• Tuesday, 07 May 2024
logo

سياسة اقليم كوردستان والازمة الاقتصادية- المالية

سياسة اقليم كوردستان والازمة الاقتصادية- المالية
(2-2)

سنوات العجاف
كان الوضع السياسي والاقتصادي للاقليم وقبل عشر سنوات وضعا مستقرا وإيجابيا وأن أفاق التطور الاقتصادي الاجتماعي كانت تبشرة بالتفاءل ، إلا أن الوضع شهد فقط درجة محددة من النجاح فيما يخص المشاريع التحديثية.
 بحلول عام 2014 بدأت ملامح حدوث أزمة إقتصادية في الاقليم تظهر بوضوح ، الا أن حكومة الاقليم لم "تنتبه" لتلك المؤشرات وبالتالي "أهملت" إتخاذ الاجراءات الضرورية والمستعجلة لاحتواء " أزمة إقتصادية قادمة " يمكن لها أن " تعصف" بالحكومة.وهنا من المفيد أن نستذكر ماقاله البروفيسور الامريكي في علم السياسة (هارولد لاسويل 1902-1978) في كتابه الشهير:
 Politics: Who Gets What, When, How (1936)
السياسة هي من يحصل على ماذا ومتى وكيف؟) من أن واجب السياسة ليس حل مشكلة قائمة بل أن واجبها التنبوء بما يحدث مستقبلا من مشاكل وتضع حلولا لها قبل أن تستفحل.
وهكذا فإنه عندما تعمقت الازمة ، بدأت حكومة الاقليم بوضع خطة لدراسة المشكلة ( بعد ظهورها وتعقدها) وإيجاد حلول لها. ولذلك طرحت خطة إصلاح وضع الجهاز الحكومي في مجالات: الرواتب والاجور ، التعليم العالي ، الصحة ، الاستثمار ، سوق العمل. هذه المحاولات يمكن وصفها بكونها " إصلاحات مريضة ill-fate reform" لكونها :
* كانت على درجة محددة من انجاح و
* عدم فعالية نفوذ وقوة الاحزاب ومجموعات الضغط والمصالح التي تحاول الدفاع عن مصالحها وبالتالي فإنها تقف بالضد من أية محاولة لتقليل دور الدولة وخدماتها لان هذا يعني فقدان منافع ومكانة مركزهم في المجال السياسي.
إن ضغط الازمة السياسية في الاقليم كانت فرصة لتقديم خطة إصلاحات مناسبة ، وأن الفشل في هذه الحالة أصبح عاملا رئيسيا في بروز ظاهرة اللامبالاة apathy والاحباط frustration تجاه نظام الحكم في الاقليم حيث غالبيية المواطنيين يشعرون بأن الحكومة فشلت في تحسين حياتهم اليومية مما أثر على عدم تحسين الترابط مابين المواطن والحكومة.
في قمة المشاكل التي تعرقل إقامة علاقات طبيعية مع نظام الحكم ، مشكلة الفساد الاقتصادي – المالي لبعض من رجالات السياسة وأحزابها والتي بدأت تنخر الجهاز الحكومي. هذه المشكلة سهلت لبعض الاحزاب من إستغلالها لتوجيه إنتقادات حادة لسياسة الحكومة والمطالبة بإعادة تنظيم الحكومة وتحقيق الشفافية وإيجاد أخلاقية جديدة في الحياة السياسية.
تجاه هذا الوضع عملت الحكومة على تخفيض النفقات والرواتب والاجور ولكنها واجهت عقبة فجائية تمثلت في إنخفاض أسعار النفط عالميا مما أثر وبوضوح في إنخفاض ايرادات الاقليم التي لم تتمكن من تغطية نفقات وإلتزامات الحكومة مما إضطرها الى اتخاذ إجراءات قاسية في خفض الرواتب عن طريق إستقطاع جزء منها.
في الحقيقة لم يكن المجتمع في الاقليم مهيئا لانفسيا ولا من ناحية المعلومات لتقبل مخاطر الازمة الاقتصادية وبالتالي أثرت الحالة على وضعية الثقافة السياسية والتي بدأت ملامح التغيير فيها تظهر وأدت الى بروز حالات التهاون واللامبالاة.
إن الفترة السابقة كانت فرصة مهمة لاجل إجراء الاصلاحات وتغيير النهج الا أن الحكومة والنخبة السياسية والاحزاب لم تستغلها ، بل أنها فشلت في الاخذ بالمبادرات الضرورية لاجل تنفيذ الوعود التي أعطيت للمواطنيين.
إن الفترة السابقة بينت زيادة نسبة اللامبالاة السياسية political apathy وفقدان الثقة بين الاحزاب السياسية والتخلص من الاوهام حول السياسة ، ولذلك فإنه لم يكن مدهشا ملاحظة أن المجتمع في الاقليم لم يكن لدية الفكرة والرغبة الواضحة في التغيير.إن تجربة أكثر من عقدين من الزمن حول " المحسوبية والزبائنية" أثرت بوضوح على الخطاب السياسي الذي يؤكد على الانحلال السياسي والاغتراب.إن فكرة الحصول على أرباح سريعة وسهلة وأن للمرء الحق في الوصول الضروري الى الاجهزة الحكومية ، أصبحت هي المهيمنة على المجتمع وبالتالي على المجال السياسي.إن هذا الوضع أدى الى تقبل الزبائنية والمحسوبية سواء ضمنا أو صراحة.والنتيجة كانت خلطا ومزجا خطيرا مابين عدم الثقة السياسية والاغتراب مع تصاعد موقف بكون النظام يمكن أن يستغل لمصلحة الافضليات الفردية أو الجماعية وتنفيذ نظام الغنائم spoils . إن الازمة الاقتصادية – المالية كانت بمثابة " هزة" في مجتمع الاقليم والذي أجبر لكي يقتنع وفي فترة قصيرة بأن التأكيدات والتطبيقات القديمة يجب إهمالها.
ظهور أزمة التنبؤ بالازمة السياسية
إن مصطلح الازمة الاقتصادية يشير الى أزمة المديونية المالية للاقليم وأن إستخدام المصطلح سياسيا هو أكثر تعقيدا لكونه يشير الى أزمة الشرعية a legitimacy crisis والى أزمة الحكومة وكذلك الى أزمة الاحزاب السياسية. وعلى كل حال ، فإن المصطلح هو غامض ويحتاج الى توضيح للمعايير التي يمكن من خلالها توضيح المصطلح.
إن حكومة الاقليم كانت بطيئة جدا في ردود أفعالها ومنع إتخاذ الاجراءات القاسية.
في الانتخابات الاخيرة في الاقليم ، لم يتطرق اي من الاحزاب السياسية الى جدية خطورة الوضع الاقتصادي في الاقليم ولم تتنبأ بأن الاقليم كان يقترب من " حافة الانهيار".ولم تتخذ الحكومة أية إجراءات إلا حينما شعرت بأنها " فعلا" في مواجهة أزمة بنيوية حادة يمكن تسميتها بـ " أزمة فجائية غامضة" حيث لم تكن لدى الحكومة أية مؤشرات بحدوث أزمة...!
ومع إقتراب نهاية 2015 شعرت الحكومة بوجوب إتخاذ إجراءات لمواجهة الازمة التي جاءت "متأخرة" كثيرا وأدت الى إنتشار غير مسبوق لحالة القلق واللاثقة وأن الرأي العام لم يكن مستعدا لتحمل نتائج تلك الاجراءات.إن حكومة الاقليم بإقرارها بضخامة المشكلة ، فكرت " مثاليا" باللجوء الى القروض الخارجية لحل المشكلة ولكن بدون نتيجة نظرا لان الموضوع له علاقة بإختصاصات الحكومة الاتحادية.ولذلك لجأت الى إجراءات بالاعتماد على النفس وقدرتها وكفاءتها بحل المشكلة . إن الوضع كان شبيه وضع وحالة الطوارىء ، ولكنها لم تتخذ أي إجراء لاعلانها والذي كان من الممكن أن يكون طريقا لاجل إنقاذ الاقليم من حالة الضعف.
وفي نفس الوقت لم يتحرك البرلمان في إتجاه المشاركة في إيجاد الحلول وحتى لم يقم بإتخاذ الاجراءات التقليدية المتبعة في أوقات الازمات الاقتصادية ومنها تشكيل لجان برلمانية تحقيقية للتحقيق في ظاهرة الفساد وبالتالي فإن البرلمان لم يتمكن من من القيام بدوره في الحفاظ على مصالح الشعب وبالتالي فإن البرلمان كمؤسسة ممثلة للشعب بقي خارج هذه المشكلة.وعلى الرغم من أن البعض من أعضاء برلمان الاقليم حاولو أن يلعبو بعض الادوار الا أنها لم تكن فعالة.ويمكن تفسير هذه " البرودة " في موقف البرلمان بـ " التخوف " من زيادة الاستقطاب السياسي في الاقليم وفي نظام الحكم وأن تقويض أفاق التحالف السياسي وإعادة توجيه الرأي العام ستقود الى مايسمى بـ " النميمة السياسية political gossip" حيث تصبح المناقشات السياسية عقيمة و غير مثمرة .ومن جانب أخر فإن فعالية اللجان ( البرلمانية والحكومية) ستؤدي الى " طمس blur" المواجهات السياسية وتؤدي كذلك الى خصومات وعداوات سياسية political antagonism وإضطرابات سياسية غير ضرورية.إن التحقيق البرلماني للفضائح سيخلق جوا سياسيا يتسم بالمزاعم والاتهامات المتبادلة مابين الاحزاب والنخب السياسية وبالتالي فإن الموضوع يحتاج الى تفاهمات سياسية حول كيفية حل مشكلة الفساد في إطار حكم القانون.لقد إستفادت أحزاب المعارضة من هذا الوضع القلق بتوجيه تساءلات وإتهامات بوجود حالات فساد يجب أن يجري تحقيق حولها لان الاقليم وصل الى مستوى حالة الافلاس bankruptcy . ومع ذلك فإن الاحزاب والنخب السياسية لم تتوصل الى تفاهم مشترك وبالتالي فإن الازمة الاقتصادية المالية أحدثت أزمة حقيقية في نظام الحكم في الاقليم وفي الاحزاب والنخب السياسية 0 (هنا أود الاشارة الى ماحدث في السنوات الاخيرة في إيرلندا من أزمة إقتصادية حادة وأنه على الرغم من الخصومات السياسية مابين الاحزاب السياسية فإنهم حاولو بكل جدية تحقيق إجماع واسع قدر الامكان لادارة الازمة وحلها).
كان ضروريا جدا في الاقليم ( ومازالت هذه الضرورة قائمة) التوصل ( قدر الامكان) الى حالة الاجماع والاتفاق على كيفية الحل لازمة إقتصادية – مالية أوصلت الاقليم الى حالة حرجة من حيث فقدان خطة إقتصادية – مالية وإصدار جملة من القرارات تتعلق بتخفيض الرواتب والمستحقات التقاعدية وأدت الى حالة من التدهورdeterioration للاوضاع الاقتصادية لاغلبية المواطنين.
إن مازاد من عمق المشكلة ، محاولة حكومة الاقليم تطبيق سياسة المسماة بـ الليبرالية الجديدة في المجال الاقتصادي التي هي ليست متناقضة فقط مع " إيديولوجية" الاحزاب الحاكمة ولكن أيضا تتناقض مع الخلفية التأريخية الفكرية لتلك الاحزاب وتطبيقاتها السابقة.
وفي نفس الوقت فإنه شيء يجلب الانتباه في زمن الازمة الاقتصادية ، أن الافكار التحررية اليسارية حول المساواة ، العدالة الاجتماعية ، والتضامن لم تجد لها الصدى المتوقع لدى الرأي العام ويظهر أن حاملي هذه الافكار لايتمكنون من إقناع الناس وتحريكهم بإتجاه إحداث تغييرات عميقة في المجتمع والسياسة.إن الادعاء بضرورة التغييرات الاجتماعية هو غير مقنع بدون تطبيقات عملية.
في هكذا وضع كوضع الاقليم فإنه من الضروري ترك التطلعات الشخصية والخصومات الجماعية. إن الازمة بينت عدم قابلية الاحزاب السياسية للتعبئة وتقديم جملة من مقترحات شاملة وجعلها سياسة policy يمكن لها أن تقدم حلولا للازمة.ولذلك فإن الامر سيكون واضحا بكون قدرة الاحزاب السياسية محدودة في إدارة العملية السياسية. بالتأكيد أن هذه الاحزاب لها القدرة والقابلية لتقديم أقضل ما لديها من الكفاءات لادارة الاقليم. إن الادارة والتشاور هما من المفاتيح الاساسية في الخطابات السياسية وبالتأكيد أن هناك عناصر مهمة وإيجابية في خطابات الاحزاب السياسية في الاقليم ولكنها غير كافية لتقديم رؤية إستراتيجية مستقبلية ، ولذلك لم يكن مفاجئا بروز حالات ومواقف تتعلق بالاغتراب والتهكم وعدم الثقة ليس تجاه الحكومة فقط ، بل كذلك تجاه الاحزاب السياسية والنخبة الحاكمة.إن البعض من المقترحات الاصلاحية المقدمة من قبل الاحزاب السياسية يمكن تقبلها ، ولكن البعض الاخر طرح بصورة متأخرة.ولذلك تلكأت خطوات الاصلاح وبالتالي فقدت النخبة السياسية مصداقيتها بسبب ضعف إنجازاتها وواجهت حالة صعبة ومععقدة تتعلق بعملية إعادة الثقة بالمؤسسات القائمة . عليه يحتاج الوضع الى إصلاح عام وشامل.
الاستنتاج
إن الازمة الاقتصادية – المالية في الاقليم تعكس في الوقت نفسه أزمة سياسية بنيوية حادة وتنتج تأثيرات عميقة غير متوقعة. إن فقدان سلسلة من المناقشات والمواجهات الفكرية والمشاريع السياسية العقلانية يزيد من الازمة على الصعيد السياسي ويعمق ظاهرة " اللاتسيس depolitization ". إن الربط مابين الازمة السياسية والازمة الاقتصادية خلق حالة متفجرة من " المزج والتداخل" وخدمت جوهريا القول المأثور بأن كل الاحزاب السياسية والسياسيون هم من نفس الطبقة.
هذه الوضعية في الاقليم خلقت تحديا جديا من قبل جزء مهم من المواطنين لشرعية نظام الحكم والذين بينوا أن العجز الديمقراطي في إدارة الحكم مرتبط مع تصور كئيب وقلق حول مستقبل غامض.تأريخيا ، هناك شواهد بأن التوجه العام في حالة الازمة الاقتصادية سيكون بإتجاه الافكار الثورية.وهذا درس مهم من التاريخ يجب أن نتعلمه.
Top