• Monday, 06 May 2024
logo

مستقبل السنة بعد داعش

مستقبل السنة بعد داعش
أشد الناس تفرقا وتشتتا في العراق هم السنة، لا أحد يعترف بالآخر، لا مرجعية دينية ولا سياسية لهم، لأن المرجعية الدينية لا أساس لها في المذهب السني، بل هي خاصة بالمذهب الشيعي، ولهذا السبب لا يمكن تأسيس مرجعية دينية للسنة، وفيما يخص المرجعية السياسية، فهي من أصعب الأمور، لأنه لا يمكن تأسيس مرجعية سياسية والسنة مشتتون ومتفرقون، ولديهم ولاءاتهم ومرجعياتهم المختلفة، وبسبب تشتت السنة وتفرقهم، وبسبب سياسية بعضهم الطائشة خسروا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودوليا، ولهذا نجدهم مختلفين في العمل السياسي، حيث البعض يحلم بعودة البعث، وهؤلاء انخرطوا بما يسمى جيش الطريقة النقشبندية بقيادة عزت الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وأكثرهم أناس متدينون على الطريقة الصوفية، وبعضهم انضم لكتائب ثورة العشرين، وهم الذين لا تدين عندهم، بل هم من القوميين العرب، وآخرون انضموا للقاعدة في زمن المالكي لمواجهة الجيش العراقي، والتي سموه بالجيش الصفوي الرافضي، وأكثرهم متدينون على الطريقة السلفية الجهادية، والبعض الآخر يعيش في الخارج، ويعمل على تشكيل جبهة معارضة لرفض التغلغل الإيراني والحكومات الموالية له، ومن هؤلاء هيئة علماء المسلمين برئاسة مثنى حارث الضاري نجل الشيخ الراحل حارث الضاري، والمشروع العربي لخميس الخنجر وغيرهم، والبقية انخرطوا في العملية السياسية، وهم أيضا متفرقون يعادي بعضهم بعضا، تجد بعضهم مع التحالف الوطني الشيعي قلبا وقالبا، وهم سنة المالكي والحزب الإسلامي الإخواني، والبعض الآخر في قائمة مستقلة لا حول لها ولا قوة، بل تركز على المحافظة على مصالحها الشخصية والحزبية مثل كتلة العربية للدكتور صالح المطلق، أما القائمة العراقية التي جمعت بين السنة والشيعة من المدنيين، فهي قائمة غير متماسكة، فلعلها تنهار في الانتخابات القادمة، ولهذا تبحث عن شريك وحليف آخر سني، ويحاول بعض قادة السنة تشكيل أحزاب جديدة للإنتخابات القادمة خوفا من الانهيارات المحتملة، خذ مثلا الدكتور أحمد المساري رئيس كتلة اتحاد القوى، حيث شكل حزبا جديا باسم الحق الوطني، وتبعه رئيس مجلس النواب العراقي الدكتور سليم الجبوري حيث شكل حزبا جديدا باسم الوطن، وربما نشهد انشقاقات أخرى، ويبدو لي أن تشكليل الأحزاب والانشقاقات المستمرة ليس من أجل مشروع وطني أو طائفي يخدم طائفتهم، بل هي جميعها في سبيل مكاسب شخصية وحزبية ضيقة، أما القائمة الأقوى في الوسط السني فهي قائمة متحدون برئاسة أسامة النجيفي الموصلاوي، فهي القائمة الوحيدة التي تقف بوجه التحالف الوطني والمشروع الإيراني بجدارة حسب بياناتها، وهي أول قائمة وقفت ضد قانون الحشد الشعبي بقوة، ورفضت مشروع التسوية التاريخية التي أطلقها رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، لكن مشكلة أكثر الأحزاب السنية المشاركة في العملية السياسية هي تورطها في صفقات تجارية من خلال شراء الوزارات وبيعها، فقد بيعت وزارات واشتريت بملايين الدولارت، وهكذا تدار أكثر الوزارات في العراق، يستجوب النائبُ الوزيرَ، ثم يتنازل النائب عن الاستجواب مقابل مبلغ خيالي يدفعه الوزير، كل ذلك بإشراف وعلم الأحزاب التي ينتمي إليها المستجوِب والمستجوَب أي النائب والوزير، لأن للأحزاب أيضا حصتها من هذه الصفقات، ثم يستمر الوزير في عمله، لذلك لو تحدثت عما يجري وراء الكواليس من فساد وهدر للمال العام وصفقات مشبوهة لخرجت عن الموضوع، والذي أريد أن أصل إليه أن الفساد والصفقات المشبوهة من خلال بيع المناصب وشراءها أصبح أمرا واضحا يعلمه القاصي والداني، فهذه الحالة هي من أهم الأسباب التي جعلت أكثر الأحزاب السنية مستمرة في الانحراط في العملية السياسية، لكونها استفادت كثيرا، وهي ليست مقتنعة بهذه الحكومة، لأنهم يرونها حكومة طائفية بحتة في قرارة أنفسهم، ولكنهم لا يجهرون بذلك، ربما نجد تصريحات تشير إلى ذلك من هنا وهناك، لكنها تختفي بصورة هادئة، فأكثر السنة يرون الانخراط في العملية السياسية فرصة لهم ربما لن تتكرر مرة أخرى.
استغل المالكي انسحاب أمريكا سنة 2011 للسيطرة على كل شيء، وإقصاء كل من يعارض سياسته الطائفية، ولهذا تشتت السنة في عهده، وخاصة سنة 2012 حيث ظهرت الاعتصمامات والمظاهرات العنيفة في الأنبار، وتم رفع شعارات تهدد الحكومة العراقية ورئيسها المالكي، واستمرت لمدة عام بقيادة رافع العيساوي القيادي السني القوي المعروف، لكن مرة أخرى تشتت السنة واختلافهم فيما بينهم على مسائل تافهة، وعدم الاتفاق على خطة استراتيجية، جعلتهم في مهب الريح، خذ مثلا محافظ الأنبار يصدر مذكرة قبض بحق أحمد أبو ريشة رئيس مجلس صحوات العراق آنذاك وهو من أبناء طائفته، بتهمة الإرهاب، مع أنه كان يقاتل إرهابي القاعدة وقد قتل أخوه في المعركة، كل ذلك في سبيل إرضاء حكومة بغداد برئاسة نوري المالكي، مما دفع المالكي لاستغلال هذه الاختلافات لصالحه، ومن هنا ظهر مصطلح سنة المالكي، واليوم نجد محاولات المالكي الحثيثة لاستغلال الاختلافات الكوردية لصالحه، وقد فعل، ولعلنا نشهد في القريب العاجل مصطلحا جديدا في الساحة السياسية العراقية وهو أكراد المالكي، لأنه يحاول أن يعود إلى المشهد السياسي، ولا شك أن عودته ستكون نهاية للعراق الموحد، ولربما نشهد حربا داخلية شيعية شيعية في جنوب العراق، وعندما زار المالكي الولايات المتحدة الأمريكية قال له الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنبرة حادة: أصلح بينك وبين شركائك، فأجاب المالكي: أريد أن أساعدكم في قضية سوريا وإيران، فرد عليه أوباما مرة أخرى: أصلح بينك وبين شركائك، وعندما عاد المالكي لم يكتف بإفساد العلاقة السنية الشيعية بل أضاف إلى ذلك إفساد العلاقة الشيعية الكوردية حيث قام بقطع الموازنة، وحاول الحصول على طارئرات F16 لضرب كوردستان، ولهذا لم يستمع لنصيحة أوباما، فخرج من المشهد السياسي بطريقة مهينة ومخزية، ولن يكون موقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب من المالكي جيدا، لأن المالكي وفق تحليلات الخبراء الأمريكيين قوض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتصريحات المالكي الأخيرة في طهران تؤكد ذلك.
ينبغي عدم الاستهانة بالقوى السنية التي لها الخبرة في مجالات السياسية والحرب والدبلوماسية والإدارة نتيجة خبرتهم الطويلة في الحكومات السابقة، والأهم من ذلك الحالة النفسية القوية التي ورثوها في السابق، ولو أن الطبقة السياسية الشيعية في العراق أحسنوا التعامل مع الملف السني لما وصلت الحالة السياسية إلى هذه المرحلة الحرجة، فأول ما قام به الساسة الشيعة الانتقام منهم، وتشريع قانون اجتثاث البعث، وقانون المساءلة والعدالة، وحل الجيش العراقي، في النهاية وجدنا أن هذه القوانين شرعت من أجل الانتقام من السنة، وقد حصل ذلك فعلا، ولهذا نجد أغلبية السنة يعيشون في الخارج، ولعل أفضل مثال لتوضيح هذ الحقيقة هو قصة الجيش العراقي الذي تم حله، إذا كان الجيش العراقي السابق تم تسييسه من قبل السنة، فقد تم الآن أدلجته من قبل الشيعة، وأدلجة الجيش أخطر من تسييسه، لأن الأدلجة فيها بعد ديني، بينما التسييس لا بعد دينيا فيها، وبسبب هذه الأدلجة الدينية نجد المليشيات المسلحة الدينية التي ترفع الشعارات الطائفية، والأدهى من ذلك نجد كبار الضباط في الجيش العراقي الحالي يؤدون القسم في كربلاء وفي مرقد الحسين، ويقدمون الولاء للحسين بدل الوطن، وكأنهم ذاهبون لقتال معاوية ويزيد.
أعتقد أن السنة بعد داعش سيواجهون تحديات عديدة، منها التحديات الداخلية، حيث هناك فجوة كبيرة بين الطبقة السياسية والجماهير السنية، لذلك أتصور أن الجماهير السنية ممتعضة وغاضبة من قادتها الذين لم يقدموا شيئا لهم، ولذلك ربما نجد في الانتخابات القادمة تغييرا كاملا لهذه الوجوه وخاصة سليم الجبوري والمشهداني وأحمد المساري والكربولي والمطلك وأسامة النجيفي وغيرهم، إلا إذا قامت تلك الوجوه باستبدال وجوهها بوجوه أخرى جديدة، وبمسميات مختلفة كما فعل الدكتور أحمد المساري، ولربما نجد نفس الوجوه مرة أخرى في الساحة السياسية، فمن يستطيع أن يحلل طبيعة الشعب العراقي وسايكولوجيته المعقدة؟.
ولعل التحدي الأخطر هو كيفية التعامل مع الحشد الشعبي الذي تم شرعنته من قبل مجلس النواب بقوة، وخاصة في المناطق التي يسكنها الشيعة في الموصل كمدينة تلعفر، والتحدي الآخر هو المشاكل الحدودية مع إقليم كوردستان، لذلك أتصور أن بعض قادة السنة أمثال أسامة النجيفي وخميس الخنجر ورافع العيساوي وغيرهم وخاصة المعارضين للتحالف الوطني سيعملون على تأسيس الأقاليم، مع معارضة سنة المالكي، والدستور العراقي يؤيد ذلك في المادة 119، حيث تقول المادة :"يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقيتن: أولا: طلب ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، ثانيا: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم". لذلك لا يمكن للدولة العراقية أن تعترض دستوريا ولا قانونيا، ومع ذلك فقد رفض المالكي جميع المشاريع المتعلقة بالأقاليم وخاصة مشروع إقليم البصرة، لأنه كان يعشق المركزية، وكان يريد أن يعيد كوردستان إلى المركز بالقوة لكنه فشل، وكانت محاولته هذه من أهم الأسباب في عدم توليه الولاية الثالثة لرئاسة الوزراء، ولهذا سيبقى يحمل هذا الحقد الدفين تجاه كوردستان قادة وشعبا، وخاصة تجاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
لا يمكن أن يعود العراق إلى مرحلة ما قبل داعش، والجميع يدرك ذلك، ولهذا تم تشريع قانون الحشد الشعبي من قبل التحالف الوطني، وتم تقديم مشروع تكوين الأقاليم من قبل بعض الأحزاب السنية، وتم ترسيم الحدود من قبل الكورد، لأنه من المستحيل أن تنسحب البيشمركة من المناطق التي حرروها بدمائهم، لأنها مناطق كوردستانية بموجب التاريخ والواقع، والمادة الدستورية 140 وضعت من أجل حل مشاكل الحدود، لكن التحالف الوطني وخاصة أشياع حزب الدعوة عطلوا هذه المادة، وافتخروا وتباهوا بتعطيلها، وهذا خرق للدستور، وإذا كان هناك من ينتظر تطبيق مادة 140، فهو يعيش في خيال فسيح، لأن هذه المادة لن تطبق من قبل بغداد إلى يوم القيامة، ولهذا قام البيشركة بتطبقها خير تطبيق بعد أن يأسوا من حكومة بغداد، ولا يعني أن الكورد غير مستعدين لتطبيق هذه المادة، فهم دوما على أتم الاستعداد، لكن هذه المادة معطلة منذ عقد من الزمن، هل يعقل أن تبقى مادة دستورية معطلة لهذه المدة الطويلة؟ كيف يمكن للكورد أن يثقوا بهذه الحكومة التي تعطل الدستور والقوانين؟ وتقطع قوت الشعب الكوردستاني؟ وترفض صرف رواتب الموظفين؟ وتمنع الأسلحة والعتاد عن البيشمركة التي تأتي من الغرب؟ نحن نعيش في بلد لا ثقة بين فرقائه، ولا حب بين شركائه، ولا حوار بين أطرافه، البلد مبني على الاتهامات المتبادلة، والمؤامرات المستمرة، والصراعات العقيمة، والحرب بالوكالة، والصفقات السياسية التجارية، ولهذا فالعراق بطبيعته السياسية والاجتماعية مقبل على تغييرات جوهرية، ولكن الجميع ينتظر مرحلة ما بعد داعش، فالسنة سيدخلون في صراعات سياسية عنيفة، تنتهي تلك الصراعات في صالح المحور المعارض للحكومة، سواء كانوا معارضين سياسيا أو عسكريا، لأن الفصائل السنية المسلحة العديدة المعارضة للحكومة ستعمل على مشروع سني موحد، ومن هذه الفصائل الطريقة النقشبندية وكتائب ثورة العشرين، وثوار عشائر الأنبار والجيش الإسلامي، وستحاول القاعدة بقيادة أيمن الظواهري أن تجد لها قدما في العراق لاحتواء عناصر داعش والقاعدة ومن يرضى بمشروع القاعدة الأصولي الشمولي، وقد استطاعت هذه المجموعات سنة 2014 أن تتوحد باسم المجلس العام لثوار العشائر العراقية، والقصد منها العشائر السنية في الأنبار والموصل والفلوجة وكركوك وديالى وبغداد، وهذه فرصة جيدة لكل سني يعارض الحكومة وعارضها سابقا للانخراط في هذا المشروع السياسي، ولكن التوحيد بين هذه الفصائل السنية أمر مستحيل، لأن بعض المعوقات دينية مذهبية فكرية، وأخرى مجتمعية عشائرية، والبعض الآخر إدارية سياسية شخصانية حزبية، فالتنسيق بين الطريقة النقشبندية والقاعدة في سنة 2014 لم يستمر، لأن القاعدة لا تعترف بأي جماعة إلا إذا انضوت تحت رايتها، ولهذا قامت بتصفية قادة النقشبندية، لأن القاعدة لا تعترف أصلا بالطرق الصوفية، والنقشبندية جزء منها، ولهذا انهار التنسيق بينها، وهناك سؤال محوري حول طبيعة السنة، هو من يتنازل لمن؟ ومن سيقود من؟ إنها ربما مشكلة سايكولوجية، لأنه لا مرجعية دينية ولا سياسية سنية تحكم وتحسم المشكلة، ولهذا تتعدد المرجعيات السنية فأحيانا بعض الدول تتحكم في القضية، ومعلوم أن تحكم الدول مرتبط بمدى تحقق مصالحها الاستراتيجية.
فيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية فهي تتحمل المسؤولية الكبرى، فهي التي أسقطت نظام صدام، وهي التي تركت العراق في فوضى خلاقة بعد انسحابها السريع، وهي التي جاءت بطبقة سياسية تحكم العراق بصورة خاطئة، وهي التي بنت دولة العراق على المحاصصة والتوافقات السياسية، وهي التي أحيت فكرة المكونات والعرقيات والقوميات والديانات والمذاهب، وهي التي سكتت عن قضية تهميش السنة من قبل الشيعة، وهي التي منعت الكورد من الاستقلال، فهذه الإدارة مسؤولة عما وصل إليه العراق، وبلغ العراق مرحلة الحضيض والسفول في جميع المجالات في عهد المالكي وبعلم إدارة الرئيس الأمريكي بارك أوباما، الذي يعد بحق أفشل رئيس في تاريخ أمريكا، حيث أسقط الرجل هيبة أمريكا، وجرأت دولا على التطاول على قراراتها، ولعلنا نجد بصيصا من الأمل في الإدراة الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، فالرجل وإن كان قليل الخبرة في مجال السياسية، لكنه صاحب قرار وجريء، والأهم من ذلك فريقه الإداري الممتاز الذي يشكل إدارة قوية صلبة تناسب طبيعة أمريكا المعروفة، فأتصور في الإدارة الجديدة تغييرا في أمرين، قضية السنة، وقضية الكورد، لأنهما المكونان الأساسيان اللذان خسرا وتضررا كثيرا جراء سياسة بغداد المعادية.
فيما يخص السنة، فهم قادمون بقوة بعد داعش، وذلك لأن داعش سيطر على المشهد السياسي السني بقوة كما فعلت القاعدة سابقا، وهذا القدوم ربما يكمن في التوحيد بين الفصائل السنية المسلحة، وبالتنسيق مع القوى السنية المعارضة لسياسة التحالف الوطني الشيعي، ليس هذا التوحيد عن رغبة وطواعية من السنة أنفسهم، بل أن أمريكا ودول الخليح وخاصة السعودية وتركيا ستحاولان بقوة تحقيق هذا الهدف، لأن تلك الدول لا تريد للمد الشيعي أن يمتد أكثر، حتى لا يكون تهديدا جديا للحدود السنية، وهذا التوحيد ربما سيكون في إطار تشكيل أقاليم سنية للمحافظات الغربية سواء كان ذلك إقليما سنيا واحدا أو أقاليم سنية متعددة، واستحداث محافظات جديدة، كسهل نينوى، وتلعفر، وسنجار.
والغريب أن السنة توصلوا إلى هذه القناعة – تشكيل الأقاليم- بعد فوات الأوان، ولو أنهم شكلوا أقاليم لهم مثل تجربة كوردستان لما وصل بهم الحال إلى هذه الدرجة من التهميش والإقصاء، فلقد كان بعضهم يعد الفيدرالية حراما لكونها تقسيما للعراق، مثل تلك الفتوى الشاذة والمغلوطة التي أفتى بها الشيخ عبد الملك السعدي السني، وقد رددت عليه في مقال خاص، بل قال لنا رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري في جلسة خاصة مع النواب الكورد: كنا نخشى الحديث عن الفيدرالية، وكان أحد قادة السنة الشيخ العجوز عدنان الدليمي من أشد أعداء الفيدالية، ولم يكن يعرف الرجل المسكين أن الفيدرالية كلمة أجنبية تعني الاتحاد، وفي مؤتمر حوار بغداد الأخير برعاية النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي الدكتور همام حمودي قال الدكتور سليم الجبوري في كلمته:" نظام الأقاليم أفضل وسيلة للحفاظ على وحدة البلاد من التقسيم". والحقيقة أن هؤلاء بعدائهم الصارخ للفيدرالية وتشكيل الأقاليم أضروا بطائفتهم، وكانوا سببا في تخلف مناطقهم في جميع المناحي، مما جعل محافظاتهم لا تملك الصلاحيات الكاملة، بل لا بد من العودة إلى الحكومة المركزية، وستبقى هذه المحافظات تعاني من التخلف والفقر والبطالة والتهميش والإقصاء ما لم يعلن قادتها عن تشكيل أقاليم لها صلاحيات واسعة، وما لم يكف قادتها عن الشعارات الزائفة والفارغة، مثل تقسيم العراق، وخاصة بعد مرحلة داعش، لأن الفيدرالية ليست تقسيما للبلد، فالفيدرالية تعني الاتحاد، كما هو الحال في ألمانيا ونمسا وبلجيكا وسويسرا وبريطانيا واستراليا وكندا وأمريكا وماليزيا والهند وباكستان وروسيا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك ونيجيريا والسودان وجنوب السودان واثيوبيا وجزر القمر والإمارات العربية المتحدة.
وأخيرا أدرك قادة السنة ضرورة تشكيل إقليم سني، فقد شارك أبرز قادة السنة وهم صالح المطلك وأسامة النجيفي وظافر العاني وخميس الخنجر وأياد السامرائي ورافع العيساوي وشخصيات أخرى في مؤتمر جنيف الذي سيعقد ما بين 16-17-2-2017 والذي نظمه المعهد الأوربي للسلام في بروكسل، وبمشاركة المجلس الأطلنطي في واشنطن، وذلك للحديث عن مرحلة ما بعد داعش في المحافظات الغربية السنية، وإمكانية تأسيس الإقليم السني، وقد اعتذر بعض الشخصيات السنية عن المشاركة خوفا من غضب التحالف الوطني الشيعي، الذي أبدى سخطه من ذلك المؤتمر، لكونه مشروعا لتقسيم العراق حسب رؤية التحالف الوطني.
وفيما يخص الكورد، فنحن تجاوزنا مرحلة الفيدرالية، وكان قرار تبني الفيدرالية قرارا صائبا، ولو لم نتخذ ذلك القرار لكان حال كوردستان أشبه بحال السنة، ونحن الآن أمام خيارين إما الكونفيدرالية أو الاستقلال الذاتي، ولا شك أن أغلبية الشعب الكوردستاني مع الاستقلال، ولا أتصور أن دولة ما ستعترض على مشروع الاستقلال الكوردي، لأن هذا الاستقلال قرار شعبي، وهو لا يشكل تهديدا لأي دولة، وتجربتنا الإدارية الماضية خلال أكثر من عقدين من الزمن أثبتت صحة ذلك، بل إن استقلال كوردستان سيشكل منطقة آمنة للتعايش السلمي بين الدول المجاورة، ودعما اقتصاديا قويا من خلال الثروات الطبيعية، وقوة عسكرية داعمة لمحاربة الإرهاب وإفشاء السلام والأمن، وثروة ثقافية عالية من خلال التنوع الثقافي والديني والمذهبي والقومي، ثم الأهم من ذلك كله أن كوردستان لن تتحول لساحة الصراعات الإقليمية، ولن يكون طرفا في أي نزاع وتصادم كما صرح بذلك مرارا وتكرارا الرئيس البارزاني.

Top