• Tuesday, 07 May 2024
logo

مشكلة الحشد الشعبي

مشكلة الحشد الشعبي
مشكلة الحشد الشعبي
د.عرفات كرم ستوني
نائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي
____________________________
بعد أن سقطت مدينة الموصل بيد داعش، وأصبح هذا التنظيم الإرهابي يهدد بغداد، ومن بعدها مدينة كربلاء والنجف، عجزت الحكومة العراقية عن الدفاع، وصد هجمات داعش، لذا أطلق السيستاني فتواه الشهيرة بضرورة النفير العام للدفاع عن العتبات المقدسة، لأن مدينة كربلاء والنجف في العقل الشيعي بمثابة الكعبة في العقل السني، والفتوى عندما يطلقها أحد مراجعهم العليا، تعد في المنظمة الفكرية الشيعية أمرا مقدسا يجب تنفيذه، ولذلك وجدنا عدد هائلا من أبناء الطائفة الشيعية تتطوع للدفاع عن العتبات المقدسة، وخير دليل على ذلك أن السيد مقتدى الصدر شكل سرايا السلام من أجل الدفاع عن العتبات المقدسة، ولهذا لما كثر المتطوعون، وتحول إلى حشد كبير، وهو حشد شعبي، عرف بذلك، ولكن في الحقيقة أن السيستاني لم يرد للحشد الشعبي أن يتحول إلى مؤسسة عسكرية رسمية، بل كانت فتواه تقول يجب التطوع في السلك العسكري، لكن بعض القيادات استغلت الفتوى لمصالحها الحزبية والشخصية، فحولوا الحشد إلى مؤسسة رسمية، وبدأ كل قيادي يقدم للحكومة أرقاما خيالية من أجل الحصول على الدعم المالي والعسكري، وفي الوقت نفسه بدأ كل قيادي أو جماعة تهدد الجماعات الأخرى في الطائفة نفسها، ولهذا ظهر ما يسمى بالفضائيين، حيث قال رئيس الوزراء حيدر العبادي في مجلس النواب أنه استطاع بنفسه شخصيا، ومن خلال مراجعة بسيطة لهذا الملف أن يشطب خمسين ألف فضائي، وبعد فترة ظهر الهوائيون، وهكذا تحول الحشد الشعبي إلى وجبة دسمة، كل واحد يقدم أرقاما خيالية، ولذلك أصبح عبأ كبيرا على كاهل الحكومة العراقية، لأن عدد الحشد الشعبي غير واضح، وليس دقيقا، فالعدد الذي قدم للحكومة عدد ضخم غير حقيقي.
لا أشك أن الحشد الشعبي يقاتل بضراوة، ويقدم تضحيات كبيرة، ولكن المشكل أن الحشد الشعبي حشد طائفي تشكل بموجب فتوى شيعية، فهو لم يتشكل من أجل الدفاع عن العراق، بل من أجل الدفاع عن الوجود الشيعي في العراق، لأنه لو كان حشدا وطنيا لما عانى السنة منهم، فكم من جرائم مروعة وقعت في ديالى، مما دفع بالسيد مقتدى الصدر إلى وصفها بالمليشات الوقحة، ونجد تلك الجرائم تقع مرة أخرى في الفلوجة، وأكبر دليل على أنه حشد طائفي شيعي صرف، تلك الشعارات الطائفية والأعلام والرايات الطائفية، والأسماء الطائفية، فالأعلام الطائفية أكثر من الأعلام العراقية، بل تجد تلك الأعلام الطائفية مليئة في بغداد والجنوب، وهي ترفرف على دوائر الدولة.
والحقيقة أن استمرار الحشد الشعبي على هذا النمط الطائفي سيؤجج الصراع الشيعي السني، وهو عامل مهم في تقوية داعش، ولربما يدفع السنة إلى الوقوف مع داعش، والدخول في حرب مفتوحة مع الحشد الشعبي، وهذا كله سيجعل مدينة الموصل صعبة التحرير من براثن داعش، ولعل مما يزيد الصراع بشدة وجود قائد فيلق القدس قاسم سليماني في جبهات القتال في الفلوجة، وإن كان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري أكد أنه مستشار عسكري رسمي لها، لكن هذا التبرير لا يقنع العقل الجمعي السني، فهو ينظر إليه من بعد تاريخي ومذهبي، وهذا ما أثار حفيظة دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، حيث صرح وزير خارجيتها عادل الجبير، أن وجود قاسم سليماني المطلوب دوليا في قائمة الإرهاب في العراق مرفوض وسلبي جدا، ونجد في الوقت نفسه أن بعض المليشيات الشيعية ترفع العلم الإيراني بدل العلم العراقي، وترفع صورة الخميني والخامنئي بدل رفع صورة قادتها، ولذلك أتصور أن العملية ستتعقد أكثر، وأن الصراع سيتأجج أشد، ولا حل إلا بالتعويل على مؤسسات الدولة الشرعية، وكل حراك عسكري، أو قوة عسكرية، أو جماعة عسكرية مسلحة خارج إطار الدولة تعد قوة غير قانونية ولا دستورية، لذلك لا يمكن للشعب أن يعتمد عليها، ولهذا نجد الفوضوى في بغداد والمدن الأخرى في الجنوب، ونجد في بعض الأحيان في بغداد أن منطقة ما لا وجود للدولة فيها، بل فيها مليشيات تتحكم فيها في وضح النهار جهارا.
والأمر المضحك والمبكي في الوقت نفسه دعوة الحكومة العراقية إلى سحب القوات التركية، ورفض مشاركتها في تحرير الموصل، وقد صرح المالكي في الآنة الأخيرة رفضه القاطع للوجود التركي، ورفضه القاطع مشاركة تركيا في تحرير الموصل، السؤال الذي يطرح نفسه، ما الفرق بين إيران وتركيا إذا كان الأمر متعلقا بالتدخل الخارجي، وبالسيادة العراقية؟ لماذا يسمح لإيران بالتدخل السافر في جميع شؤون العراق من ألفه إلى ياءه، ولا يسمح لتركيا بمساعدة العراق في حربه ضد داعش، مع أني شخصيا ضد أي تدخل خارجي إذا لم يكن بالتنيسق مع العراق.
من حق السنة اعتراضهم على مشاركة الحشد الشعبي في تحرير مناطقهم، لأن مدينة ديالى والأنبار أصبحت خرابا بسبب مشاركة الحشد الشعبي، وها نحن الآن نجد الكارثة الحقيقية في الفلوجة، ومعلوم أن مدينة الفلوجة في نظر الحشد الشعبي مصدر الإرهاب، سماها المالكي برأس الأفعي، وشبهها قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق بغدة سرطانية يجب اجتثاثها، وبعض النواب الشيعة طالبوا بمسحها من خريطة العراق، وسماها بعض قادة الحشد الشعبي بالمدينة العاهرة، بسبب ما عرف عند تنظيم داعش الإرهابي بجهاد النكاح، دعنا نسأل أنفسنا، كيف سيكون موقف الحشد الشعبي عندما يدخلون غدا مدينة الفلوجة، بكل تأكيد ستقع المجزرة الحقيقية بحق السنة، ولقد رأينا جرائم بشعة وهم في طريقهم إلى مدينة الفلوجة، فكيف إذا دخلوا مركزها، لذلك لا دور حقيقيا للجيش العراقي، ولا قيمة له أمام الحشد الشعبي، ووزير الدفاع العراقي الدكتور خالد العبيدي الذي هو من الطائفة السنية لا حول له ولا قوة، بل همه وغمه الأول والأخير أن يبقى له هذا المنصب، وأكثر السنة المشاركين في العملية السياسية لا هم لهم إلا مناصبهم، ابتداء من الدكتور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي، وانتهاء برئيس الوقف السني الدكتور عبد اللطيف الهميم، وبعض السنة ولائهم لإيران من أجل مصالهم الشخصية، وهم الذين يعرفون بسنة المالكي، ومن أشهر هؤلاء وفيق السامرائي الذي باع دينه ودنياه ووطنه وأخلاقه من أجل تحقيق مصلحة شخصية ضيقة جدا، والبعض الآخر وهم قلة في داخل العراق يحملون هم طائفتهم، ويقفون بكل جرأة وشجاعة ضد من يريد معاداة واستهداف السنة في العراق، وأكثر الذين يحملون هذا الهم يعيشون خارج العراق خوفا من بطش الحكومة العراقية، وعليه، فإن السنة في العراق وخاصة في الفلوجة يعيشون في كارثة حقيقية، ووفق تقديرات الأمم المتحدة كما ذكر (أسترون إستيفنسون) Struan Stevenson رئيس الجمعية الأوربية لحرية العراق EIFA أن عشرين ألف طفل في الفلوجة محاصرون سيستخدمهم داعش دروعا بشرية، ويزداد الخوف بدخول الحشد الشعبي لأنهم قد يتعرضون للتعذيب والقتل، لذا فهم بين نارين، نار داعش ونار الحشد الشعبي، وتتكون قوات الحشد الشعبي التي تنوي تحرير مدينة الفلوجة من سبع عشرة منظمة أبرزها منظمة بدر وهي ستة آلاف مقاتل، وعصائب أهل الحق خمسة آلاف مقاتل، والكتائب بأربعة آلاف مقاتل، وكتائب الإمام علي ثلاثة آلاف مقاتل.
ودعني أركز على مدينة الموصل آخر معاقل داعش في العراق، بكل تأكيد لا يمكن للحشد الشعبي أن يشارك في تحرير الموصل مع حرصهم الشديد، وهم يتمنون المشاركة لا من أجل تحرير المدينة من داعش بل من أجل الانتقام، ونشر الأيدولجية الدينية الخاصة بهم، وأهل الموصل لن يقبوا بدخول الحشد على الاطلاق، وهم رأوا بأم أعينهم ما حدث في ديالى والأنبار وتكريت وضواحي الفلوجة، وحتى التحالف الدولي لن يسمح بدخول الحشد الشعبي، بل ينبغي للبيشمركة أن لا يشاركوا في تحرير مدينة الموصل إذا شارك الحشد الشعبي، وحتى لا يفهم خطأ، أنا لا أعادي الحشد الشعبي، بل أعادي تلك الممارسات الطائفية، فمشكلة الحشد الشعبي أنه حشد طائفي شيعي محض، فهو قد تأسس على أبعاد تاريخية وأيدولوجية، فلسفته هي كراهية الآخر، وإقصاءه، وكلما ارتفعت نسبة الكراهية كلما تعقد الأمر، ويبلغ الأمر أقصى درجات الخطورة عندما يأتي المنشد الديني في الحسينيات فيلقي بأناشيد حزينة مبكية تحفر صفحات التاريخ المؤلمة، ويستذكر قصص ما حدث في الماضي، فتتحول هذه الجلسات إلى شحن واحتقان وانفجار، فيتصور الجالس في تلك الحسينية أن الذي قتل حسين وضرب أضلع فاطمة هو ذلك السني في المحافظات الغربية، مع أنه لا أحد يتحمل جريمة غيره، وهذه قاعدة أساسية، وأني أقدر توصيات السيستاني ومقتدر الصدر عندما أوصوا الحشد الشعبي بالحفاظ على أخوانهم السنة، ولقد التزم كثير من أفراد الحشد بتلك الوصايا، ولكن المشكلة أن بعض الجرائم القذرة التي ارتكبها بعضهم أسأء لهذا الحشد الذي قدم الكثير من التضحيات.
فيما يخص الكورد وكوردستان، فقد كان موقفهم واضحا من خلال تصريحات رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني، أنه لا مكان للحشد الشعبي في كردستان، فالبيشمركة هم حراس الإقليم بموجب الدستور العراقي، فلا يمكن للحشد الشعبي أن يدخل المناطق الكردستانية، ولقد حاولوا وهددوا، ولكنهم اقتعنوا أن وجودهم خطأ كبير في كردستان، والصراع مع البيشمركة انتحار كبير للحشد الشعبي، لذلك لم يتقدم الحشد الشعبي، ودعني أؤكد كلامي مرة أخرى أن الهدف الأساس الذي يريد أن يحققه الحشد الشعبي هو تصدير المذهبية الدينية إلى الآخرين إما رغبة أو رهبة، وفي العراق الجديد أي بعد سقوط صدام حسين لا يتحقق شيء ولم يتحقق شيء ولن يتحقق شيء من الناحية الدينية إلا بالقوة والإرهاب والقسوة والعنف والتطرف، فلا السني أقنع الشيعي بترك مذهبه، ولا الشيعي أقنع السني بترك مذهبه، وفي النتيجة تحول الصراع إلى حفر ملفات التاريخ للثأر والانتقام، ولا ريب أن الشعب العراقي المسكين لا ناقة له في هذا الصراع ولا جمل، بل إن الساسة هم الذين أفسدوا بين فئات المجتمع العراقي، وهم يتحملون مسؤلية ما وصل إليه الوضع العراقي.
إن تنظيم داعش الإرهابي حرض السنة على كراهية الشيعة، وأنهم روافض وزنادقة وصفويون، وأن قتلهم حلال، وقد ملأوا أسماع الناس بهذه الفتاوى المتطرفة، ولذلك استهدفوا الحسينيات بالمفخخات والأحزمة الناسفة، وفي المقابل وجدنا بعض المليشيات الشيعية تحرض الشيعة على قتل السنة، وأنهم من ابناء عمر وعائشة وعثمان وأبي بكر, وتجدر الأشارة إلى نقطة مهمة، وهي أننا جميعا متفقون على أن تنظيم داعش تنظيم إرهابي لا يمثل الإسلام البتة، وهو عدو خطير يهدد العالم أجمع، ولكن عندما أجد شيخا شيعيا يحرض على ثقافة الكراهية وبغض الآخر، وتقديم أناشيد في الحسينيات تحرض على قتل الكورد، وهي تناقض الدستور العراقي صراحة، ماذا أصنف هذا النوع من الخطاب، كم من أولئك الملالي المتطرفين أفتوا بقتل الكورد في طوزخورماتو، كم من أوئلك الملالي المتشددين هددوا الكورد بالمهدي المنتظر، وأنه عندما يخرج من سامراء سيقاتل الكورد، أليس مثل هذا الخطاب إرهابا حقيقيا؟ كم من أولئك الملالي استهزئوا باللباس الكوردي؟ كم من أولئك الملالي أطلقوا ألفاظا نابية بحق قادة الكورد وخاصة بحق الرئيس البارزاني؟ أليس هذا الخطاب غير الحضاري إرهابا؟ ألم يقل أحد زعماء هذا الحشد الطائفي بعد تحرير مدينة سنجار من إرهابي داعش من قبل قوات البيشمركة أن مدينة سنجار أصبحت محتلة احتلالا أشد تعقيدا من احتلال داعش؟ بمعنى آخر أنه يفضل بقاء مدينة سنجار محتلة بيد داعش لا أن تتحرر من قبل البشمركة.
أخشى ما أخشاه أن تنتهي العلاقة الأخوية بيننا وبين الشيعة، تلك الأخوة التي أسسها العلماء الشيعة القدامى من العراقيين العرب من آل الحكيم وآل الصدر -الذين عرفوا بالمرجعية الناطقة - والبارزاني الخالد، لو كان هؤلاء علماء حقيقيين لما أطلقوا مثل هذه التصريحات والخطابات المؤسفة بحق الكورد، ولو كانوا عراقيين حقيقيين لما هدموا هذه العلاقة الأخوية الطيبة؟, ونجد مثل هذه التصريحات من بعض قادة الحشد الشعبي، وهم بهذا الأسلوب يدمرون ما بناه أجدادنا من أواصر المحبة والاخوة، وهي في تصوري تصريحات طائفية بغيضة لا تصب في مصلحة الأمتين الكردية والعربية في العراق، ولعل هذا كان من جملة الأسباب التي دفعت الشعب الكردي إلى بغض الحشد الشعبي ورفضه وكراهيته.
Top