• Tuesday, 07 May 2024
logo

استراتيجية اوباما و" القيادة من الخلف "

استراتيجية اوباما و
في خطاب له في 11/9/2014 أعلن الرئيس الامريكي ( اوباما) عن خطة لاحتواء تهديد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا وأوضح ان هذا التهديد هو موجه ضد المصالح الامريكية والامن الوطني الامريكي وأن الولايات المتحدة الامريكية ستواجه هذا التهديد بقوة وحزم واصرار وخاطب الامريكين مباشرة بقوله:
" أنا أريد أن يفهم الشعب الامريكي كيف أن هذا الجهد سيكون مختلفا عن الحرب في العراق وأفغانستان. أنه لايؤدي الى اشراك القوات الامريكية للقتال في أرض أجنبية"
وأضاف :
" ان هذه الاستراتيجية لانهاء الارهابيين الذين يهددونا ،وخلال دعم شركائنا في الخطوط الامامية ، هي نفسها التي ومنذ سنوات طبقت بنجاح في اليمن والصومال"
ان حجم هذه الخطة والعمليات التي تحتويها والتي تشمل الضربات الجوية وارسال المستشارين العسكرين الى العراق ودعم من نوع جديد للمعارضة السورية المعتدلة، سوف يحجب أهدافه . ففي خطابه الذي استغرق 13 دقيقة لم يوضح (اوباما) متى تنتهي تلك العمليات وأن فترة مساعداته ودعمه لتحقيق أهداف الخطة ، قد تتجاوز فترة رئاسته.
وتناول ( اوباما) مسألة دستورية مهمة وخطيرة وتتعلق بتفويض الكونكرس للقيام بالعمليات العسكرية ، فقد أكد بأنه ليس في حاجة الى تفويض جديد من الكونكرس لانه يملك السلطة القانونية للقيام بالعمليات العسكرية ، حيث قال:
" انه مبدأ جوهري لرئاستي: اذا أنت هددت أمريكا ، فانك سوف لاتجد لنفسك امكانا امنا" وأضاف:" ولكنني ماأزال أطلب من الكونكرس تفويضا واضحا لافراد القوات المسلحة الامريكية لتدريب السوريين والعراقيين وغيرهم لمحاربة الميليشيات الاسلامية في كلا البلدين.أنني أرحب بدعم الكونكرس لهذا الجهد لاجل ان نبين للعالم أن الامريكان هم موحدون في مواجهة هذا الخطر"وأكد: " أنا أعتقد يقينا باننا سنكون أقوياء كأمة عندما يعمل الرئيس والكونكرس معا" .
ومع ذلك فانه لايملك التفويض من الكونكرس ، بل هو يستند على تفويض سابق للكونكرس للرئيس السابق (بوش) في محاربة القاعدة فقط.وفي هذا الشأن يتحدث السناتور ( مارك أودل Mark Udall) من اليساريين في الحزب الديمقراطي ويقول أن البعض من الديمقراطيين يصرون على وجوب تصويت الكونكرس على توسيع العمليات العسكرية ويضيف: " انني لااعطي هذا الرئيس – أو أي رئيس أخر _ صكا ابيضا a blank check للبدء بحرب اخرى في العراق".
وبدأ (أوباما) خطابه بسرد لمنجزاته على الصعيد الداخلي والخارجي وشكر جهود القوات المسلحة الامريكية وأكد أن الامريكان قد ضحوا بأنفسهم لتحقيق تلك الانجازات.وأوضح أن غالبية الشعب الامريكي لاتعرف مدى أخطار تنظيم الدولة الاسلامية . ان هذه الاخطار كبيرة ولذلك هناك حاجة الى " قتال شامل ومستمر" ضدهم.وأكد (اوباما) أن هذا النزاع والقتال لايعني تغيير او تكرار مايشبه الذي حدث اثناء الحرب في العراق وكرر مرتين التأكيد على عدم ارسال قوات امريكية الى العراق ، حيث أن القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية هو " حملة ضد الاهاب" وليس حرب أو حتى قتال مسلح.
وفي ختام كلمته قال ( أوباما): أن " أمريكا لها موقع افضل اليوم لاجل التحكم في المستقبل اكثر من أي أمة على الارض."
بناء على ماجاء أعلاه ، ماذا يمكن أن يقال حول هذه الاستراتيجية؟
منذ أكثر من عقد ، تعيش الولايات المتحدة الامريكية في ظل " هاجس الحرب" وكيف يمكن تلافي هذا الخطر. الرئيس ( اوباما) في حملته الانتخابية كان يؤكد وباستمرار أنه ضد " التورط في الحرب" وانه سوف يسحب جميع القوات من العراق وأفغانستان في حال انتخابه. وبالفعل مع نهاية 2011 تم سحب تلك القوات من العراق ( ويؤمل في نهاية هذه السن ةسحب القوات الامريكية من أفغانستان) معتقدا بانه بذلك سيطوي صفحة الحرب من الواقع السياسي الامريكي وانه سيصبح منشغلا أكثر مع القضايا الداخلية الامريكية. ولذلك وصف ( أوباما) بكونه ( رئيس ينهي الحرب). الا أن هذه " النبوءة" لم تتحقق ، حيث وجد (أوباما) نفسه متورطا في حرب مع تنظيم قوي ولكن ليس بدولة. اذن ، فالرئيس ( أوباما) تم جره الى الحرب عنوة.وبهذا ىالصدد قال(ديك تشيني – نائب الرئيس الامريكي السابق جورج بوش ,احد صقور الحرب ضد العراق) بان (اوباما) هو نفس الرئيس الذي صرح قبلا بان موجة الحرب بدأ بالانحسار، ولكن حقيقة الحال كان انحسار النفوذ الامريكي في العراق. الامر الوحيد هو المحافظة على القوة والنفوذ الامريكي.
هذه الحرب هي ليست بالحرب التقليدية ، انها حرب " اختيارية" و " متحركة" ولا يمكن استشراف أفاقها المستقبلية بدقة ووضوح. انها حرب نحو " المجهول" ، حيث تتكاثر الاعداد والاطراف المحارية وتتحول من حرب محدودة ( كالتي حددها الرئيس أوباما) الى حرب غير محدودة ، سيما أن المنطقة مليئة بألغام ( اثنية ، قومية ، دينية ،...) يمكن تفجيرها حينما يكون التفجير ضروريا.
ولكي لا " تتورط" الولايات المتحدة الامريكية مجددا في الحروب ، فقد أكد(اوباما) بأنه سوف لايرسل أية قوات الى الارض للقتال ، بل أنه سوف يقدم الدعم للشركاء وأن لامريكا الاسلوب الافضل في هذا الشأن.
ماذا يعني هذا؟
الولايات المتحدة الامريكية ( بعد مقتل مايقارب من 5000 جندي أمريكي في العراق منذ 2003) غير مستعدة لارسال الجنود ( بل سترسل مستشارين للمساعدة في الخطط والاستشارات وبلغ عددهم مايقارب 1000). اذن ، لاتريد ايقاع مزيد من الضحايا في الطرف الامريكي. ولكن الحرب هي حرب ووقودها الضحايا. وفي الحرب هذه يجب ان تكون هناك ضحايا . اذن من هم الضحايا؟ هم أهل المنطقة الذين تقع عليهم العبء التضحية لاجل تحقيق مصالح؟ ولكن أساسا مصالح من؟ الرئيس ( اوباما) قالها وبكل وضوح: الدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة الامريكية. (وهذا يعني ان الدفاع عن مصالح أهل المنطقة يأتي بالدرجة الاقل). وهذا مايؤدي الى تكوين ممهدات " حرب أهلية" على أسس قومية ومذهبية وطائفية تهدد بتفتيت المنطقة الى " دويلات غير قابلة للحياة عموما" والتي علاقاتها مع بعضها البعض ستتسم بالصفة العدائية والكراهية وهذا مايمهد لتحقيق نبوءة كل من : لويس برنارد وصاموئيل هانتكتن والعقيد رالف يبترز في مسألة خرائط الدم.
وفي سبيل الدفاع عن المصالح الامريكية ، فان العديد من التصرفات الدولية والسلوك الدولي أصبح مخالفا لمبادىء القانون الدولي ومنها القول بأن الحدود قد اختفت، كما قال بذلك (بي. رودز- نائب مستشارة الامن الوطني الامريكي رايس) : " الحدود اختفت . سنقوم بتوسيع مساحة الحرب الجوية ,ان (أوباما) سيضرب تنظيم الدولة الاسلامية. سيضرب التنظيم في سوريا وسنقوم بضربه على جانبي الحدود."
وفي هذا السبيل توجه (اوباما) الى الشعب الامريكي والى الكونكرس لدعم موقفه. استطلاعات الرأي في أمريكا تؤكد أن الرأي العام الامريكي يؤيد توجيه ضربات جوية محددة ولكن لايريد تدخل عسكري أمريكي مباشر.
الرئيس( أوباما) يريد ان يكون تدخله فقط عن طريق ضربات جوية محددة ( ويفضل طريقة طائرات بدون طيار). ان الاحصائيات المنشورة تؤيد هذا التوجه على اساس أنه اذا تدخلت أمريكا مباشرة عن طريق ارسال جنود للقتال ، فان تكلفة كل جندي ستكون مليون دولار للسنة الواحدة (فتصور كم يبلغ تكاليف الالوف من الجنود في حالة ارسالهم للقتال) ، بينما تكاليف الضربة الجوية المحددة (بدون طيار) ستكون اقل بكثير من تكاليف ارسال الجنود مباشرة للقتال.ولهذا قد فضل الرئيس (أوباما) الضربات الموجهة بطريقة الطائرات بدون طيار وأنه استخدمها اكثر من استخدام الرئيس السابق (بوش) .
ومن جانب اخر، يحاول الرئيس (أوباما) أن يحصل على دعم دولي لاستراتيجيته وقد نشط وزير خارجيته (كيري) بصورة ملحوضة في هذا الشأن.ومن هذه المحاولات عقد مؤتمر باريس الذي أكد على تأسيس تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية ، وعلى تنفيذ قرارات الامم المتحدة ذات الشأن وبالاخص قرار مجلس الامن 2170 حول محاربة الارهاب وتجفيف منابع تمويله.
لم يكن في واشنطن أكثر إثارة للاستفزاز من عبارة "القيادة من الخلف" التي استخدمتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لوصف العملية التي ساهمت الولايات المتحدة في إعدادها، ضد ليبيا عام 2011، ولكن الإدارة لم تفعل إلا الغارات الأولى وتركت الآخرين يكملون المهم.
ومع ذلك فالقيادة من الخلف هو عبارة التي يمكن أن نصف بها استراتيجية أوباما لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا .

وبحسب(جيفري داير) من صحيفة "الفايننشال تايمز فان الاستراتيجية التي حددها الرئيس (اوباما) هي تعبير عن "القيادة من الخلف"، فبناء عليه ستقوم أمريكا ببناء تحالف دولي وتقدم الغطاء الجوي، وستوفر بقية الدول القوات التي ستقاتلتنظيم الدولة الاسلامية على الارض. وقد اوضح ذلك (أوباما ) في خطابه بالقول: "لا يمكننا فعل ما يجب على العراقيين فعله بأنفسهم، ولا نستطيع أخذ مكان العرب لتأمين منطقتهم."
وفي رأي الصحيفة أنه" وعلى الرغم من التفوق العسكري للقوات الأمريكية إلا أن أوباما يعتقد أن نصرا دائما ضد قوات تنظيم الدولة الاسلامية لن يتم تحقيقه إلا بجنود من المنطقة"

وترى الصحيفة أن مشاكل استراتيجية أوباما تتلخص بمجموعة من الإجراءات الناقصة، فهي تطمح لتحقيق أهداف كبيرة لكنها تفتقد الوسائل لتنفيذها.

فأوباما، بحسب الصحيفة، يريد تفكيك تنظيم الدولة الاسلامية وتدميره في النهاية، وهو هدف غامض يحتاج للتوضيح، فتفكيك أو إضعاف التنظيم يعني قطع جزء من قدراته وتقليص المساحة التي يعمل فيه. بينما تدمير التنظيم بالكامل يحتاج الى إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد الذي بدأ يدخل في ويعيش حروبا أهلية.فهل هذا هو في النهاية الهدف الاستراتيجي الجوهري للرئيس (أوباما)؟

وتنقل الصحيفة عن مسؤول أمريكي بارز قوله إن هناك إشارات عن "دعم قادة عشائر سنية للحكومة في بغداد". ولكن القتال الذي يدور ضد تنظيم الدولة الاسلامية تقوم به القوات الكردية والميليشيات الشيعية التي لا تمثل الجيش الوطني الذي يمثل كل المجتمعات.( صحيفة الشرق الاوسط تكتب في 19/9/2014 ماياتي حول الدور الكوردي: - وقد عزز الدور الجديد للأكراد، بوصفهم القوة البرية بالوكالة للغرب في المعركة ضد تنظيم «داعش» من حالة التفاؤل بين الكثيرين في أربيل، كما عقدت الولايات المتحدة التزاما طويل الأجل حيال استقرار إقليم كردستان ونجاحه). مشكلة أخرى تشير إليها الصحيفة، وهي أن القوة الجوية لا يمكنها هزيمة داعش خاصة أن الرئيس يصف الإستراتيجية الجديدة عبر مفهوم عمليات مكافحة الإرهاب مثل التي قامت بها أمريكا ضد القاعدة في اليمن والصومال. ورغم ذلك فان تنظيم الدولة الاسلامية هو ليس مجموعة صغيرة تختبيء في الجبال أو الصحارى تخطط لهجمات ولكنها حركة تمرد تسيطر على سلسلة من المدن والبلدات الكبيرة، مما يجعلها تمثل تحد عسكري مختلف..
وتختم صحيفة (الفاينشيال تايمز ) تقريرها بقولها: إن "الكثير من نقاد الرئيس يتحدثون عن الحاجة لقوات أمريكية كي تؤمن المناطق. فمخاطر القيادة من الخلف هي أنها تجعل الولايات المتحدة تعتمد على جهود شركائها. في حالة فشلهم فسيجد الرئيس نفسه متورطا في حرب على الأرض في العراق ظل يزعج سلفه حتى ينهيها" ، أو سيتورط في حرب تكون نهايتها غير محددة.

د.شيرزاد نجار
Top