفتاح الحل لتحقيق هذه الرؤية المشتركة التي تحدثت عنها ؟

-- نحتاج رؤية شاملة وغير معادية من خلال قبول الإسلام باعتباره دين الأغلبية وفي الوقت نفسه الاعتماد على الأمن البشري باعتباره أرضية مشتركة.

ومن أجل أن يحدث ذلك، لا بد من بعض التغييرات الحقيقية في دول إقليمية تمكّنهما من ممارسة قيادتها الإقليمية عبر دمج رؤية جماعية بناءة بدلاً من تكريس العدائية الطائفية.

- ما هو مفهوم المشاركة الواسعة في الرؤية الإقليمية؟

-- من المهم أن تقر الرؤية الإقليمية بأن التنمية تتطلب المشاركة الواسعة مجتمعاً مدنياً نشطاً ووسائل إعلام حرة وعمل وأفكار متأصلة على المستوى المحلي وبمشاركة شعبية والدخول في مشاورات على مستوى المنطقة حيث تأتي المساهمات من المدارس والقرى والمجالس المحلية والأحزاب السياسية والنقابات وغيرها من المحافل المدنية كل ذلك من شأنه أن يساعد المنطقة على أن تحلم بما تريد أن تكون في السنوات الـ 50 القادمة.

الأمن الذكي

- ماذا تعني بالأمن الذكي لتحقيق التنمية بالمنطقة؟

-- بدلاً من الرؤية الجماعية للتنمية لدينا رؤية للدفاع تشكلت بحجة وجود تنظيم داعش يقرّ الجميع أن الحد الأدنى من الأمن مهم لتنفيذ إعادة الإعمار، إلا أن نقص الأمن لا يمكن أن يكون حجةً للوقوف مكتوفي الأيدي و أثبتت التجربة أن تأخير جهود إعادة الإعمار يرمي بالناس في أتون الصراع والعنف ويؤدي إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية ولا شك أن المنطقة بحاجة إلى العثور على وسائل أفضل لفهم النسيج الدقيق للأمن على المستويين المحلي والإقليمي ليتمّ تطوير استراتيجيات لا يمنع فيها انعدام الأمن في مكانٍ ما لتحقيق التنمية في مناطق أخرى.

مصالحة حقيقية

- كيف يمكن تحقيق تنمية شاملة في منطقة مليئة بالصراعات؟

-- لابد من المصالحة والعدالة إذ لا يمكن حماية استثمار طويل الأمد في مجال إعادة الإعمار من دون مصالحة حقيقية في جميع أنحاء المنطقة.

منذ عشرين عاماً، كان خط الصدع الرئيس إسرائيل - فلسطين.. أما اليوم، فتعددت خطوط الصدع التي لا بد من معالجتها، بما في ذلك التوترات بين المسلمين والمسيحيين، التوترات بين النازحين والمجتمعات المضيفة والتوترات بين السنة والشيعة.

تكمن الطريقة الأساسية لبدء المصالحة في التأكد من أن سيادة القانون تُطبق على الجميع وأن لكلّ الحق في الحصول على العدالة بغض النظر عن الآلية. . من هنا، يمكن بناء الكثير على الأنظمة المحلية والتقليدية لتحقيق العدالة والمصالحة والإنصاف ،إذ من الأخطاء الشائعة التي تحصل عند الحديث عن إعادة الإعمار هي أن هذه الأخيرة تحصل من دون تنظيم ومراقبة كافيين لضمان توزيع المكاسب بالتساوي وكمثال على ذلك لقد أدت جهود الأسد لتحرير اقتصاد سوريا قبل العام 2011 إلى إغناء نخبة فاسدة، مما ساهم في وصول البلاد إلى ما آلت عليه اليوم. لاحقاً، لا بدّ أن تأخذ جهود إعادة الإعمار بعين الاعتبار الأفقر والأقل قدرة - فلا يُهمش أحد على الإطلاق.

إعادة الإعمار

- هل ترى أن إعادة الإعمار والتنمية بالمنطقة الشرق أوسطية تتطلب مساعدة خارجية؟

-- فبفعل انعدام الاستقرار الحالي، تحوّل الإنفاق إلى الأمن وبعيداً عن أساسيات التنمية.. ونتيجة لذلك، تراجعت بعض أهم مؤشرات التنمية مثل حرية التعبير ومشاركة المرأة والفقر ونوعية التعليم.

ويحصل ذلك كلّه بينما تواجه المنطقة تحديات مالية بسبب تراجع أسعار النفط بشكلٍ كبير.

وقد يكون ذلك فرصةً لا سيما وأن بعض الدول كانت بحاجة إلى ما يحذّرها من الآثار المؤذية المترتبة على نموذج التنمية الذي سيتمّ ضمنه استثمار مليارات الدولارات في الغرب، ما سيؤدي إلى خلق فرص عمل وأنظمة اقتصادية مستقرة على حساب المنطقة .

وهنا أرى أنه اذا كان الغرب يريد أن يساعد المنطقة، فعليه أن يسعى إلى تركيز العقول داخل العالم العربي على قيمة الاستثمار من أجل حل المشاكل الإقليمية بطريقة تفيد الطرفين معاً.. ففي نهاية المطاف، عندما تنعم المنطقة باستقرار أكثر ينعكس ذلك على ازدهار الدول المجاورة في الشرق وكذلك في الغرب.

بناء ذاتي

- كيف يمكن تحقيق بناء ذاتي بالمنطقة وعلى نحو مستقل بالكامل؟

-- في مجال بناء القدرات ولتحقيق تلك الغاية لا بد أن نستثمر مبالغ كبيرة في تعزيز القدرات المستدامة على المستويات الإقليمية والوطنية والمحلية إذ لا بد من الاستثمار في التعليم على جميع المستويات خصوصاً ما بعد التعليم الابتدائي وذلك لتزويد الشباب والشابات الذين سيصبحون قادة بالقناعة والقدرات لإعادة بناء المنطقة وفي سعينا لتحقيق النمو ركّزنا على العلوم الصعبة والهندسة والدراسات التجارية وعلوم الحاسوب ولكننا أهملنا ثقافاتنا ولغاتنا وتاريخنا لا بد أن نصحح هذا الخلل فقد حان الوقت لكي نكتب أفكارنا في لغتنا الأم وألا نعتمد على الترجمة.

خطة إقليمية

- هل من الممكن وضع خطة إقليمية لبناء التنمية البشرية؟

-- نعم .. من أجل أن يتحقق كل ذلك، لا بد من رؤية إقليمية متماسكة، وليس خطة وطنية فردية.

لن تكون تلك الرؤية بناءة إلا إذا حاول المجتمع الدولي والجهات المانحة النظر إلى المنطقة ككل - كقطعة قماش واحدة من أجل تسهيل تنقل السكان ورأس المال والأفكار والعمال بين البلدان - وتشجيع المسؤولية الإقليمية من خلال جعل دول مختلفة تؤدي دوراً قيادياً كل دولة بحسب مجال كفاءتها.

فيمكن للشركاء الدوليين أن يدعموا ذلك من خلال أشكال تمويل جديدة ومبتكرة تستخدم ضمانات مضمونة من المنطقة، وليس كل بلد على حدة.

ولو استطعنا تبني مقاربةً إقليمية بحق، قد يأتي اليوم حين نضع كرامة الإنسان والتنمية البشرية فوق الشواغل السياسة التافهة والطائفية.




الراية
Top