• Tuesday, 07 May 2024
logo

العراق بين داعش وماعش

العراق بين داعش وماعش
لست هنا بصدد الحديث عن تاريخ داعش وكيفية ظهوره ونشأته،لأني كتبت فى ذلك من قبل، ولكن ثمة إشكالية تتعلق بالدولة العراقية التى ستواجه خطرا آخر في مرحلة ما بعد داعش، وهو خطر ماعش وأعني بذلك المليشيات الشيعية، لاريب أن العراقيين جلهم باتوا يدركون حقيقة داعش، وخطورة هذا التنظيم الإرهابى الخطير، ولقد أصبح هذا التنظيم يهدد السلم العالمى، وأصبح العراق ضحية هذا الإرهاب الأعمى الذى لا يغادر صغيرة والا كبيرة الا أفسدها، وهناك جهود دولية وإقليمية لمواجهة داعش، ولقد أبلت القوات العراقية والبشمركة والحشد الشعبي بلاء حسنا من ضرب أوكار داعش، وتحققت انتصارات عديدة فى الآونة الأخيرة، أتصور أن خطر داعش سيزول من دون أن نحدد سقفا زمنيا، لأن التنظيم طاريء على العراقيين، وتلك المساندات الداخلية جاءت نتيجة ردود أفعال تجاه سياسة المالكى الطائفية التى أوقعت العراق فى مأزق خطير، وأزمة خانفة وعويصة، كل ذلك أثقل كاهل رئيس الوزراء الجديد السيد حيدر العبادى، ولذلك نجد الرجل يعمل ليل نهار من أجل أن يطوى صفحة سوداء من تاريخ العراق، وهى صفحة المالكى، لاجرم أن الجميع متفق على ضرورة زوال داعش، أو إخراجه من العراق، وخاصة إذا كانت الإصلاحات من قبل الحكومة الجديدة مخلصة وجدية، ومن تلك الاصلاحات الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والفكرية، وأضفت الإصلاحات الفكرية لكى يكون واضحا للقاريء الكريم أن المقصود بذلك تأسيس دولة ديموقراطية مدنية بعيدا عن الأيدولوجيات الدينية والنعرات القومية والألوان المذهبية والأشكال الطائفية، بحيث يكون الانتماء للوطن دون غيره، وعندما يكون ذلك كذلك، تتحول الدولة الى دولة مؤسسات يشعر المواطن بانتماءه الى هذا الوطن، لكن المعضلة الأساسية هى أن الدولة العراقية منذ تأسيسها لم تستطع أن تتحول الى دولة مؤسسات أو دولة مدنية وديمقراطية، فهى إما دولة عائلة أو فرد أو طائفة أو قومية أو كيان سياسى معين، وهذه كلها تتناقض ومبادى الدولة الديموقراطية والمدنية التى ندندن حولها. وبعد سقوط الدولة البعثية أو نقول دولة صدام حسين استبشرنا خيرا، وظن العراقيون أن الدولة القادمة ستكون دولة المواطنين، ولن تكون دولة فرد أو كيان أو قومية أو طائفة أو مذهب، ولكن مع الأسف الأسيف تحولت دولة صدام المستبدة أو دولة الفرد الواحد أو الحزب الواحد الى دولة دينية أيدولوجية معينة، وهى دولة الطائفة الشيعية، فبدأ أبطالها يركزون على الأفكار والاعتقادات والتصورات وإلقاء المحاضرات وكيفية تحويل الدولة السنية حسب تصورهم الى دولة شيعية باعتبار أن أغليبة الشعب العراقي من الشيعة كما يؤكدون ذلك فى أحاديثهم وكتاباتهم وخطاباتهم الدينية والسياسية. جاء إبراهيم الجعفرى(2005) كأول رئيس وزراء منتخب، وهو بدل أن يخاطب المواطن العراقى - الذى يعانى من الفقر المدقع والجوع الموجع والإرهاب المفجع واليأس المضجع - بأبسط العبارات وأسهلها بدأ يلقى محاضرات فى جوانب الفلسفة وحواشي العقيدة، مع أن العراقي المسكين بحاجة الى الخبز والماء والأمان والعيش الرغيد والكهرباء،.فهو ليس بحاجة الى مثل هذه المحاضرات التى تزيد من آلامه ومعاناته، فكانت فترة مع وجازتها فترة عويصة وكئيبة للمواطن العراقي، رسخت وجذرت قواعد الدولة الطائفية لمن بعده، وبسبب هذه السياسة تم رفض ترشيحه مرة أخرى لرئاسة الوزراء من قبل السنة والكرد. وعندما جاء المالكى(2005) كانت قواعد الدولة الأيدولوجية قد وضعت، وبقيت الدعائم، فبدأ المالكى بما انتهى إليه الجعفرى، فاسس بضراوة الدولة الأيدولوجية، كان فى البداية يعمل بصورة مخفية، وعندما أسس البنيان، ظهر كل شىء، وبات واضحا وجليا للسنة والكورد والطوائف والقوميات الأخرى أن خطرا وشيكا بدأ يهدد مستقبل الدولة العراقية. وعند نهاية الأمر تحولت الدولة العراقية فى عهد المالكى الى دولة طائفية بامتياز مما جعل بعض القيادات الشيعية يتخوفون من ردود الأفعال تجاه هذه السياسة الطائفية، ولهذا من خلال هذه السنوات الثماني العجاف ظهرت جماعات سنية عديدة، كثير من تلك الجماعات كان سبب ظهورها نتيجة هذه السياسة الطائفية المقيتة، وكان آخرها داعش، تلك الجماعة التي فاقت أخواتها تطرفا وعنفا وإرهابا وقتلا وجرما وفتكا. لا مناص ان هذه السياسة الطائفية أوقعت البلد فى الهاوية، حيث نجد العراق الآن بلدا ممزقا، بلْه الاقتصاد الهش، والأمن المنهار، والجيش الذي ضاع هويته، لا يعرف انتماءه، وعندما أدرك التحالف الوطنى الشيعى خطورة المالكى ووسياسته على مستقبل العراق أزاحوه، ورشحوا السيد العبادى، لرئاسة الوزراء، وذلك بعد مخاض طويل، ورفض المالكي وتهديده المستمر، ونيته المبيتة لانقلاب سريع لولا تدخل القوى المعروفة، التي لها الكلمة الفصل، وإخال أن هذه آخر فرصة للتحالف الوطني الشيعي ولحزب الدعوة إذا لم يستطيعوا إخراج العراق من هذه الأزمة الخانقة، وبخلاف ذلك سيتحول العراق إلى ثلاث دويلات معاندة، أو ثلاثة أقاليم في إطار عراق فيدرالي، وهو ربما هو الحل الأنسب في هذه المرحلة. إن تنظيم داعش خطر حقيقى على مستقبل العراق، لكن لنتفق أن ماعش فى الوقت نفسه خطر على مستقبل العراق، فهناك جماعات عديدة باسم الشيعة لا أحد يعرف حقيقتها، لذلك لابد أن لا تبقى هذه المليشيات خارج إطار الدولة، وأن تدمج فى مؤسسة الجيش العراقى، لأن ذلك يتنافى ومبادىء الدولة المدنية، ويتناقض النظام الديموقراطى ومعايير الدستور العراقى الدائم، وقد جاء فى البرنامج الحكومي للسيد العبادى أن السلاح لا بد أن يحصر بيد الجيش، فبعض الميليشيات خارجة عن القانون، وحتى الحشد الشعبى الذى جاء كضرورة للدفاع عن العراق ضد داعش بعد فتوى السيد السيستاني، فهو لا بد أن يبقى لمرحلة معينة، وأن يوضع له سقف زمني محدد لا أن يبقى الى الأبد، وإلا تحول هو الآخر الى مليشيات طائفية، لذا على السيد العبادى أن يدرك خطورة هذا الأمر، وأن يعالجه بصورة قانونية. فيما يخص البشمركة فهم جزء من منظومة الدفاع العراقية حسب الدستور العراقي، ولقد حققوا انتصارات عديدة، ومن أهم إنجازات البشمركة إسقاط أسطورة داعش، حيث أصبحت الدواعش كالجعلان بيد البشمركة مما كان موضع اعتزاز وافتخار رؤساء وقادة دول غربية عندما زاروا كردستان، أعتقد أن البشمركة سينتصرون على العدوان الداعشي، لكن المشكلة الحقيقية والخوف الحقيقي هو قيام حرب أخرى بين البشمركة وماعش – وهذا ما لا يتمناه أي عراقي شريف- وخاصة فى المناطق الكردستانية التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني، فماعش تريد السيطرة والهيمنة، وذلك لأجل تشييع المناطق الكوردستانية، وإذا لم يقم السيد العبادى بخطوة جريئة في ردع هذه المليشيات، وتسليم تلك المناطق الى أهلها ستكون العواقب وخيمة، فالبشمركة الذين قاتلوا الدواعش بضراوة، فهم مستعدون لمقاتلة ماعش، لأن المسألة تتعلق بالأرض والممتلكات والحقوق، فقديما قال عمر بن الخطاب (رض) :" عمر الله البلدان بحب الأوطان"، لكن أتصور أن السيد العبادى يدرك خطورة الموقف، فلعله سيتخذ موقفا حاسما بخصوص ذلك، وذلك حتى لا تفسد العلاقة التاريخية بين الكرد والشيعة، وهذا بلا شك مطلب أغلبية الشيعة في العراق. وتكمن خطروة ماعش أنها تريد العمل على الجوانب الايدولوجية والعاطفية، ومعلوم أن هناك كثيرا من الكرد يعتنقون المذهب الشيعى، فأحيانا تجد بعضهم يفضلون الأيدولوجيا المذهبية على الجانب القومي الوطنى، وعندما يكون ذلك كذلك، سيكون من السهل على ماعش السيطرة على عقولهم كما فعلوا ذلك فى كثير من المناطق. وفى الختام أقول لكي ننقذ هذا البلد المثخن بالجراح لابد من العودة الى الدولة الحقيقية وهى دولة المواطن ودولة المؤسسات والمدنية والديموقراطية، لابد أن نجرد الدولة من السمات الطائفية والقومية والمذهبية والدينية، وذلك حتى يشعر المواطن بالانتماء الى العراق، وإذا بقيت الدولة العراقية بهذه السمات، فإن خطرا حقيقيا يهدد مصير هذا البلد، فإما حرب داخلية بطيئة، أو تقسيم ثلاثي ولعله سيكون رباعيا أو خماسيا، من يدري؟ هذا مصير الدول التي تتذرع بالأيدلوجيات الدينية والمذهبية والسياسية، كفانا ذلك، ولننقل تجارب الدول المتقدمة التي تجاوزت هذه الحقبة المقيتة، فأصبحت الآن في أوج الرقي والتقدم والرفاهية والأمن والسلام والعيش الرغيد. نائب رئيس منتدى الفكر الإسلامي نائب في مجلس النواب العراقي
Top