• Tuesday, 07 May 2024
logo

هل من مخاوف فعلية من امتلاك إقليم كردستان العراق للسلاح؟

هل من مخاوف فعلية من امتلاك إقليم كردستان العراق للسلاح؟
يقدم تاريخ العراق الحديث ومنذ تأسيس الدولة الملكية في العام 1921 حتى يومنا هذا دروساً كثيرة لمن يريد أن يتعلم من هذا التاريخ، دع عنك دروس تاريخ الشعوب الأخرى الغنية بالعبر والحكم، لمن يريد أن يمارس سياسة عقلانية حكيمة وإدارة الدولة والحكومة بصورة رشيدة. وخلال العقود المنصرمة برهن حكام العراق على هم لا يريدون التعلم من التاريخ، وكل حاكم منهم كان يريد أن يخوض تجربته الشخصية على حساب مصالح الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه الدينية والفكرية. وبرهن هؤلاء الحكام بسياساتهم وإجراءاتهم ومواقفهم على أنهم إما مستبدون أو ينقصهم الحس والوعي بالديمقراطية ومصالح وإرادة الشعب ونصبوا أنفسهم أولياء على الشعب. وتجلت العواقب الوخيمة لذلك على المجتمع والاقتصاد الوطني والتقدم المدني والحضاري في أحداث ووقائع سنوات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين حتى الآن. وأبشع تلك العواقب كانت الحروب الداخلية والخارجية والحصار الاقتصادي والاحتلال والاجتياح والاغتصاب والنهب والسلب والموت لأكثر من مليون إنسان وجرح وتعويق ما يعادل ذلك إضافة إلى الخراب الاقتصادي والخسائر المالية والحضارية وخسارة آثار عراقية لا يمكن تعويضها في كل الأحوال. وخلَّف كل ذلك نزاعات وكراهية وأحقاد وثارات لا أول لها ولا آخر!
وواحد من أهم دروس العراق المعاصر يرتبط بالعلاقة بين الشعبين العربي والكردي مع عدم إهمال أهمية العلاقة مع القوميات الأخرى بالبلاد. ومقالتي ترتبط بالعلاقة بين الشعبين العربي والكردي. فخلال أكثر من تسعة عقود خلت تنكرت الحكومات العراقية المتعاقبة لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره، سواء أكان في الإدارة الذاتية أم الحكم الذاتي أم الفيدرالية أم بشأن حقه في تقرير مصيره، في إقامة دولته الوطنية المستقلة، كحق مشروع وثابت أكدت عليه وثائق الأمم المتحدة وحقوق الشعوب صغيرها وكبيرها. ونتيجة لهذا الموقف الشوفيني الناكر لحقوق الشعوب الأخرى خاض الشعب الكردي نضالاً عسيراً ومريراً على مدى العقود المذكورة وقدم أغلى التضحيات البشرية والمادية في سبيل انتزاع حقه المشروع في تقرير مصيره. ولم تكن انتفاضاته وثوراته السابقة إلا بسبب ذلك الموقف الشوفيني الذي تشبثت به الحكومات العراقية العربية المتعاقبة ببغداد، والذي برزت بشاعته بشكل استثنائي في جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية في عمليات الأنفال وقصف مدينة حلبجة بالكيماوي وضرب انتفاضة 1991. وحين أقام الشعب الكردي فيدراليته في العام 1992 على أرض إقليم كردستان الجنوبي لم يعلن استقلال الإقليم بل أبقاه ضمن الدولة العراقية والذي اُقرَّ فيما بعد في الدستور العراقي الاتحادي في العام 2005. فهل انتهى الموقف الشوفيني للحكام العراقيين بعد سقوط الدكتاتورية واعتراف الدستور العراقي بالفيدرالية الكردستانية؟ الدلائل التي تحت تصرفنا تشير إلى إن النظام السياسي الطائفي الذي أقيم على أنقاض النظام الدكتاتوري البعثي الفاشي لم يتعظ بدروس الماضي وتبنى إلى جانب الطائفية السياسية الشوفينية السياسية أيضاً في الموقف من الإقليم. وتجلى ذلك في سياسات ثلاث حكومات متعاقبة منذ سقوط الدكتاتورية حتى يومنا هذا، وهي عاجزة عن الاعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره من حيث المبدأ، وبالتالي ترسم سياساتها إزاء الإقليم على أساس فرض بقاء إقليم كردستان العراق ضمن الدولة العراقية، وليس بمحض إرادتهم. وهذا الموقف ومواقف وسياسات أخرى، وخاصة في فترة رئاسة المستبد بأمره نوري المالكي لمجلس الوزراء ببغداد، أشاعت جو استثنائي من عدم الثقة بين الحكومتين وشجعت على تنامي الرؤية المتطرفة بالعراق عموماً وبالإقليم أيضا، في حين تراجع إلى الوراء الموقف المبدئي الواضح للشعب الكردي ولقواه السياسية الرئيسية في المرحلة الراهنة. ولم تحاول الحكومة الاتحادية دراسة النظام السياسي الفيدرالي الألماني مثلاً، الذي هو في إطار شعب واحد ولكنه يمنح الحكومات الفيدرالية صلاحيات كبيرة ومهمة، في حين إن العراق فيه أكثر من قومية وبالتالي من حق الشعب الكردي التمتع بصلاحيات أوسع في إطار الفيدرالية، وهو الذي عمق عدم الثقة والخشية المتبادلة.
تجلى نهج الحكومة الاتحادية ببغداد إزاء إقليم كردستان بعدد من السياسات التي تجسد الموقف الشوفيني لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، إضافة إلى طائفيته اللعينة وجهله الموجع بالسياسة. وسأتناول في الآتي جانباً واحداً من هذه السياسة هو الموقف من تزويد قوات البيشمركة الكردستانية، وهي جزء من القوات العسكرية العراقية، بالسلاح. أود هنا الإشارة إلى مسألتين مترابطتين عضوياً:
أولاً: التحشيد العسكري الواسع النطاق من حيث عدد الأفراد والسلاح والعتاد والمعدات بمحافظة نينوى كان بالأساس لمواجهة ما كان "يعتقده" نوري المالكي باحتمال انفصال إقليم كردستان من أجل مقاومة هذا الاحتمال، أو محاولة حكومة الإقليم بدمج بعض المناطق المتنازع عليها ضمن الإقليم لمواجهتها عسكرياً دون أن يكون ذلك التحشيد العسكري لغرض آخر، خاصة وأن أغلب قيادات الفيالق التي كانت بالموصل هي إما شيعية ذات نزعات طائفية أو بعثية ذات نهج معادٍ للشعب الكردي. وكانت الحصيلة واضحة وصارخة في موقف هذه القوات العسكرية التخاذلي من اجتياح داعش للموصل والذي أدى إلى استيلاء داعش والقوى المتعاونة معها على المعسكرات العراقية وعلى كل الأسلحة والأعتدة والمعدات والأموال التي كانت بمحافظة نينوى، وهي التي تستخدمها الآن في عدوانها على الشعب العراقي وضد قوات البيشمركة وقوات الجيش العراقي.
ثانياً: الإصرار الأعمى لحكومة المالكي على منع وزارة الدفاع العراقية من تزويد قوات البيشمركة بإقليم كردستان العراق بالسلاح الضروري لمواجهة الاعتداءات المحتملة على الحدود العراقية بالإقليم من جهة ، ورفض أي تسليح للإقليم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو من دول أخرى، مما جعل الإقليم لا يملك السلاح الكافي والحديث لمواجهة عصابات داعش الإرهابية حين وقع العدوان على العراق.
ولم يكتف نوري المالكي بذلك بل روج، عبر أجهزة الإعلام الحكومية التي كان يهيمن عليها ويسيرها على وفق رغباته وإرادته الفردية وكذلك بعض أجهزة الإعلام الخاصة المعادية للشعب الكردي، لكذبة كبيرة مفادها أن إسرائيل تزود الإقليم بالسلاح من أجل إشاعة الكراهية لدى العراقيين العرب ضد الكرد، وراح الشوفينيون العرب يروجون ويوسعون نشر هذه الإشاعة الكاذبة. وهو بهذا قد استخدم قول الفاشست الألمان "افتروا ثم افتروا ثم افتروا لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس"!
وحين خاضت قوات البيشمركة المعركة ضد عصابات داعش الإرهابية لم يكن لدى قوات البيشمركة:
• أسلحة وعتاد ومعدات مناسبة وضرورية، وخاصة الأسلحة الثقيلة القادرة تساعدها على مواجهة ناجحة وإيقاف زحف عصابات داعش المسلحة جيداً.
• لم تكن تمتلك أسلحة أمريكية حديثة وكثيرة كتلك الأسلحة التي سيطرت عليها عصابات داعش من مخازن سلاح الجيش العراقي في معسكرات محافظة الموصل.
• ولم تكن قادرة على التدرب على مثل هذه الأسلحة، بل كان أغلب تدريباتها على أسلحة قديمة وخفيفة عموماً.
وحين تسلمت بعض الأسلحة من الخارج فلم تكن كافية ولم تكن قادرة على مواجهة السلاح الذي تمتلكه داعش، لأن الدول الغربية هي الأخرى أخذت بالموقف السلبي الذي اتخذته الحكومة العراقية في فترة حكم المالكي، وبالتالي فهم جميعاً ارتكبوا خطأً فادحاً بعدم تزويدهم قوات البيشمركة الكردستانية بالسلاح الثقيل والعتاد والمعدات الضرورية القادرة على مواجهة داعش وإفشال مخططاتها العدوانية.
إن الموقف السياسي للحكومة العراقية والدول الغربية إزاء تسليح إقليم كردستان خاطئ وخطير في آن لا يريد أن يستوعبه البعض الكثير، ولكن إن استمر سيقود إلى عواقب وخيمة لا على إقليم كردستان وشمال العراق فحسب، بل وعلى العراق كله.
ليس السلاح بيد القوات البيشمركة يقرر الاستقلال عن الدولة العراقية أو البقاء فيها، بل الفكر والسياسة هما اللذان يقرران ذلك، وهو ما لا يريد أن يدركه هؤلاء الحكام. ومثل هذا القرار لم تتخذه القيادة السياسية الكردستانية بكل مكوناتها، بل قرارها هو البقاء وتحسين وضع الدولة العراقية ونشر الديمقراطية والتعامل مع المكونات القومية على أسس الشراكة والمساواة التامة وبعيداً عن أي شكل من أشكال التمييز والإقصاء والتهميش. الموقف السليم هو الذي يعيد الإخاء والصفاء والثقة في العلاقات وليس القرارات الخاطئة والإجراءات المتوترة.
لا تصان وتحمى الدولة العراقية بسياسات مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة التي تميزت بالشوفينية والطائفية السياسية، بل تصان عبر اللامركزية والحكم الفيدرالي الموسع الذي يعزز الثقة المتبادلة بعد خراب طويل ودم كثير هدر على امتداد تاريخ العراق الحديث.
إن التصدي الناجح لعصابات داعش الإجرامية وكسر شوكتها وطردها من الأرض العراقية وإنقاذ بنات وأبناء الشعب من جرائمها وانحطاطها الأخلاقي والاجتماعي والسياسي ونهبها لموارد الشعب المالية لا يتم إلا بتضافر جهود قوات البيشمركة مع قوات الجيش العراقي والتعاون والتنسيق والتكامل في العمليات العسكرية. وهذا يتطلب بدوره تزويد قوات البيشمركة وقوات الجيش العراقي بما هو ضروري من الأسلحة الثقيلة والحديثة القادرة على المواجهة والانتصار. إن حجب الدول الغربية السلاح عن قوات البيشمركة لا يخل بميزان القوى العسكرية في شمال العراق وفي كردستان فحسب، بل وعلى مستوى العراق كله مع ما تمتلكه عصابات داعش من سلاح، فالمعركة ضد هذه العصابات واحدة لا يجوز ولا يمكن تجزئتها.
إن انتقاد رئيس وحكومة إقليم كردستان العراق للدول الغربية بعدم تزويد قوات البيشمركة بالسلاح الكافي والضروري لخوض المعارك الناجحة وتحرير الأرض من قوى العدوان والتكفير والعنصرية ومطالبته لهم بالسلاح هو انتقاد عادل ومطالبة سليمة ولا يجوز تجاوز ذلك وعلى الحكومة العراقية ورئيسها إعادة الثقة المتبادلة والمساعدة في امتلاك قوات البيشمركة، وهي جزء من القوات العراقية، السلاح الضروري المناسب لمعركة شرسة وغير قصيرة ضد عصابات داعش وتلك القوى التي ساعدت على وصولها إلى أرض العراق. هذا هو المطلوب حالياً لخوض حرب ناجحة مظفرة ضد قوى الإرهاب والتكفير والفساد.
أواخر تشرين الثاني 2014 كاظم حبيب
Top