• Monday, 06 May 2024
logo

العراق.. فشلت التوافقية لنجرّب حكومة الأغلبية

العراق.. فشلت التوافقية لنجرّب حكومة الأغلبية

اياد العنبر

 

في التجارب الديمقراطية يكون الرهان أولاً وأخيراً على تقادم العمل بالآليات والسبل الديمقراطية، ولذلك يبقى الرهان الوحيد على عامل الزمن في أن تتحول الديمقراطية من نموذجها الهش والمشوه على مستوى التطبيقات والممارسات إلى نموذجها الناضج الذي ينعكس على العمل المؤسساتي والثقافي.

لذلك لا يمكن للديمقراطية أن تصحح مسارها إلا بالديمقراطية ولا يمكن التفكير بالحلول من خارج النظام الديمقراطي أو النكوص على تجربته، حتى وإن كان الثمن أعمار أجيال وأجيال من الشعوب

ولو ناقشنا الموضوع خارج دائرة الأمنيات التي تتمنّى ما يجب أن يكون، إلى دائرة الواقع ومناقشة ما هو قائم فعلاً، فاعتقد أن مجرد السير بخطوة واحدة نحو حكومة أغلبية هو بداية لِكسر بنية المنظومة السياسية التي تأسس عليها نظام الحكم في العراق منذ 2003. فالتحالفات الهشّة التي كانت تنحصر وظيفتها في التوافق نحو تشكيل الحكومات، وتجتمع لِغاية واحدة فقط، وهي تقاسم المناصب العليا وتوزيع الوزارات بين أحزاب السلطة الحاكمة، طوال التجربة الماضية لم تستمر طويلاً، فهي تمثل فترة هدنة لحين تمرير الحكومة، ويعود الخصوم السياسيين فيما بعد إلى الاختلاف والتناحر والتسقيط السياسي داخل البرلمان وخارجه.

وقد يبدو التوجه نحو حكومة الأغلبية بدأ يتحوّل مِن خطابات وبرنامج انتخابي إلى واقع سياسي، بعد أن اتّضحت أولى ملامحه في تمرير رئاسة مجلس النواب في الجلسة الأولى من دورته الخامسة. وحتى كتابة هذا المقال، لا يزال السيد مقتدى الصدر مشتبثاً بقرار تشكيل حكومة الأغلبية، وغير ملتفت للأصوات التي تعلوا من الفرقاء السياسيين الشيعة التي أخذت تتعالى بالنواح والصراخ والتحذير من تفكك "البيت الشيعي".

لم تعد حكومة الأغلبية خياراً تفضيلياً، سواء تحققت في هذه الدورة البرلمانية أو تعثّر مشروعها. فالخلاف والتناحر بين الفرقاء السياسيين لم يعد مِن الممكن أن يحتويه العمل ضمن عنوان بيوتات المكونات الطائفية والقومية. الفرقاء السنة، وإن اتفق أغلبيتهم على ترشيح محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان، لكنّ الاتفاق على تقاسم المناصب بين عزم وتقدّم لا يلغي واقع التنافس بينهما على زعامة البيت السياسي السني، وهناك أطراف أخرى لم تدخل في ذلك الاتفاق، قد يكون لها موقف بأرجحية كفة ميزان الزعامة لصالح طرف على حساب طرف آخر.

ولم يعد منصب رئيس الجمهورية قادراً على احتواء وترحيل الصراعات خارج حدود إقليم كوردستان بين الأقطاب الكوردية المتصارعة داخل الإقليم. ولا يمكن أن يقبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني بتكرار عدم تمرير مرشحه لِلمنصب الدكتور فؤاد حسين كما حصل في 2018 عندما فضَّل الفرقاء الشيعة تمرير الدكتور برهم صالح لرئاسة الجمهورية. الذي اعتبره بارزاني كسر لإرادته واتفاقه ولن يسمح بتكراره في 2022.

لذلك ربما يكون الرهان على تنامي الصراعات والخلافات داخل الفرقاء السياسيين هو العامل الحاسم في ثبيت واقع حكومة الأغلبية، فالتنافس وعدم الاتفاق بين الحزبَين الكورديين الرئيسين بشأن منصب رئيس الجمهورية سيكون المحطة الثانية في الذهاب نحو حكومة الأغلبية. بعد أن كانت المحطة الأولى تمرير رئاسة البرلمان بالاتفاق بين الصدريين والحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحالف عزم-تقدّم.

المعضلة الحقيقة عند الفرقاء السياسيين الشيعة، هي أن القوى التي تجتمع تحت عنوان الإطار التنسيقي لا تزال ترفض فكرة تشكيل حكومة أغلبية، فهي على خلاف ما تروّج وتتحدث عنه بحق المكون الشيعي وعدم ملائمة الأجواء السياسية لتشكيل حكومة أغلبية، تتخوّف من استئثار الصدريين بتشكيل الحكومة، فضلاً عن تخوفها الأكبر من أن تُجبر على الذهاب نحو المعارضة.

ويبدو أن المعضلة الرئيسة التي تواجه حكومة الأغلبية تكمن في محاولات الإبقاء على نمط التفكير الذي يرى أن المنظومة الحاكمة يجب أن تبقى تُدار وفق منطق تقاسم السلطة بين اللاعبين السياسيين الكبار بعيداً عن نتائج الانتخابات، وزعماء الطبقة السياسية يجب أن يتشاركوا في مغانم السلطة من دون أن يتحملوا المسؤولية أمام جمهورهم.

يجب أن لا نستغرب من الاعتراض على الذهاب نحو تشكيل حكومة الأغلبية، لأنها في حسابات سياسيي الصدفة ومراهقي السياسية تعني مواجهة واضحة مع الجمهور الذي تعوَّد على استغفاله! فحكومة الأغلبية إذا نجحت في تحقيق منجز واحد فقط يتمثل في إيقاف تداعيات الخراب وفوضى السلاح المنفلت، فستكون فاضحة لِلقوى التي أصرَّت على التوافق في تقاسم مغانم السلطة. ومن ثمَّ، ستكون بمثابة إصدار شهادة موت لِتلك القوى التي كانت شريكة في الفوضى والخراب وتتبرأ من شراكتها بعنوان التوافقية في الحكم.

مَن تَعوّدَ على الوصول إلى السلطة من خلال المتاجرة بشعار الدفاع عن حقوق المكوّن، لا يريد أن يعترف أن هذا الشعار بات منتهي الصلاحية في ظلّ تراكم الفساد والفشل والفوضى، ولا يريد تغيير ذلك الخطاب المستهلك؛ لأنّه لا يريد أن يتعب نفسه بالتفكير بخطاب جديد يتحايل فيه على الجمهور الذي تعوّد على مصادرة حقّه في اختيار مَن يمثله من خلال قانون انتخابي يعبّر عن ملامح واضحة لتزوير إرادة الناخبين وتبقى هيمنة الزعماء السياسيين.

إنَّ تجاوز الأخطاء أفضل من الإصرار على إعادة تكرارها، لذلك لم يبقَ لدى الفرقاء السياسيين مِن خيار إلا تغيير نمط الحكم الذي فشل في كسب ثقة الجمهور، وفشل في تحقيق منجز سياسي أو اقتصادي وحتّى خدمي يمكنهم المفاخرة به. ومن ثمَّ، تشكيل توافق على حكومةِ الأغلبية -وإن كانت مِن دون مشروع سياسي- هو أفضل بكثير من تحالفات هشّة تنتج حكومات توافقية ضعيفة تكون مهمّتها إدارة الصفقات وتوزيع ريع الدولة بين مافيات السياسية، فضلاً عن أفضليتها من حكومات تنتجها ثنائيات التوافق بين النفوذ السياسي ونفوذ السلاح المنفلت التي تنعكس على فقدان هيبة الدولة وسيادتها.

 

 

باسنيوز

Top