• Tuesday, 07 May 2024
logo

من أجل دولة أمنة

من أجل دولة أمنة
الأنسان ... هذا الكائن الاجتماعي بطبعه مرت حياته بمراحل عديدة حتى أستقر به الحال على ماعليه الأن , ولكن لايقف عند هذا الحد بل يستمر في التغير الى ماشاء الله , وكانت لكل فترة سماتها و مقوماتها وحتى رجالها من كل الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية , ولكن النقطة المشتركة بين بني الانسان في جميع مراحل حياته هي أنه يبحث عن الأمن من أجل الاستمرار فكان لجوءه الى الكهوف و المغارات و بناء القلاع و الحصون خير دليل على ذلك ناهيك عن صنعه لأنواع من الأدوات و الأسلحة اليدوية البسيطة الى أن وصل الى صنع الأسلحة النووية و الصواريخ العابرة للحدود دليلاً أخر على ان تأمين بيئة أمنة كانت و لاتزال الهدف الاسمى الذي يسعى الأنسان الى تحقيقه لانه على يقين بأن الحياة لايمكن أن يرى النور و لاتقدم و لاحضارة و لا دولة في ظل ظروف غير مستقرة , فخطط و برمج و عمل بكل جد في سبيل العيش الأمن و أنشأ أجهزة خاصة تعمل ليل نهار في خدمة هذه الغاية النبيلة و باختلاف مستويات نظام الحكم في الدولة لأنها هي صاحبة السلطة العليا و النهائية في أي أقليم في العالم و أنها الجهاز الذي ينظوي تحت لوائه جميع أفراد شعبها داخل حدودها , و يتوقف عليها تنظيم العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية على اختلاف أنواعها و أشكالها , و نتيجة ما يملكها من سلطة و صلاحيات فلها ان تصدر القوانين و الأنظمة و التعليمات المطلوبة لجميع فئات الشعب ممن يعيشون داخل أقليمها , وأن يضع الاستراتيجيات و الخطط المختلفة لأدارة دفة الحكم و خاصة في الناحية الامنية و ان هذه الاستراتيجية لها طابع يختلف بعض الشيء عن الاستراتيجيات الاخرى في انها بحاجة الى مقومات و تقديرات قبل درجها أي أنها ليست وليدة اللحظة التي يكتب فيها من قبل المختصين و يأخذ بالحسبان الظروف و التطورات الدولية و تحديد مصادر التهديد الدولية و الداخلية و نوعيتها و مدى قوة تأثيرها على أمن الدولة و أن هذه المصادر تختلف من دولة الى أخرى و من فترة لأخرى بعددها و نوعيتها ، والهدف منها هي حماية أمن الدولة من أي تهديد أو مخاطر تعرض حياة المواطنين و ممتلكاتهم و تأمن لهم حياة أمنة و من أجل ذلك فان السلطة السياسية لأي دولة لابد و ان تعرف واقع مجتماعتهم و ما يعانون منها لتكون خططتهم واقعية و ماهي أهم مطاليب الشعب و ما يفتقرون اليها و برأينا أن قيام الدولة (السلطة السياسية) بتأمين ماهو وارد سيتمتع الدولة بالأمان و تكون بعيدة عن مصادر التهديد لأن بعكسها سيكون مصدراً للتهديد :
1. تأمين العدالة الاجتماعية : هي نظام أقتصادي أجتماعي و هي الحالة التي ينتفي فيها الظلم و الاستغلال و القهر و الحرمان من الثروة أو السلطة او كليهما و التي يغيب فيها الفقر و التهميش و الاقصاء الاجتماعي و تنعدم في ظلها الضروف غير المقبولة أجتماعياً بين الافراد و الجماعات و الاقاليم داخل الدولة و التي يتمتع فيها الجميع بحقوق أقتصادية و أجتماعية و سياسية وبيئة متساوية و بحريات متكافئة و لاتجور فيها الاجيال الحاضرة على حقوق الاجيال القادمة , و التي يعم فيها الشعور بالانصاف و التكافل و النظام من المشاركة الاجتماعية و التي يتاح فيها لافراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم و ممتلكاتهم و لاطلاق طاقاتهم من مكانها و لحسن توظيف هذه القدرات و الطاقات بما يوفر لهؤلاء الافراد فرص الحراك الاجتماعي الصاعد و بما يساعد المجتمع على النماء و التقدم و هي ايضاً الحالة التي لايتعرض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي و غيره من الاثار و يتمتع بالاستقلال و السيطرة الوطنية على القرارات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية .
وكما هي نظام أجتماعي اقتصادي يهدف الى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع و تسمى أحياناً بالعدالة المدنية و تفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة من خيرات المجتمع . و بتحقيق العدالة الاجتماعية يشعر الانسان بدوره الفعال في المجتمع فلا يكون هو مصدر لتهديد أمن بلده و من الجانب الاخر سيعمل على صد أي تهديد يجعل من نيل أمن وطنه هدفاً لانه يرى فيها أنسانيته و يجعل منه مواطناً صالحاً بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى .
2. مبدأ سيادة القانون : القانون يقصد بها معان متعددة و لكنها تفيد النظام و معناه أن تسير الامور على وجه مستمر و مستقر و ثابت و أن خضوع الدولة الى القانون أصبح من الامور المسلم بها في الوقت الحاضر و هذا يعني خضوع الحكام (السلطة الحاكمة) و المحكومين (الشعب) الى سيادة القانون دون فرق بينهم على أساس المذهب او الدين او القومية او الجنس و يساعد في بلورة هذا المبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية – التنفيذية – القضائية) و بتطبيق هذا المبدأ نكون امام دولة قانونية يجد فيه كل المكونات حقوقهم و يمارسون واجباتهم و يكونون سواسية أمام القانون كأسنان المشط و يكون فيه القانون هو الحامي و الحاكم و لا سلطان على سلطان الدولة التي تمثل الشعب و تعمل باسمه و ينفذ القوانين بحذائيرها دون النظر الى شخصية المخالف و درجة ثقافته أو مركزه السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي ...

و التقيم يكون على أساس مايقدمه المواطن لدولته و أجهزتها تقدم خدماتها المختلفة له دون أي اعتبار بعيداً عن شخصنة الامور و في ظلها يكون المواطن أميناً على حياته و ماله و عرضه و يلعب دوره كرجل أمن من الطراز الاول لانه على يقين بان الاجهزة الامنية تمارس عملها كمؤسسة و لايكون اداة بيد السلطة الحاكمة لقهر المواطن و سلب حقوقه فيكون معاوناً رصيناً لهم في اداء مهمتهم و لايكون هو عنصر تهديد لأمن البلد و لايفسح المجال لغيره ان يكون كذلك بل يقف أمامه بكل شجاعة لصده عن ذلك .

3. تعاون المواطنين مع الأجهزة الامنية .
من الممكن أن تكون هذه النقطة تحصيل حاصل للنقطتين السابقتين و لكن من أجل بناء دولة أمنة بعيدة عن كل الاخطار و التهديدات يتطلب ان يكون الشعب بكل مكوناته و أطيافه متعاوناً مع الاجهزة التي تقع عليها مسؤولية خفظ الامن لأن المواطن هو خط الدفاع الاول وله دور فعال في معرفة مصادر الخطر و الصد لها , و أن هدف جميع الأجراءات الامنية و أستراتيجيتها تكمن في تحقيق الامن لهذا المواطن في حياته , لذا فان بناء الثقة بينهما يعتبر حجر الزاوية الناجح للقانون و حفظ الامن , و هذه العملية يحتاج الى جهد دؤوب بالقدر الكبير لانها عملية صعبة و راسخة و سامية للغاية و تعتبر هذه العلاقة و الثقة تناسباً طردياً أي كلما كانت الثقة بين الجمهور و رجل الامن قوية كلما كانت حفظ الامن فعالاً و العكس صحيح , و ان شعور المواطن بانه رجل الامن الاول يجعله في خط المواجهه , و من الجانب الاخر أحساس رجل الامن بأنه يعمل من أجل أبناء شعبه و لايستغل سلطته ضدهم , و بناء جسر من الثقة بينهما يجعل الصف الوطني الداخلي رصيناً متيناً يكون الاختراق صعباً أن لم يكن مستحيلاً , و أن المواطن حينما يشعر بأن عدم قيامه بواجبه تؤدي الى أهتزاز أمن بلده انطلاقاً من أهمية دوره في بناء بلده و تطويره يزداد تعاوناً مع رجل الامن و خاصة في هذا العصر الذي أصبح مهمة حفظ الامن مهمة الجميع نظراً لما حمله العصر من معطيات جديدة تتعلق بمفاهيم الامن و مصادر التهديد التي شهدت تغيراً واضحاً في العدد و النوعية و شملت كل نواحي الحياة ...
4. بناء مؤسسة أمنية وعسكرية رشيدة :
من المتفق عليه ان الأمن عملية تبادل و تعاون بين السلطة السياسية (الاجهزة الأمنية و العسكرية) و الشعب من جهة ثانية , إذاً لابد و أن تكون هذه المؤسسة قادرة على تفهم خطورة مصادر التهديد و أخطارها و درجاتها و نوعيتها , و تعمل وفق الأسس العلمية و المهنية و الوطنية بعيداً عن آفاق المحسوبية و المنسوبية و على نهج من الاستراتيجية المحددة لأهدافها الوطنية و قادرة على أستيعاب المواطنين بكل أطيافهم و مكوناتهم و تقدم الخدمات الأمنية لهم دون أستثناء من اجل حماية أنفسهم و أموالهم و أعراضهم وممتلكاتهم و تكون هاتين المؤسستين قادرتين على تحمل أعباء المسؤولية الملقاة على عاتقهم وهدفهما حماية الوطن و ليس الاشخاص بالتحديد لأن مهمة هذه المؤسسات مستمرة وفق تحظيط و ألية دون النظر الى التغيرات الوزارية و الشخص المسؤول عن هذه الاجهزة .
قد نكتفي بهذه العوامل لانها (حسب اعتقادنا) هي العوامل الداخلية الرئيسة لبناء دولة أمنة على الرغم من جود عوامل داخلية أخرى ولكنها حسب وجهة نظرنا عوامل جانبية ترتبط بما ذكرناه بشكل او بأخر , بالإضافة الى و جود عوامل خارجية ترتبط بالدول المجاورة و الاقليمية و المجتمع الدولي باجمعه و لم تتطرق اليها في الوقت الحالي . سيتم البحث عنه في الايام اللاحقة :
و نرى بان الدولة التي تعمل وفق ماذكرناه سيكون أمناً من التهديدات و الاخطار بنسبة كبيرة لعدم وجود أمن مطلق في العالم .



ماجستير قانون دولي
Top