• Tuesday, 07 May 2024
logo

كوارث النزوح القسري وآلامه الإنسانية وأعباءه على إقليم كردستان العراق

كوارث النزوح القسري وآلامه الإنسانية وأعباءه على إقليم كردستان العراق
المدخل
تعرض العراق وشعبه وقومياته وأتباع دياناته ومذاهبه إلى اجتياح إرهابي رهيب واستباحة وحشية في العاشر من شهر حزيران 2014 من بوابة الموصل من قبل قطعان وعصابات داعش المجرمة. وكان القوات المسلحة العراقية قد انسحبت بصورة غير منظمة ولكن، وكما تشير أغلب المعلومات إلى قرارات صادرة من أعلى القيادة العسكرية بالبلاد ومن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي سمح القرار باستيلاء هذه العصابات المنفلتة من عقالها على كميات كبيرة جداً من السلاح والعتاد والمعدات والأموال وقتل الكثير من الجنود غير المقامين وكذلك طلبة معسكر سبايكر. وهذا الاجتياح العاصف وجد الدعم والتعاون والاحتضان من حواضن موجودة في الموصل وفي كل محافظة نينوى ومناطق أخرى من العراق مثل الأنبار وصلاح الدين وديالى، وبالتالي اشتد بأسه وقوت عزيمته ومارس كل الموبقات والجرائم بحق الشعب العراقي.
وضعت هذه العصابات المجرمة مسيحيي الموصل، ومن ثم النواحي والأقضية الأخرى التابعة لمحافظة نينوى إدارياً، أمام ثلاثة خيارات هي: إما التحول إلى الدين الإسلامي أو البقاء مع دفع الجزية والخراج مقترناً بمخاطر الموت في كل لحظة، أو مغادرة محافظة نينوى بما عليهم من ملابس فقط، أو الموت على أيدي هذه القطعان المتوحشة. وأغلب مسيحيي الموصل قد غادروا الموصل والقليل الذي تحول صوب الدين الإسلامي تم ختانه مهما كان عمر الذكر، حيث نشرت مجزرة الختان من قبل هذه العصابات على نطاق واسع. كما قتل من قتل منهم واغتصب من اغتصب وتم تدمير الكثير من الكنائس والأديرة التاريخية والمزارات المقدسة عند المسيحيين.
بعد ذلك توجهت عصابات داعش المسلحة حتى قمة الرأس نحو قضاء سنجار وزمار ومناطق أخرى يسكنها الإيزيديون الكرد الذين لم يخيروا بشيء بل كان القتل والأسر والاغتصاب أو الهروب باعتباره السبيل الوحيد للنجاة من تلك البدائل الثلاث، بعد أن وقع بأيديهم حين انسحبت قوات البيشمركة من سنجار دون إشعار السكان بذلك مما أدى إلى وقوع كارثة حقيقية على السكان الإيزيديين في قضيتهم ونواحيهم وقرارهم الواقعة في محافظة الموصل إدارياً. وإذا كان عدد النازحين المسيحيين من الموصل وباقي محافظة نينوى قد بلغ 150000 نسمة، فأن عدد النازحين من الإيزيديين بلغ ما يقرب من 600000 نسمة. وتعرض الآلاف منهم إلى الحصار في جبل سنجار مطوقين من قبل عصابات المجرمة والذي دفع شبيبة الإيزيديين من الذكور والإناث إلى حمل السلاح دفاعاً عن النازحين في الجبل وإنقاذ حياتهم.
وفي ذات الوقت تعرض سكان سهل نينوى من الشبك وكذلك سكان تلعفر من التركمان إلى هجوم شرس من قبل هذه العصابات مارسوا القتل والتشريد والسبي والاغتصاب مما دفع بالسكان إلى ونزوح قسري شمل عشرات الألوف.
لقد نزح الناس هاربين من القتل الجماعي الذي هددهم فوصل أغلبهم إلى محافظتي أربيل ودهوك على نحو خاص، وخاصة أتباع الديانتين المسيحية والإيزيدية، في حين توجه الكثير من الشبك والتركمان إلى محافظة كربلاء، وكذلك جمهرة صغيرة من الإيزيديين.
يقدر عدد النازحين من العراقيات والعراقيين إلى محافظات إقليم كردستان بحدود 1200000. في حين بلغ عدد السوريات والسوريين الهاربين من الحرب الأهلية هناك خوالي 260000 نسمة. وهذا يعني إن عدد النازحين يتراوح بين 1460000 – 1500000 نسمة في إقليم لا يزيد عدد سكانه عن 5000000 نسمة. ومنه يبدو حجم العبء الذي يتحمله شعب الإقليم وحكومته. ولا بد من الإشارة إلى أن ما يقرب من 50000 نسمة من النازحين من المسيحيين والإيزيديين وغيرهم قد وجد طريقه إلى تركيا وسوريا باتجاه أوروبا. وعدد الراغبين في ترك المنطقة في ازدياد مستمر.

المخيمات
تشير المعلومات المتوفرة إلى إقامة الكثير من المخيمات (مجمعات الخيم) التي بلغ عددها حتى الآن 54 مخيماً في محافظتي دهوك وأربيل وقضاء عنكاوا التابع لهذه المحافظة. وهذه المخيمات تضم عشرات ألوف البشر من المسيحيين والإيزيديين وبعض القوميات وأتباع الديانات الأخرى. وهم يعانون من أسوأ ظروف المعيشة الآدمية ونقص الخدمات الاجتماعية والمصاعب اليومية في الحصول على ما يسد رمق الأطفال على نحو خاص ...الخ. ومن الممكن أن أورد وصفاً لمخيم آسيان في ناحية باعذرة في محافظة دهوك باعتباره مخيماً محسناً نسبياً قياساً لباقي المخيمات.
توجد في هذا المخيم 3000 خيمة لسكن النازحين تضم حتى الآن 2480 عائلة أو ما يساوي 14440 نسمة. المخيم مزود بالكهرباء والماء وهو من المخيمات المحسنة نسبياً بسبب وجود مطبخ وحمام في مقابل كل خيمة.
لا توجد مدرسة للأطفال ولا خدمات اجتماعية ضرورية ولا أي نشاط اجتماعي والبطالة منتشرة بين أبناء وبنات هذا المخيم، كما هو حال بقية المخيمات. رغم صدور قرار بمنح كل عائلة مليون دينار شهرياً فالكثير من العائلات لم يتسلم هذه المنحة الضئيلة حتى الآن. أقل من نصف القاطنين تسلموا النفط والغاز في حين لم يتسلم البقية ذلك رغم قسوة برد الشتاء في المنطقة. يوجد في هذا المخيم 54 معاقاً من ذوي الاحتياجات الخاصة و104 يتيم الأبوين.
يعاني الأطفال وكذلك الكثير من الشباب والنساء من أوضاع نفسية معقدة جداً ومن كوابيس مستمرة ولا توجد أي معالجة نفسية لهؤلاء الناس. الكثير من العوامل التي تعيش في هذا المخيم خسرت الكثير من أفرادها بعضهم قتل والبعض الآخر اختطف ولم يعد ولا يعرفون مصيره ومن بينهم نساء. فعائلة واحدة فقدت 38 شخصاً، منهم 23 امرأة وثلاثة أطفال و12 رجلاً من مختلف الأعمار.
الأوضاع الحياتية في هذه المجمعات بائسة حقاً ومريعة، خاصة وان اغلبهم من سكان المدن وكانت لهم دورهم ومعيشتهم وعملهم وحياتهم الاجتماعية، وبالتالي فهم يعانون من الكثير من المصاعب اليومية التي لا تستطيع إدارة هذه المخيمات حلها لأنها فقيرة ولا تمتلك الموارد الضرورية.
العوامل الكامنة وراء اجتياح واستباحة هذه ألقوى المجرمة للعراق في واحدة من أهم بواباته:
يمكن تلخيص أبرز العوامل في النقاط التالية:
١. وجود نظام سياسي طائفي تمييزي شوه الحياة السياسية والاجتماعية وأشاع الصراعات بين الأحزاب الإسلامية السياسية ونقلها إلى المجتمع ومزق نسيج المجتمع الوطني العراقي.
٢. نشوء نظام سياسي طائفي في دولة ريعية فسح في المجال وسمح لبروز رئيس وزراء مستبد بأمره وبالشعوب والوطن وصادر حقوق الإنسان والحريات العامة، إنه نوري المالكي.
٣. مارس النظام ورأسه سياسة التمييز إزاء أتباع الديانات والمذاهب والتهميش وساعد على نشوء عدم ثقة بين أبناء وبنات الشعب من مختلف القوميات والديانات والمذاهب ولم يتصد لها بل ساهم في تأجيجها بمختلف السبل والوسائل.
٤. عمق رئيس الحكومة السابقة الصراع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في مواقفه غير العقلانية والمتطرفة التي قادت بدورها إلى ردود فعل متشنجة ساهمت كلها في نشوء حالة من عدم الثقة بين الحكومتين والشعبين العربي والكردي لم ينجح صدام حسين في الوصول إليها.
٥. الفساد العام الذي ساد العراق على امتداد السنين المنصرمة وساهم رأس النظام في تنشيطه بمختلف السبل ووصل إلى القوات المسلحة بمختلف صنوفها وإلى كل مفاصل وسلطات الدولة والمجتمع وتشابكت مع الإرهاب وقواه وأصبحا وجهان لعملة واحدة.
٦. لم تكن القوات العسكرية المعسكرة في محافظة الموصل موجهة ضد عدو خارجي بل كانت موجهة لهدفين هما: أ. اضطهاد أهل الموصل وإذلالهم بمختلف السبل من منطلق طائفي مقيت من جهة، ب. وضد إقليم كردستان وقوات البيشمركة في حالة أي تحرك للاستقلال من منطلق شوفيني مناهض لحق تقرير المصير من جهة أخرى. لهذا وبسبب الفساد والرشوة لم يقف الجيش بوجه داعش وعصابته المجرمة.
٧. إن سياسات رأس النظام الطائفي وممارساته اليومية ومواقفه المتطرفة إزاء أبناء شعبنا من أتباع المذهب السني ومن الشعب الكردي بعدم حل المشكلات العالقة بما فيها المناطق المتنازع عليها على وفق المادة 140 والنفط وعدم دفع الرواتب ...الخ خلق حواضن مهمة لعصابات داعش ساهمت في اجتياح العراق من بوابة الموصل الحدباء.
٨. ولا شك في أن العراق ومكوناته القومية والدينية قد تعرضت لمؤامرة دولية وإقليمية ومحلية قذرة أرادت وما تزال تريد النيل منه وتمزيقه.
٩. وأخيرا وليس آخراً فأن النظام السياسي الطائفي حرم الشعب من حقوقه وحرياته الأساسية وقاد إلى الكارثة العظمى التي يعاني منها الشعب عموما وخاصة شعبنا من المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان والكرد.

سبل مواجهة عواقب الغزو والنزوح والانتصار عليها
في الوقت الذي نتحدث عن النازحين قسراً وأوضاعهم المأساوية، علينا أن نشير أيضاً إلى واقع خوض قوات البيشمركة وحاملي السلاح من الإيزيديين والأنصار الشيوعيين السلاح في مواجهة عصابات داعش في جبهات قتال عديدة وحققت نجاحات غير قليلة وقتلت الكثير من قوى الشر والعدوان وأعطت كوكبة من الشهداء في هذه المعارك، فإنها ما تزال بحاجة إلى دعم دولي واسع للسلاح والعتاد والمعدات العسكرية لمواجهة مظفرة وسريعة ضد هذه القوى الشريرة التي تمارس قتلاً جماعياً مستمراً ضد السكان، إضافة إلى مزيد من التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة وتأمين السلاح والعتاد للبيشمركة.
إن مواجهة الوضع الراهن والعواقب الناشئة عنه وأزمة ما بعد التحرير يتطلب العمل من أجل توفير تضامن وتعاون وتكافل دولي وإقليمي ومحلي شعبي لمعالجة المشكلات يتطلب تأمين تشكيل غرفتي عمليات مشتركة:
أ- غرفة محلية - أقليمية - دولية لمواجهة داعش وجرائمها على مستوى العراق وسوريا والمنطقة، رغم إن بعض الدول قد شاركت في دعم داعش ولكنها أصبحت اليوم تواجه داعش مباشرة. كما إن الدول الأوروبية أصبحت وجها لوجه مع عصابات داعش وخلاياه المجرمة النائمة والناهضة فجأة كما حصل في باريس أخيراً. ويفترض أن يبنى هذا التعاون على أساس إستراتيج دولي مناهض للإرهاب وتكتيكات يومية مرنة وفعالة وقادرة على تسريع عملية تحرير العراق، دون ان يتطلب ذلك قوات خارجية تدخل العراق. الحكومة العراقية وحكومة الإقليم غير قادرتين على تسريع عمية التحرير رغم الجهود التي تبذل لهذا الغرض، إذ ل بد من الدعم المتنوع الخارجي.
ب - غرفة عمليات محلية- أقليمية - دولية على مستوى المؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي ودول أوروبية وصديقة ومراكز البحث العلمي الاجتماعي والنفسي والاقتصادي لمعالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تواجه المجتمع العراقي وخاصة في المناطق آلتي أصيبت بطاعون داعش، إضافة إلى دراسة ما سيحصل بين مكونات الشعب من مشكلات اجتماعية وانعدام الثقة وسبل إعادة النازحين إلى مناطق سكناهم ومسائل الخدمات الاجتماعية بما فيها الصحية. المعيشية والنفسية ...الخ. أي توفير مستلزمات حل أزمات ما بعد الأزمة الكبرى الراهنة.
إن العبء الواقع على عاتق الإقليم كبير حقاً ولا بد من تنشيط التعاون على المستوى المدني والعسكري بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وتجاوز عدم الثقة الذي نشأ بسبب سياسات نوري المالكي الهوجاء والعفنة، وتأمين غطاء دولي لهذا التعاون والتنسيق لتحرير العراق كله من قوى الظلم والظلام والتوحش وإنقاذ الشعب العراقي من جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وتدمير التراث الحضاري الإنساني لكل مكونات الشعب العراقي .
كاظم حبيب
18/1/2015
Top