• Monday, 06 May 2024
logo

سنة المالكي

سنة المالكي
عندما نقارن بين حزب البعث الذي حكم العراق أكثر من ثلاثة عقود وبين حزب الدعوة الذي لا يزال يحكم العراق منذ 2005، نجد أن الحزبين كليهما أوصلا البلد إلى الهاوية، فحزب البعث كان نظاما استبداديا سياسيا تجلى في شخص صدام حسين، قضى على جميع صنوف الحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، وخير دليل على ذلك تلك المقابر الجماعية التي يندى لها جبين الإنسانية، ولسنا بحاجة إلى حفر صفحات هذا الحزب فهو معروف للجميع، أما حزب الدعوة، فهو بكل تأكيد من أقدم الأحزاب العراقية الدينية، حيث تأسس سنة (1957) بحضور محمد باقر الصدر ومحمد مهدي الحكيم ومرتضي العسكري, جاء حزب الدعوة وهو يحمل رسالة دينية عالمية أشبه برسالة الإخوان المسلمين في مصر، فإذا كان الإخوان المسلمون يمثلون الإسلام السياسي السني، فإن حزب الدعوة يمثل الإسلام السياسي الشيعي، بما أن هذا الحزب تأسس لبناء الدولة الإسلامية، لتكون نواة لقيام الدولة الإسلامية الكبرى، ولهذا كان تركيزه في البداية على المسائل الدينية والمذهبية بدل التركيز على بناء الوطن، وتأسيس مباديء الديمقراطية والتعددية والدولة المدنية، وهذا هو شعار الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، ولهذا تحول حزب الدعوة بمرور الزمن إلى حزب استبدادي ديني أيدولوجى، تجلى ذلك في شخص المالكي, وأول من ترأس الحكومة العراقية من حزب الدعوة الدكتور إبراهيم الجعفري سنة (2005) والجعفري مفكر شيعي قبل أن يكون سياسيا، حيث له اطروحاته الفكرية من أجل تحقيق أهداف حزب الدعوة، وفي سنة (2006) جاء نوري المالكي وتسلم رئاسة الوزراء، وهو لا يصل إلى درجة الجعفري من الناحية الفكرية، ولا إلى مستواه من الناحية الدبلوماسية، وأتصور أن المالكي استطاع أن يدير البلد بصورة سليمة في بداية الأمر، وأن يحقق بعض النجاحات في العلاقات بين شرائح المجتمع العراقي، وبين بغداد وأربيل، ولكن يبدو أن هذه السياسية لا تتناسب وأفكار حزب الدعوة، ولا تتناغم مع أفكار الجمهورية الإسلامية، لأنه من المعلوم أن حزب الدعوة له علاقات متميزة مع إيران، وخاصة أن قادتها اجتمعوا مع الخميني في بيته سنة (1981) وقد كان الجعفري ضمن الوفد الزائر، وقد طرح آنذاك السيد محمد باقر الصدر نظرية حكومة المرجع وهي مرادفة لحكومة ولاية الفقيه الإيرانية، لذلك كانت خطوات المالكي تسير على عكس ما تأسس عليه حزب الدعوة في بداية الأمر، وبين ليلة وضحاها، تغير المالكي فجأة، وبدأ بمعاداة السنة وإقصاءهم وتصفيتهم، وبدأ بتطبيق قاعدة إن لم تكن معي فأنت ضدي، ورأينا في فترة حكمه الويلات والفوضى والخراب والتخلف، ومن هنا ظهر مصطلح سنة المالكي، حيث لجأ المالكي إلى أسلوبين في آن واحد، أسلوب الإرهاب لمن يعترض عليه وعلى مشروعه الإسلامي المذهبي، وهذا ما دفع أكثرية السنة إلى معارضته، وبعضهم ترك العراق خوفا من سطوته، وما أكثر الأمثلة، لا مجال لذكرها، وما حصل لنائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي عندما وقف ضد سياسة المالكي، وقد اتهمه المالكي بالإرهاب، ومن ثم حكمت المحكمة العراقية عليه بالإعدام غيابيا سنة (2011)، وكذلك ما حصل للنائب السني أحمد العلواني من محافظة الأنبار عن القائمة العراقية، حيث اعتقلته قوة مشتركة من الجيش وقوات الطوارئ نهاية كانون الاول 2013، وأصدرت المحكمة الجنائية المركزية العراقية حكما بإعدامه سنة 2014.
ومعلوم أن قرارات تلك المحكمة كانت سياسية، ولهذا لجأ الهاشمي إلى كردستان،- ملجأ المظلومين من جميع شرائح المجتمع العراقي قبل سقوط البعث وبعده-، والإسلوب الثاني الذي لجأ إليه المالكي هو الترغيب وشراء الذمم، حيث وجدنا كثيرا من قيادات السنة وساستها في أحضان المالكي، يشغلون مناصب في الدولة، والمالكي يغدق عليهم بالأموال والامتيازات والأراضي والعقارات، ومن هنا ظهر مصطلح (سنة المالكي)، وقد أصبح السنة ثلاث جماعات، الأولى التحقت بالقاعدة وأخيرا بداعش من أجل الوقوف في وجه التشيع، أو حسب مصطلحهم المعروف (المد الشيعي الصفوي الفارسي)، وأكثر من انضم إلى هذه الجبهة هم قيادات حزب البعث المنحل، ومتطرفو الإسلام السياسي السني من جميع دول العالم، وحتى من كردستان، وخاصة من تربوا بيد بعض شيوخ الجماعة الإسلامية في كردستان بزعامة علي بابير، ولهذا سقطت المحافظات الغربية السنة سريعا بيد داعش، وخاصة مدينة الموصل، وكذلك رمز صمود السنة مدينة الفلوجة، حيث منذ سنتين وهذه المدينة بيد داعش, وتحررت سريعا، ولا تزال الأسباب غامضة غير واضحة، وهناك تحليلات توضح كيفية تحرير المدينة بهذه السهولة سنشير إليها في وقتها. والجماعة الثانية هي التي تعيش خارج العراق وأكثرهم في الأردن، وهم لا يؤيدون مشروع الإسلام السياسي، بل هم من مؤيدي العراق العربي القومي، ولهذا يعارضون مشروع إيران، ويعدونه مشروعا فارسيا صفويا، لتمزيق الوطن العربي، أما الجماعة الأخيرة فهي عنوان مقالنا(سنة المالكي) هؤلاء لا قيمة لهم في العقل الجمعي السني، وعلى رأسهم الحزب الإسلامي(الفرع الإخواني في العراق) لأنهم متفقون مع حزب الدعوة في كثير من القضايا، لأن الأهداف التي تأسس من أجل تحقيقها حزب الدعوة، هي الأهداف نفسها التي تأسس من أجل تحقيقها الإخوان المسلمون, وعند المقارنة تتجلى هذه الحقيقة، وكذلك بعض القيادات السنية المعروفة، وهي لا تزال تدافع عن المالكي، وهي شخصيات انتهازية ضعيفة تتلون حسب الظروف والأحوال.
أعتقد أن هذه الطبقة أعني سنة المالكي، لا يزالون مصرين على مواقفهم في دعم المالكي مع عدم بقاءه في السلطة، وذلك لأنهم مدينون له، وبعضهم له ملف خاص عنده، قد لا يستطيع أن يحرك ساكنا، ووبالرغم من عدم بقاء المالكي في السلطة، لكنه هو الحكم الفصل في حزب الدعوة، وهو الذي يعرقل المسيرة السياسية في العراق، وهو الذي يضع العراقيل في طريق العبادي، وبل أستطيع القول أن المالكي هو الوكيل الحصري للخامنئي في العراق، بل هو الذي يدير العراق فعليا، لأنه يملك السلطة والثروة والقوة والجماهير، ولهذا نجد السيد مقتدى الصدر يهاجمه بين الحين والآخر، لأنه يدرك أنه هو المحرك الأول للأزمات، وهو مصدر القلق في العراق، وهو الذي سلم الموصل لداعش، وهو الذي أفلس العراق، وهذه المعادة والصراع بين مقتدى الصدر والمالكي لا يزال قويا، ويشتد يوما بعد يوم، ولولا الخوف من داعش لأصبح جنوب العراق بحرا من الدماء بسبب الصراعات الشيعية الشيعية وخاصة بين مقتدى الصدر من جانب وبين حزب الدعوة، وبين عصائب أهل الحق وبين سرايا السلام, وما أكثر الصراعات بين قادة الحشد الشعبي، فلولا حرب داعش، والخوف من هذا العدو المشترك لأصبح هناك قتال شديد بين فصائل الحشد الشعبي، بسبب التنافس على الزعامة والأموال والأسلحة وما شابه ذلك, في فترة المالكي تمزق السنة وتشتتوا، وأصبحوا جماعات متفرقة، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، ما مصير السنة بعد داعش؟
لا ريب أن تنظيم داعش الإرهابي إلى الأفول وليس إلى الزوال، فمدينة الموصل ستتحرر من براثنهم، ولكن المشكلة الإساسية أن الشيعة انتصروا في الحرب ميدانيا، ولكنهم خسروا في الحقيقة، لأنهم لم يقاتلوا داعش بروح وطنية عراقية، بل قاتلوا بروح طائفية مذهبية، حيث وجدنا سلوكيات الحشد الشعبي الطائفية، من التعذيب وتدمير مساجد السنة في الفلوجة وديالى، وشتم الصحابة، وإهانة جامع السيدة عائشة وجامع عثمان، حيث وضعوا النعال على أسماءهما، وكذلك السخرية والاستهزاء بعلماء السنة ومدينة الفلوجة، ووصفها بأوصاف قبيحة أخجل من كتابتها، أضف إلى ذلك رفع الأعلام الطائفية بدل العلم العراقي، وسرقة المنازل وحرقها، وكتابة شعارات طائفية، كل هذا سيشكل في العقلية السنية قناعة تامة أن هذا الحشد جاء لسحق السنة، والانتقام منهم، وقد حصل ذلك فلا، كل هذا يحصل والطبقة السياسية السنية في صمت مريب، وفي سبات عميق، أعتقد أن هذه هي نهاية الطبقة السياسية السنية في العراق وخاصة سنة المالكي، والشيعة يعلمون جيدا، أن هذه الطبقة لا تمثل السنة، ويدركون جيدا أن قائمة المتحدون لأسامة النجيفي – على سبيل المثال- هي التي تتحدى المالكي، ولهذا صوت الشيعة جميعا ومن بينهم سنة المالكي وبعض النواب الكورد المعروفين بولائهم الشديد للمالكي، على إقالة محافظ الموصل أثيل النجيفي الأخ الشقيق لأسامة النجيفي، ولهذا يحاولون التفاوض سرا مع السنة الحقيقيين، من الذين يستطيعون إقناع أكثرية السنة بالعودة إلى العراق، والمشاركة الحقيقية في العملية السياسية في العراق، من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سينجح الشيعة مرة أخرى في بناء دولة مدنية ديمقراطية، أعتقد جازما أنهم فشلوا ولن يستطيعوا أبدا، إلا بعد إقصاء رجال الدين عن التدخل في شؤون الدولة والسياسة، وهذا غير ممكن في الأيدلوجية الشيعية الدينية، وبعد رفض مشاريع الإسلام السياسي المدعوم من إيران، ولقد اقتنع السنة الحقيقيون أنه بات من المستحيل العودة إلى العملية السياسية، والعراق محتل إيرانيا حسب قناعتهم، ولهذا يفكر السنة بتشكيل إقليم خاص بهم كإقليم كردستان، لكي يبتعدوا عن سيطرة الدولة الشيعية، وكاد السنة جميعا يتفقون على هذا المشروع، إلا سنة المالكي وبعض متطرفي الإسلام السياسي وأعضاء حزب البعث الذين يحلمون بعودة نظام البعث من جديد, هنا ربما يقع الإشكال في من سيرأس هذا الإقليم، وقادة السنة عبارة عن شخصيات سياسية تعيش في حالة من الفوضى، لا مرجعية لهم لا دينيا ولا سياسيا، وإن كان المذهب السني لا يؤمن بالمرجعية الدينية لهم، ولكن أتصور من الضروري أن يحددوا لهم مرجعية دينية وسياسية حتى يحققوا طموحاتهم السياسية، ولكي يقضوا على التطرف الديني والفكري المنتشر فيما بينهم، ومن أجل وضع حد وحصانة لشبابهم المغرر بهم، والذين يقاتلون الآن في صفوف داعش، ومن أجل تحقيق هذا المطلب الشعبي لا بد أن يعترف أحدهم بالآخر، وأن لا يرى نفسه أولى من غيره بزعامة السنة، ولكن أتصور أن الأمر سيحسمه من هو أشد قوة ومالا وسلطة ونفوذا وتأييدا من الداخل والخارج، وأعني بالخارج دول الخليج وخاصة الممكلة العربية السعودية، وهناك أسماء مطروحة، ولعل أبرز هذه الشخصيات خميس الخنجر، الرجل الثري والقوي والعنيد والمتمرد والمؤيد داخليا وخارجيا، ولهذا يتهمه أتباع المالكي بالخنجر في الجسد العراقي، وأثناء هجوم الحشد الشعبي على مدينة الفلوجة، قال هادي العامري رئيس منظمة بدر للحشد الشعبي عندما تحدثوا عن (قبيلة البوعيسى) المشهورة في محافظ الأنبار وهي قبيلة خميس الخنجر، قال أضربوهم.
خميس الخنجر من مدينة الفلوجة، صاحب المشروع العربي في العراق، دعم القائمة العراقية للعلاوي، وساند كثيرا من الشخصيات العراقية السنية، لكنها خيبت آماله، فلم يكن أحد من أولئك يرتقي إلى طموحاته السياسية، فهو كان يعمل وراء الكواليس لدعم سنة العراق ضد المد الشيعي والمد الإيراني، وكان يقف بعنف ضد سياسة المالكي، وقد أصدر القضاء العراقي يوم 26 تشرين الأول 2015 حكما قضائيا وفقا للمادة الرابعة من "قانون مكافحة الإرهاب"، تضمن مذكرة بالقبض على خميس الخنجر.
يبدو أن خميس هو الخنجر الرجل الأقوى من بين الشخصيات السنية، سيخوض بنفسه السياسة هذه المرة من الناحية العملية، ووهناك قناعة شيعية وخاصة من قبل بعض القيادات الشيعية في التحالف الوطني أنه يجب التعامل مع هذه الشخصية السنية، لكي يستطيعوا بناء دولة عراقية موحدة، ضد دعاة التقسيم حسب زعمهم، وهناك تحليلات تشير إلى صفقة سياسية بين الخنجر والشيعة وخاصة العبادي من أجل تحرير مدينة الفلوجة، ولعل سبب سهولة تحريرها يعود إلى ذلك، وإلا فإن هذه المدينة من أصعب مدن العراق وأشدها عنادا، وأهلها معروفون بالمقاومة والصمود، ونتذكر تلك المعارك التي دارت بينهم وبين القوات الأمريكية ما بين سنة(2003-2009)، ولهذا لا يعقل أن تستسلم هذه المدينة بهذه السهولة لقوات الحشد الشعبي، لذلك ربما هناك صفقة سياسية وراء الكواليس بين الخنجر والشيعة، لأنه معلوم أن أهل الفلوجة عندما يقاتلون الحشد، فهم في قناعتهم يقاتلون الإيرانيين، وهناك حضور إيراني ملحوظ، ووجود قائد فيلق القدس قاسم سليماني في الفلوجة خير دليل على ذلك، ولا ندرى ما الذي سيحدث في مدينة الموصل، ولعل قضية الصفقات السياسية ستطرح مرة أخرى، ولكن لا نعرف مع من، هل ستكون مع عائلة النجيفي الموصلي، أم أن الأمر سيختلف، يبدو أن بهذه الصفقة وبهذه الصورة ستكون نهاية سنة المالكي في العراق، وسنكون أمام سنة العراق في إقليم خاص بهم، لكن هل سيتفق السنة على إقليم واحد أم يريدون أقاليم حسب محافظاتهم، فهم متفرقون جدا، ومتصارعون جدا، ومختلفون جدا، ولو استمع سنة العراق لنصيحة البارزاني في بداية الأمر لما وصلوا إلى هذه الفوضى والخراب والتشتت والتفرق، حيث قال لهم: لا تفكروا بإستعادة الماضي، فقد ذهب حزب البعث من غير رجعة، وحاولوا المشاركة في العملية السياسية، والتفكير في مستقبل السنة في العراق، وبعد ذلك يمكن أن تشكلوا لطائفتكم إقليما سنيا خاصا بكم، لكنهم رفضوا نصيحته، وبقوا يتشدقون بوحدة العراق، وأن العراق دولة عربية، وأن الفدرالية مخطط صهيوني لتقسيم العراق، هذه الكلمات الجوفاء السخيفة، وكان على رأس المعارضين للفيدرالية النائب السني عن محافظة الأنبار الدكتور عدنان الدليمي، وبعضهم أفتى بتحريم الفيدرالية كالشيخ عبد الملك السعدي كبار علماء السنة، وقد رددت عليه في مقال خاص، وحتى إن بعضهم لم يكن يعرف أن الفيدرالية تعني الاتحاد، وقد قال الدكتور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي لنا في جلسة خاصة مع النواب الكورد: لم نكن نجرأ أن نتحدث عن الفيدرالية فيما بيننا، والآن بعد مضي هذه السنوات الصعبة على السنة، أدركوا هذه الحقيقة، وندموا لأنهم لم يأخذوا بنصيحة البارزاني، فلعل الفيدرالية تناسب سنة العراق، لكنها لن تناسب كورد العراق، لأننا جربناها ففشلت، لذا لا بد من التفكير في بدائل أخرى، كالفيدرالية confederation أو الاستقلال الطوعي الذاتي وهو حق الشعب في تقرير مصيرها، self-determination , وسبب فشل هذا النظام يعود إلى سياسة المالكي الطائفية التي لم تؤمن ولن تؤمن بالفيدرالية جملة وتفصيلا، لأنها وفق منظومتهم الدينية الأيدولوجية تتناقض مع مفهوم الدولة الإسلامية التي أسسها الخميني في إطار ولاية الفقيه، أو إطار حكومة المرجع كما أسسها محمد باقر الصدر, وقد تعامل المالكي مع كردستان تعاملا عدوانيا مجحفا، قطع الموازنة وهذه مخالفة دستورية صريحة، ويعد خرقا للدستور, وما أكثر مخالفاته الدستورية، وخرقه لبنود الدستور، بل مما زاد الأمر تعقيدا تهديده الواضح لكردستان، وتشكيل عمليات دجلة في كركوك، وقد نسي الرجل أنه لم يمكن بإمكانه أن يأخذ ولاية ثانية لولا فضل الكورد، وقد نسي ذلك وكأن شيئا لم يكن، ونسي كذلك ما قدمه له الكورد في كردستان، عندما كان طريدا مشردا سليبا فارا هاربا من حزب البعث، وخاصة ما قدمه له السيد نيجيرفان البارزاني لا يوصف ولا يمكن نسيانه.
فالفيدرالية تعني الاتحاد، وما حصل في السنوات الماضية كانت الفيدرالية حبرا على ورق، ولهذا لا بد أن نفكر بنظام آخر أفضل للأمتين، العربية والكردية، ألا وهو نظام الكونفدرالية، وهو نظام دولتين منفصلتين متعاونين، وقد تم تطبيق هذا النظام بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية في 14 شباط سنة 1958، وهو نظام عالمي معروف، فإذا ما وافقت بغداد، فخير للشعبين العربي والكوردي، وإذا لم توافق أعتقد أن الحل الأنجع هو الاستقلال وكفى الله المؤمين القتال.
والذي أريد أن أصل إليه أن سنة العراق هم الذين هدموا مستقبلهم، وهم يتحملون مسؤولية ما وصل إليه حال طائفتهم، فلم يشاركوا في العملية السياسية بقوة في بداية الأمر أي بعد سقوط البعث، ولا رضوا بفكرة الفيدرالية، ولا بالإقليم السني، حتى استطاع الشيعة أن يحولوا العراق إلى دولة دينية مذهبية وفق صياغة المرجعيات الدينية سواء المرجعيات الناطقة(العربية العراقية) أو الرمجعيات الصامتة( غير العربية)، وتشكلت قناعة كلية أن الشيعة هم الأغلبية في العراق، ولذلك لا بد أن يحكموا العراق إلى الأبد، مع أن بعض الأكاديميين يرفضون هذه الفكرة، في كون الشيعة هم الأغلببة، ومن هؤلاء الأكاديمي الشيعي محمد جواد علي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد، حيث يرى أن السنة هم الأغلبية في العراق، وهذا هو رأي الدكتور مازن الرمضاني أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، ولا شك أنه ليست هناك دراسة إحصائية دقيقة حول نسبة الطائفتين، ولكن منذ سقوط نظام صدام، هرب كثير من السنة، وتركوا العراق، وكان هناك برنامج منظم لإخراج السنة في كثير من المناطق، وخاصة في العاصمة، مما قلل نسبة السنة في العراق، وأتصور أن الشيعة لم يأخذوا درسا من نظام صدام، بل كرروا أخطاءه ولجأوا إلى الأسلوب نفسه، فصدام كان يلجأ إلى سياسية التبعيث بحق الشيعة، والتعريب بحق الكورد، والشيعة الآن يلجأون إلى سياسة التشيع بحق السنة والكورد معا، وهذه السياسية خطيرة للغاية، وهي ربما ستكون سببا في انهيارهم السريع، وسقوطهم المريع، ولقد أصبحت على قناعة أن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بهذه التصورات الدينية التي نادوا بها، والأفكار المذهبية التي نشروها، والطروحات السياسية التي قدموها أوصلوا البلد إلى هذه الهاوية، والبلد مقبل على التقسيم لا محالة، فلا السني مقتنع بما يقدمه الشيعي، ولا الشيعي يثق بالسني، ولا الكوردي مقتنع بما يقدمه كلاهما، أعني الشيعي والسني، ولن يوحد هذا البلد، ولن ينقذه إلا بالتخلي عن هذه الطروحات الأيدولوجية الدينية، والدعوة إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، بعيدا عن تدخلات المرجعيات الدينية، والمليشيات الطائفية، والتدخلات الخارجية، ولكن بات الحديث عن هذا الموضوع من الخيال، فلقد فات الأوان, فنحن الكورد لن نرضى أن نعيش في عراق بالصورة التي نراها الآن، ولست أقصد (كورد المالكي)، فهؤلاء لا قيمة لهم في العقل الجمعي الكردستاني، وإذا رضي السني بالبقاء في هذا العراق، فهو إما أن يكون تبعا لا دور له كسنة المالكي، أو أن يكون ذا قرار مستقل، وهو مستحيل، إلا إذا كان هدف السنة البقاء في العراق من أجل اللجوء إلى الإنقلاب على الشيعة كما كانت عادتهم في تاريخ العراق، فهذا ربما يكتب له النجاح، لأن الانقلابات العسكرية تؤتي ثمارها في العراق، وخاصة في هذه الظروف الغامضة والمعقدة والصعبة، حيث نجد تذمر الشعب وغضبه من الطبقة السياسية الحاكمة.
Top