• Monday, 29 April 2024
logo

كوردستان .. القيادة .. الرؤية .. والإنجاز

كوردستان  .. القيادة  .. الرؤية ..  والإنجاز
إن إنجازات إقليم كوردستان، في غضون هذه المرحلة التاريخية، تعتمد على معطيات أرض المعركة ضد أشرس قوة إرهابية – داعش– ، ومعطيات الإنجازات السياسية المتحققة ضمن العملية السياسية والديمقراطية داخل الاقليم، وعلى تبلور المكانة والدور الإقليمي والدولي لإقليمنا العزيز.
حيث يمر الشرق الاوسط بعملية إعادة هيكلة ورسم خارطة جديدة للمنطقة، وبالتالي، فإن من اهم سمات هذه المرحلة أنها مرحلة تَحّول تشهد تغيرات جذرية ومتسارعة، قد لا تستطيع ان تفسرها نظريات وبديهيات العمل السياسي والدولي المتعارف عليها بالنسبة للشرق الأوسط.
وفي خِضِم مجموعة من التناقضات والتعقيدات السياسية الاقليمية والدولية، تأتي أهمية الإدارة الحكيمة ذات الرؤية المستقبلية البناءة لمصالح إقليم وشعب كوردستان، بحيث تولّد مصالح كبيرة وتقلل خسائر متوقعة، وتخرج في نهاية عملية التحوّل هذه بنتائج وإنجازات على أرض الواقع أكبر مما تحقق في المرحلة السابقة، ويأتي في مقدمة ذلك كله، الحفاظ على أمن وسلامة واستقرار إقليم كوردستان وتبلورِ كوردستانٍ حرٍ ومستقلْ.
أي أننا كلما ولّدنا إنجازات على ارض الواقع سواء كان ذلك على ارض العمل العسكري، او الاقتصادي، او السياسي، كلما ولّدنا اوراق ضغط سياسي جديدة على المستوى الدولي سيكون لها الاثر الاكبر في تبلورِ استقلالنا.
وفي معرض قراءة شاملة لما تحقق لإقليم كوردستان من إنجازات سياسية واقتصادية ودولية على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، نجد ان السنتين الأخيرتين كانتا مليئتين بخطوات وانجازات اختصرت في نتائجها عقوداً طويلة من التضحية قدم فيها شعبنا قطارا من الشهداء لازال يعطر ارض كوردستان بدماء شبابنا الزكية.
الاستقرار السياسي والاستقلال الاقتصادي
فعلى الصعيد الداخلي، نجد ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني قد أستوعب مسؤوليته التاريخية وتحرك بخطوات كبيرة مبنية على قراءة دقيقة لخصائص المرحلة الحالية، فتعامل مع نتائج انتخابات 2013 من منطلق حزب يؤسس لدولة كوردستان، وليس من منطلق حزبيٍ ضيق يدور في إطار إقليم محلي.
لذلك، جاء قرار قيادة الحزب بضرورة المضي بمفاوضات شاقة ومضنية استمرت لأكثر من تسعة أشهر لضمان ان تضم الكابينة الحكومية الجديدة أطياف الساحة السياسية الكوردستانیة ، ولو جاء ذلك على حساب الاستحقاقات الانتخابية للحزب.
فنجح الحزب في تشكيل حكومة توافقية ذات قاعدة سياسية عريضة، وحقق الخطوة الأولى في رؤيته بأهمية ان يستمر الاستقرار السياسي وتتبلور العملية الديمقراطية بشكل أكبر على الساحة السياسية الداخلية.
اما على الصعيد الاقتصادي، فإننا نجد وعلى الرغم من الازمة المالية التي اصطنعتها حكومة بغداد في معرض سعيها الحثيث لإيقاف عجلة النمو والتقدم الكوردي فإننا حققنا الكثير من المنجزات الحقيقة على صعيد تحقيق الاستقلال الاقتصادي لشعبنا، والذي يعتبر من اهم المرتكزات العملية لبناء الاستقلال السياسي.
فقد ارسينا اللبنة الأولى على طريق الاعتراف الدولي بحق إقليم كوردستان القانوني لتصدير النفط. وعلى الرغم من أننا لازلنا ندير هذه المعركة الاقتصادية، ولازال هناك الكثير امامنا الا ان الخطوات التي تحققت على مدى السنتين الماضيتين هي خطوات كبيرة ورصينة على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي لتصدير مليون برميل مع نهاية 2015 والتوصل الى مليوني برميل مع نهاية 2019.
وهكذا جاء الإنجاز الأخير في مجال تصدير النفط كأولى ثمار تحقيق الاستقلال الاقتصادي، حيث قد وصلت صادرات الإقليم في نيسان 2015 (حسب اخر تقرير لوزارة الموارد الطبيعية) الى ما يقارب (560،000) برميل في اليوم من جميع حقول كوردستان بما فيها كركوك، حيث تم تصدير كامل الإنتاج عبر أنبوب النفط الكوردي المرتبط بميناء جيهان التركي.

الدور الإقليمي والمكانة الدولية
اما على الصعيد الإقليمي والدولي، فان دور الرئيس مسعود البارزاني في ترسيخ مكانة دولية مرموقة ودوراً إقليميا فعالا لإقليم كوردستان اصبح من مسلمات الواقع الكوردي من خلال تبلور مشهد رصين يشهد له القاصي والداني.
لقد أرسى الرئيس بارزاني أسس ودعائم سياسة خارجية كوردستانیة مبنية على مبادئ ناضل من اجلها شعبنا على مر سنوات وعقود من التضحيات الجسام.
فجاءت زياراته المكوكية والمتكررة الى الدول الإقليمية، وفي مقدمتها الأردن ولقاءه الرسمي مع الملك الأردني في اطار اعتراف واستقبال رسمي لسيادته، ودول اخرى مثل الكويت، تركيا، كتعبير عن مدى نجاح الرئيس بارزاني في ابراز وتقدم ملف الدور الكوردي في المنطقة.
ان الرئيس بارزاني ومن خلال نجاحه الكبير في التعبير الدقيق عن المطالب المشروعة لشعبنا الكوردي، وفي التزامه الذي لا يستكين بمبادئ حرية واستقلال وحق شعبنا في تقرير مصيره، ابرز إقليم كوردستان الى المحور الإقليمي، واستطاع ان يتوصل الى تفاهمات إقليمية استراتيجية مع اهم دول المنطقة.
فكانت رمزيته، وسنوات نضاله الطويلة، وحنكته السياسية ومكانته بين قادة المنطقة عاملاً جذرياً في بناء جسور مهمة مع ملوك ورؤساء المنطقة، تخدم في مجملها اهداف وتطلعات الشعب الكوردي.
اما على الصعيد الدولي، فمن آوربا الى الصين، ومن أمريكا الى روسيا، ومن تركيا الى الخليج، وضع الرئيس بارزاني قضية الشعب الكوردي على طاولة النقاشات الجدية في البيت الأبيض، الاتحاد الأوربي، الفاتيكان، المنتدى الدولي في دافوس، مؤتمر ميونخ للأمن العالمي.
لقد اثمرت جهود الرئيس بارزاني الجبارة، وسعيه المتواصل على حث الأطراف الدولية على فهم ابعاد القضية الكوردية، والدفع باتجاه الدعم الكامل لإرادة شعبنا في تقرير مصيره، بأن ينظر المجتمع الدولي، والعالم الديمقراطي الى إقليم كوردستان بنظرة ملئها الاحترام والاعتراف بالدور التاريخي الذي يضطلع به أبناء شعبنا.
وهكذا فقد انجز الرئيس بارزاني، وعلى مدى السنتين الماضيتين، خطوات جبارة على مسار تبلورِ فهمٍ دولي واقليمي لحق شعبنا في تقرير مصيره، وهي إنجازات تاريخية لها ابعاد طويلة الأمد وارست دعائم اعتراف دولي راسخ بحقوق الشعب الكوردي.
معركتنا المصيرية ضد داعش .. معركة استقلال وحرية
وعلى الصعيد العسكري والأمني، فمما لاشك فيه ان إقليم كوردستان يتحمل عبأ عسكرياً وامنياً كبيرين، لم تستطع جيوش دول وبمقدرات جبارة -القوات العراقية - ان تضطلع بها.
فقد استطاعت قوات الپێشمەرگە البطلة ان تحول استراتيجية المعركة من الدفاع الى الهجوم بعد معارك قليلة، وأصبحت انتصارات الپێشمەرگە يتحاكى عنها قادة العالم وتتداولها وسائل الاعلام الغربي بأهمية كبرى. فأصبحت قوات الپێشمەرگە وبحق، قوة ضاربة تدافع عن كوردستان وتقاتل نيابة عن دول العالم الحر والديمقراطي ضد قوى الظلام والإرهاب.
وهنا لابد من الإشارة الى ان حروب تحرير وحماية أراضي كوردستان العزيزة قد افرزت حقيقة واضحة الا وهي ان جميع مكونات المناطق التي تم تحريرها وحمايتها، وخصوصا المكونات المختلفة في الأراضي الكوردستانية التي كانت خارج إدارة الإقليم، قد أدركت تماماً مدى تفاني وبسالة قوات الپێشمەرگە في حمايتهم.
ففي كركوك العزيزة، نجد ان القوات العراقية قد تخلت وخلال سويعات قليلة عن حماية المدينة، ووجد المواطنون، ومن كافة الفئات والمكونات، انفسهم يواجهون اعتى قوة إرهابية نشرت الظلم والدمار والسبي والنهب والقتل في أي مدينة او قرية دخلتها، وهنا بلور دور الپێشمەرگە وصاغ ابطال الكورد وقياداتهم ملاحم كبيرة في الدفاع، والتحرير، والحماية لكركوك بكافة مناطقها، بمؤسساتها الحيوية وبمبانيها التاريخية.
وهكذاـ فقد ترسخت كوردستانية كركوك، ليس من خلال الحقوق التاريخية والاثنية الحقيقية للشعب الكوردي فقط، بل عززتها قوات الپێشمەرگە البطلة من خلال دماء شهدائها الذين ضحوا من اجل حماية كل كركوك بقلعتها، ومكوناتها، ومدنها وقراها. واصبحت مكونات كركوك قبل غيرها تنادي بأهمية وضرورة الانضمام الرسمي الى إدارة إقليم كوردستان، الى إدارة حكومةٍ رصينة، وتحت حماية قوات الپێشمەرگە التي لا تفرط بشبر واحد من كركوك ولا تستثني احداً من الحماية والخدمة.
وفي هذا الاطار وفي معرض دراسة واقع الدعم الدولي، وخصوصا في مجال التسليح والتدريب ومن خلال الجهود الحثيثة التي یقودها الرئيس بارزاني، فان دولاً كبرى مثل المانيا وفرنسا، تقوم بخطوات فعالة في هذا المجال، واصبح التعاون الاستراتيجي العسكري والميداني سمة واضحة تساهم وبشكل كبير في تطوير قوات الپێشمەرگە، ولها ابعاد مستقبلية مهمة جدا.
وفي معرض تحليلنا للموقف الأمريكي، وخصوصا التصويت الأخير في مجلس الشيوخ حول التسليح المباشر لقوات الپێشمەرگە، فلابد من التوضيح ان هذا الموقف الأمريكي محكوم بإرادة سياسية اكثر من الإرادة القانونية.
حيث جاء تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية لصالح تسليح الپێشمەرگە مباشرةً وذلك بــ (54) صوتاً مقابل (45) ضده، لكن وحسب قوانين مجلس الشيوخ الأمريكي يجب الحصول على (60) صوتاً ليسن القانون، وبالتالي نستطيع القول انه وبالرغم من عدم تمرير القانون، الا ان اغلبية مجلس الشيوخ الأمريكي يقفون الى جانب قوات الپێشمەرگە.
كما نود اقتراح، ومن خلال هذا المقال، العمل وبشكل مكثف مع الإدارة الامريكية لتفعيل القرار رقم (1208) لسنة 2004، والذي يعطي صلاحية لوزارة الدفاع الامريكية للعمل مع القوات التي تحارب الإرهاب مباشرة دون اللجوء الى الحكومات المركزية. حيث يعتبر هذا القرار بوابة مهمة لقواتنا للحصول على السلاح والتدريب اللازمين دون تعقيدات المرور بموافقة حكومة بغداد.
تحديات المرحلة والعمل السياسي الرصين
كما ذكرنا، فان إقليم كوردستان، بقيادة الرئيس بارزاني الحكيمة، وبالعمل الدؤوب لحكومة إقليم كوردستان، قد استطاع ان يضع اجندة طموحات شعبنا في مرحلة متقدمة وفي مصاف أحد اهم القضايا الدولية والإقليمية التي اصبح المجتمع الدولي يعترف بها ويميز أهمية الاصغاء الى صوت الشعب الكوردي وارادته.
وفي معرض قراءتنا الفاحصة هذه، لابد من ذكر اهم التحديات التي تواجه تحقيق الامل الكوردي الذي بات قاب قوسين او ادنى.
ويأتي ترصين البيت الكوردي الداخلي على رأس أولويات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وعلى رأس التحديات التي تواجه تحقيق المطالب الكوردية في الحرية والاستقلال.
فعلى مدى عقود من الزمن، اتهمنا الأصدقاء والحلفاء واستخدم ذلك الأعداء أيضا، باننا نفتقد الى وحدة الصف السياسي لتحقيق اهدافنا المشروعة، وبأن حلم الدولة الكوردية فشل بسبب التناحر السياسي اللامسؤول.
وعلى الرغم من التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا الكريم، والدماء التي سالت ولاتزال من اجل حماية وحرية كوردستان، الا ان الرؤية الحزبية الضيقة لازالت تقف عائقا كبيرا امام المضي بخطوات أوسع نحو تحقيق امال شعبنا.
فنجد ان العملية السياسية في إقليم كوردستان تتعرض الى هجمة شرسة، تديرها في بعض جوانبها قوى إقليمية، وفي اغلب جوانب الأخرى (وللأسف) اطراف كوردية لا تعي بشكل دقيق أهمية وماهية المرحلة التاريخية التي يمر بها إقليم كوردستان، ولا تريد المشاركة في تحمل أعباء المرحلة الراهنة.
وما السيناريو الأخير الذي قامت به تلك الأطراف في برلمان كوردستان الا موقفاً انتهازيا غير مسؤول في مرحلة تعد من ادق واهم المراحل التي يمر بها شعبنا والتي يؤمل ان تفز نتائج كبيرة على طريق استقلالنا.
نحن في مرحلة تاريخية يجب في اكثر ما نقوم به ان نحافظ على استقلالية القرار الكوردي خصوصاً في القضايا ذات الشأن الداخلي والتي تضع اللبنات الأساسية الأولى لدولة كوردستان – التي هي حلم كل مواطن كوردي و کل مواطن کوردستانی.
وبدلا من ان تتظافر الجهود والإمكانات والزخم السياسي والعسكري باتجاه هذا الهدف السامي، نجد ان بعض القوى السياسية تحاول ارجاع العملية السياسية الى الوراء، وإثارة زوبعات سياسية مزيفة وتحاول ان تطفو على سطح الساحة السياسية على حساب المصالح الاستراتيجية للشعب الكوردي.
ولن ندخل هنا الى تفاصيل الموقف وعدم قانونيته، فقد عبر شعبنا وعبرت مختلف الأحزاب السياسية الأخرى عن سخطها واستنكارها لهذا التصرف الهجين واللامبرر، لكن يكفي ان نقول بان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يكفيه فخراً بانه يمثل إرادة اغلبية الشعب الكوردستانی وعلى مدى عقود من الانتخابات المباشرة والحرة، وانه الحزب الذي يتبنى موقفاً سياسيا مستقلا، مبنيٍ على أساس مبادئ الديمقراطية الرصينة في ان يتم الانتخاب المباشر لرئيس إقليم كوردستان، وان يأخذ الشعب الكوردي دوره وحقه في إعطاء الشرعية لمن يجده اهلاً لتمثيله وقيادته لعبور هذه المرحلة التاريخية المليئة بالتحديات ، هذه المرحلة التي بلورت بجهود المناضلین من أبناء شعبنا الأبی والرئيس البارزاني وإنجازات حكومة كوردستان المهمة والكبيرة، فهماً دوليا جديدا لماهية القضية الكوردية، وترسيخاً اكبر لدور إقليم كوردستان سواء في الشرق الأوسط او على المستوى الدولي.
لذلك نقول، وعلى الرغم من اننا نعي حجم التحديات التي نواجهها مع شعبنا، وحجم المؤامرات الإقليمية التي تحاك للالتفاف على منجزات شعبنا وتضحياته الجِسام، باننا متفائلون ينضج الوعي السياسي لأبناء شعبنا، وواثقون من قدراتنا وطاقات قياداتنا، ومؤمنون بأحقية القضية الكوردستانیە ومطالبنا المشروعة، لذلك فكلنا امل وتفاؤل بغدٍ يكون فيه الاستقلال، وتكون فيه السيادة الكوردستانیە، واقعا وحقيقة. *عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
Top