• Monday, 06 May 2024
logo

حق تقرير المصير والكيل بمكيالين

حق تقرير المصير والكيل بمكيالين
حق تقرير المصير والكيل بمكيالين
الازدواجية وحق الكرد في تقرير مصيرهم
ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي
المعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين مفهوم سياسي، يشير إلى أي مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاما مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى.
والكيل بمكيالين، يمكن وصفها بأنها نوع من التحيز وظالمة لأنها تنتهك مقولة أساسية في الفقه القانوني الحديث : (ان جميع الاطراف يجب أن تقف على قدم المساواة أمام القانون).
والكيل بمكيالين أيضا انتهاكا لمبدأ العدالة المعروفة باسم الحياد، والذي يقوم على أساس افتراض أن نفس المعايير ينبغي أن تطبق على جميع الناس، والتحيز الذاتي على أساس الطبقة الاجتماعية، أو العرق أو الجنس أو الدين أو الجنسية اتجاه الآخر هو شكل من أشكال التمييز.
والكيل بمكيالين، يعني معاملة من نحبهم ونميل إليهم بطريقة ومعاملة من نبغضهم أو نميل عنهم بطريقة أخرى غير متوخين للعدل، وهو قول يشير إلى أن هذا المبدأ مرفوض، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالعدل مع كل الناس وفي كل الأحوال فقال تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا" وقال: "ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا"، وغضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما تشفع لديه أحد أصحابه في امرأة شريفة سرقت وقال: "والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها إن مما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه وإذا سرق فيهم الشريف تركوه" فهذا هو الكيل بمكيالين المنهي عنه.
ومن هذا المنطلق نشأ ت واقعة الكيل بمكيالين، اي ان تهرع لنصرة المظلوم حينما يتطابق فعله مع مصلحتك الخاصة، وتحجم عن ذلك أو حتى تقف مع الظالم عندما يكون الوقوف مع المظلوم متعارض مع مصلحتك الخاصة أو متقاطعا مع استراتيجيتك العامة.
ويكون السلوك المبني على المصلحة الخاصة متعارض مع اسس العدالة واحقاق الحق ونصرة المظلوم.
وفي عالمنا المعاصر نجد الكثير من اولئك الذين يكيلون بمكيالين ، وهم يتحركون على ارض الواقع ويمارسون لعبتهم المفضلة ويزيفون الحقائق ، ويعبثون بالاستحقاقات .
وان اللذين يكيلون بمكيالين هم مخادعون وسيئون ، بيد ان الاسواء منهم هو ذاك الذي يتقبل لعبتهم ويعتبرها لوناً من الوان البراعة والجدارة .
وهنا يجدر بنا ان نسال هذا السؤال لماذا هذه الازدواجية، ولماذا هذا الظلم؟ ألسنا بشراً متساوون ؟! لماذا غالبية العرب والمسلمين ، يؤمنون بحق الشعوب بتقرير مصيرها، وهم يستعملون هذا المبدأ في الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني وقضايا القوميات المقهورة تحت رحمة قوميات اخرى اكبر منها، لكن عندما تناقشهم في حق تقرير المصير للشعب الكردي نراهم ارتبكوا، وتغيرت لهجتهم في النقاش، وصبغت وجوههم بلون التعجب والرغبة في التخوين وغيرها من علامات عدم الرغبة في سماع حق الشعب الكردي بتقرير مصيره وتأسيس دولته المستقلة على تراب أرضه .
لماذا نطالب بتقرير المصير لشعب فلسطين ونؤمن تماما انه حقهم ونستعد للتضحيات من اجل ذلك المبدأ، لكننا بالمقابل ننكر على الشعب الكردي حقه في تقرير مصيره على ارضه؟ فان كان الموقف من الفلسطينيين كونهم مسلمين ، فالكرد ايضا مسلمين فلماذا هذا الموقف منهم وعدم الاعتراف لهم بتقرير المصير؟
إن المتتبع لمجريات الواقع العالمي الراهن يدرك ما للحركات الإثنية من أثار كبيرة على استقرار المجتمعات التي تتواجد فيها، وابرز مثال على ذالك ما حصل ( للاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا)، كما إن دولا أخرى بات الانقسام خطرا يداهمها نتيجة لوجود حركات اثنيه تدعو إلى الانفصال، ومن هذه الدول (سريلانكا والسودان واندونيسيا وإيران وتركيا وسوريا والعراق) .
وتلعب التعددية الإثنية دوراً متعدد الجوانب في الحياة السياسية في الدول المختلفة، وتكشف خبرة الواقع الدولي وما شهده من صراعات إثنية عن أن ثمة إخفاقاً في إدارة النظم السياسية للتعددية الإثنية؛ الأمر الذي يبرر البحث عن أمثل السبل لتلافى تلك الآثار السلبية الناجمة عن سوء إدارة التعددية الإثنية وما تفرزه من تحديات ومشكلات.
ويعتبر مبدأ حق تقرير المصير للشعوب من المبادئ الأساسية في القانون الدولي باعتباره حقا مضمونا لكل الشعوب على أساس المساواة بين الناس ،لذلك كانت هناك صلة قوية ومباشرة بين مفهوم حق تقرير المصير بكل أشكاله، وبين مفهوم حقوق الإنسان كفرد أو جماعة عرقية أو ثقافية من جهة، والديمقراطية في صيغتها القديمة والحديثة من جهة أخرى. وتتضح أهمية هذا الحق كونه يشكل الإطار العام الذي تندرج ضمنه الحقوق الأخرى، فكيف يمكن المطالبة بحقوق الإنسان الخاصة في إطار شعب فاقد لحقه في تقرير مصيره.
وهو حق تاريخي لكل الشعوب والقوميات ويترتب عليه الاختيار الحر بدون أية ضغوط أو تدخل لمنع هذا الحق وخاصة استعمال القوة وإرهاب الدولة الشوفينية المتعصبة للقومية الأكبر تحت طائلة الحجج الرامية لاستمرار الهيمنة والتفرد وإلغاء حق القوميات الأصغر في الحقوق المشروعة المعترف بها دوليا وإنسانياً، لكن هذا المبدأ جابه هجوماً عنيفاً ومنظماً من قبل القوى والأحزاب القومية التي مارست وتمارس سياسة إلغاء الآخر في محاولة لصهر القوميات لصالح القومية الأكبر ومنعها من الاختيار الحر لنوع النظام الذي تهدف تحقيقه، وقد شكلت قضية حق تقرير المصير داخلياً في الدول العربية هاجساً مستمراً للقوى القومية العربية التي ترى فيه عدواً لها باعتباره يتناقض مع مفهومها في الاندماج ألقسري، وتفسيره بالانفصال المعادي لوحدة الشعب ومن جهة ثانية وإثناء استعمار البلدان العربية
اعتمدت على المطالبة بالاستقلال وإقامة الدولة الوطنية وتحقيق الاستقلال الوطني.
واقترن حق تقرير المصير ، منذ القرن السابع عشر بتعبير حرية الإرادة ، حيث عرفه معظم المفكرين على انه حق الشعب في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله أو السيادة التي يريد الانتماء إليها.
ان الاكراد يعانون من الظلم والتشرد والابادة الجماعية وطمس الهوية منذ ان قسم الاستعمار البريطاني ترابهم بين خمس دول .
فالاكراد في تركيا يعاني من سياسة الحكومة التركية التي لا تعترف بهم ولابلغتهم وهويتهم ويقول (تورجوت اوزال) "إن الحكومة التركية حكومة قومية ذات نظرية وبعد قومي، تهدف إلى حماية إستقلال الأمة ووحدتها ولا تسمح بتجزئتها مطلقا".
أكراد إيران ليسوا بأفضل حال من أكراد تركيا . ويصرح مسؤل ايراني "لاتوجد لدينا ما تسمى بمشكلة كردية"! في الوقت الذي كانت فيه السجون الإيرانية مكتظة بالاكراد الثوريين وبعض المثقفين الذين طالبوا بإعتماد اللغة الكردية فقط (وهو مطلب عادل وسهل). ومساجين آخرين سجنوا بسبب إرتدائهم الزي الكردي فقط .
اما في العراق حدث ولاحرج فقد قتل الالاف واستخدمت بحقهم الاسلحة الكيمياوية ودمرت الاف القرى لالشئ سوى لانهم طالبو بحقوقهم القومية .
اما اكراد سوريا فقد جردو من كل شئ حتى من الجنسية واعتبرهم النظام لاجئون وهم في وطنهم وطالب الأكراد السوريين كنظائرهم بحقوقهم القومية لكنها لم تجد صدى لدى الحكومة السورية ولا دعما كذلك من الشرعية الدولية.
وما يثير الحيرة هو صمت العالم تجاه ما يتعرض له الكورد من ظلم . حتى بات يعرف عند الاكراد ان ليس للكردي صديق سوى الجبل يحتمي به من ظلم الظالمين .

ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي
لندن
[email protected]
Top