• Friday, 03 May 2024
logo

العراق بين الانتماء القومي والانتماء الأيدولوجي

العراق بين الانتماء القومي والانتماء الأيدولوجي
في 9/7/2017 في صباح يوم الأحد وليت وجهي شطر النجف عاصمة العالم الشيعي، والتقيت بالسيد مقتدى الصدر، فقلت له: لقد كتبت ثلاث مقالات عنك، ولديك ثلاث خصال تجعل العراقيين محبين لك ومؤيدين لمشروعك الوطني، وهي الصراحة والجرأة والوطنية، ثم بدأ الحوار حول كثير من القضايا المهمة في الساحة العراقية، لعل صراحته تعود الى عنفوان شبابه وقلة خبرته في مجال السياسة، وجرأته تعود الى جمهوره الذي يقدسه، ووطنيته تعود الى قناعته أنه قد حان وقت الاستقلال السياسي، حيث بدأ السيد مقتدى الصدر سنة 2007 بتغيير منهجه السياسي ومشروعه المستقبلي نحو عرقنة القرار السياسي أي جعل القرار السياسي قرارا عراقيا من غير تدخل خارجي، ولأول مرة سمعنا جمهوره يقول لإيران: إيران برة برة، بغداد حرة حرة، ولأول مرة يترحم على الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) بحضور جم غفير من علماء الشيعة في النجف، مع أن هذه من المحرمات في الفكر الشيعي، ولهذا نجد هجمة شرسة ضد السيد مقتدى الصدر من قبل الجماعات المتطرفة والموالية للدول الإقليمية، وهذه كلها مؤشرات جلية في كونه يحاول تقديم مشروع وطني يرضي جميع الأطراف، وفي حديثي معه، سألته عن الإستفتاء، فقال بعبارة واضحة صريحة: من حقكم أن تلجأوا الى الإستفتاء، فقد وقع عليكم ظلم كبير في عهد النظام السابق، وفي عهد الحكومات السابقة بعد 2003، ولكن أطلب منكم التأجيل، لأننا بحاجة إليكم لكي نمنع عودة القائد الضرورة إشارة إلى نوري المالكي.


ما طرحه مقتدى الصدر ليس تكتيكا بل قناعة كلية أن مرحلة ما بعد 2003 الى 2007 كانت فاشلة فيما يخص مشروعهم، ولهذا بدأوا بإعلان مشروع وطني يرضي جميع الأطراف، ولهذا قبله الكورد والسنة وكثير من الشيعة والمكونات العراقية الأخرى بقبول حسن، ومن أجل ذلك نجد الدول العربية وخاصة السعودية تنظر الى السيد مقتدى الصدر الرجل المناسب للمرحلة القادمة في الانفتاح العربي وخاصة السعودي، بينما الجهات الأخرى لا يمكن لها أن تتخلى عن قبلتها الأيدلوجية، وهي تتباهى بها وتفتخر بل تعتقد أنها هي القبلة الحقيقية للمكون الشيعي، والحقيقية أن العراق دخل في نفق مظلم بسبب هذه القبلة الأيدلوجية، والمشكلة أن هؤلاء حكموا العراق بهذه العقلية الأيدولوجية مما سبب خرابا في البلد، وانهيارا في الاقتصاد، وفشلا في المؤسسة العسكرية، وتشتتا في المجتمع، وتفتتا في اللحمة الوطنية، ولو اعتمدوا القبلة العربية لربما كان وضع العراق أفضل، وإن كنا نعتقد أن القبلة الحقيقية للعراق ينبغي أن تكون الدول التي تؤمن بمباديء الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي بين مكونات البلد بغض النظر عن تحديد مكان معين.


مما لا شك فيه أن الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد 2003 فشلت فشلا ذريعا، وستفشل باستمرار، وفي المستقبل، ولا يمكن أن تحقق أي نجاح ما دامت باقية على عقليتها السياسية السابقة، حيث كان البعد الأيدلوجي طاغيا على البعد الوطني، والأبعاد الأيدولوجية تهديد للسلم المجتمعي في البلد، حيث إنها تصنف المجتمع تصنيفا خطيرا إلى درجة أن من ليس معي فهو ضدي، وصل الأمر إلى مرحلة أن يقتل العراقي على هويته الدينية والمذهبية، بينما العقلية الديمقراطية لا تصنف المجتمع، بل تنظر بعين المساواة والعدالة لأفراد المجتمع على أسس وطنية، ولهذا تخلفنا وتقهقرنا، بينما تقدم غيرنا، لذلك حان الوقت ليكون القرار السياسي بيد الشعب بدل حصره بيد طبقة سياسية لا خبرة لها لأنهم كانوا مشردين في الخارج، ولا شهادات عالية تؤهلهم لقيادة البلد، وحتى الذين نالوا شهادات راقية عالية لم يتخلوا عن أيدولوجيتهم الضيقة، فتراهم لا يختلفون عن غيرهم ممن فشلوا في الجانب السياسي والإداري.


مشكلة الطبقة السياسية التي حكمت العراق – وتحديدا حزب الدعوة الإسلامية، الممثل الرسمي للإسلام السياسي الشيعي – أنها كانت تهتم بالجانب الديني المذهبي أكثر من اهتمامها بالجانب الوطني، حيث نظرت إلى المذهب بأنه هو الوطن، مع أن الوطن أكبر من الدين والمذهب والقومية والتصنيفات الأخرى، وعندما أقول أن الوطن أكبر من الدين لا يعني أنه أفضل منه، بل قصدي أن الدين يعتنق به أفراد معينون وهم داخل هذا الوطن، لأن الوطن يسع لجميع الأديان والمذاهب والقوميات، بينما الدين لا يسع إلا لمن يعتنق ويؤمن به، ولذلك عندما يحاول الإسلام السياسي أن يصبغ الوطن الكبير بصبغة دينية مذهبية معينة يفشل بسرعة، لأن الوطن لا يتحمل لونا واحدا، لأنه أي الوطن بطبيعته ملون بألوان مختلفة، وعندما ينجح بقوة في فرض لون واحد على الوطن، يتحول الوطن إلى سجن كبير، يتمنى سجناءه الخروج أو الفرار بأي وسيلة كانت، وهكذا الحال فيما يخص الدول المستبدة سياسيا ودينيا فهي سجون كبيرة، نجد مواطنيها يفرون منها للعيش في أوطان ملونة ألوانا مختلفة، هذه هي الديمقراطية والمدنية التي نناشدها، لكن الطبقة السياسية حولت الوطن إلى سجن كبير، يتمنى المواطن الخروج أو الفرار منه، لا أمان ولا استقرار ولا عيش ولا كهرباء ولا ماء ولا عمل ولا مستقبل، بل بطالة وفساد وخراب وحروب ومليشيات خارجة عن القانون، ثم بعد هذا كله يريدون من الكورد البقاء في هذا السجن الكبير، بدل الفرار إلى وطن حقيقي يجد المواطن فيه ألوانا مختلفة، حيث الديمقراطية والحرية والأمن والاستقرار والعمل والإعمار والسلام والتعايش بالرغم من قطع الموازنة وأزمة النازحين وحرب داعش وما إلى ذلك، لن نسمح في كوردستان أن يفرض على الوطن لون واحد، بل إن الحديقة جميلة بتنوع ورودها وأزهارها، وإذا أردنا أن نحافظ على ذلك فالإستفتاء هو الحل الأنجع، وهو الوسيلة الوحيدة الباقية لحفظ كوردستان من الوباء الذي أصاب العراق.


لنعد الى أصل الموضوع، لقد أضاعت الطبقة السياسية العراقية الفرصة عندما تسلموا قيادة البلد بعد 2003، كان بإمكانهم أن يبنوا دولة ديمقراطية مدنية حقيقية في المنطقة بحيث تكون نموذجا رائعا وراقيا في الشرق الأوسط، لأن الدستور العراقي يساعد ذلك، كما أن الإمكانيات كانت هائلة جدا، وكانت الفرصة مؤاتية لمصالحة وطنية حقيقية بين جميع مكونات العراق، وأهم من ذلك كله عودة الكورد إلى بغداد، وهم المكون الأساسي، وله تجربة في الحكم وممارسة الديمقراطية وتأسييس الحكومة المدنية وإدارة المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية، لكن بدل العمل على ذلك قاموا بالتركيز على مشروعهم الديني الأيدلوجي السياسي، ذلك المشروع الذي ما دخل بلدا إلا أفسده، خذ مثلا جمهورية مصر العربية والجزائر وليبيا وافغانستان وكوردستان ردحا من الزمن، واليوم يعاني العراق من هذه الأيدلوجية منذ سقوط نظام البعث، وستستمر المعاناة الى أن تسقط هذه الأيدلوجية الدينية وتحل محلها الدولة المدنية والديمقراطية عمليا وليس نظريا.


كان انسحاب القوات الأمريكية من العراق سنة 2011 خطأ كبيرا، حيث تركت الساحة لكل من هب ودب، وفسح المجال واسعا للدول التي لا تؤمن بالديمقراطية أن تسد هذا الفراغ، وكان المالكي آنذاك يتمنى خروج القوات الأمريكية وذلك حتى يتفرد بالسلطة العسكرية للقضاء على خصومه السياسيين والدينيين والمذهبيين، ويفسح المجال لمن يؤيد مشروعه الأيدلوجي من الدول التي أسست على الأيدلوجيا الدينية المعادية للدولة المدنية والديمقراطية والتعددية والتعايش السلمي والديني والمذهبي والقومي وحقوق الإنسان، ومن هنا وقع العراق فريسة للاستبداد الديني والسياسي، وقد ارتكب العرب خطأ فادحا عندما تخلوا عن العراق، وتركوه يطغى عليه المشروع الأيدلوجي الديني، ولو شارك العرب بقوة في مساعدة العراق لربما انتصر المشروع الوطني على المشروع الايدلوجي، ولهذا فشل العرب في العراق بينما نجح خصومهم في العراق، وبسبب هذه السياسة التي اتبعها العرب تجاه العراق وصل الى ما وصل إليه، والحقيقية أن الحل الأنجع للعراقيين هو الاعتماد على المشروع الوطني العراقي بدل المشروع الديني الأيدلوجي أو المشروع العربي القومين فكلاهما لا يصلحان للبلد، ولكننا عند المقارنة بين المشروعين نجد أن المشروع العربي أفضل من المشروع الأيدلوجي، لأن المشروع العربي يركز على البعد القومي، بينما المشروع الأيدلوجي يركز على البعد الديني المذهبي، وحينئذ سيكون المشروع العربي أسهل للكورد للتعامل معه، لأننا لا يمكن أن نذوب في بوتقة هذا المشروع لكوننا أمة مستقلة لها خصوصيتها التاريخية والجغرافية والثقافية والحضارية والدينية، بينما قد يكون سهلا أن يذوب جزء من أمتنا في بوتقة المشروع الأيدلوجي، ثم الأمر الآخر أن المشروع العربي إذا تحول الى استبداد - فرضا- فهو سيكون إستبداد سياسيا، بينما المشروع الأيدولوجي عندما يتحول إلى إستبداد سيكون إستبدادا دينيا، ومعلوم من الناحية الفلسفية والعملية أن الأستبداد الديني أخطر بكثير من الإستبداد السياسي، فالأول يسحقك ويبيدك ويقتلك لكونك من أمة مختلفة، ووقتئذ تصبح شهيدا في سبيل أمتك، بينما الإستبداد الديني سيسحقك ويبيدك ويقتلك لكونك كافرا خارجا عن الإسلام الذي صنعه هو لنفسه حسب اعتقاده، وذلك بعد أن أصدر مفتي دولته الدينية الأيدولوجية المستبدة فتوى تحلل قتل المخالف لكونه حلال الدم خارجا عن الدين، وهو يستحق جهنم وبئس المصير، ووقتئذ لا يمكن تسميته شهيدا لكفره وزندقته حسب المجتمع الذي يحكمه هؤلاء المستبدون الدينيون.



انتهت مرحلة أدلجة الدولة في عهد الجعفري والمالكي، وجاء السيد حيدر العبادي ليعمل جاهدا لإخراج الدولة من هذه الصبغة غير الحضارية، لأنها تنافي طبيعة المجتمع العراقي المتنوعة، فهو في قرارة نفسه مقتنع أن مرحلة ما بعد 2003 كانت فاشلة وكارثية، لا بد من إصلاحها قبل تفاقم الأزمة من جميع النواحي، أول ما بدأ منع وقوع حرب محتملة بين بغداد وأربيل، حيث بدأ بحوار جدي وحضاري مع الكورد بقيادة السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان، نسق معه لمحاربة داعش وخاصة في تحرير الموصل، واعترف مرارا وتكرارا بأنه لولا هذا التنسيق بين القوات العراقية والبيشمركة لما تحققت هذه الانتصارات في الموصل، ولقد حاول أن يرسل موازنة كوردستان والأسلحة للبيشمركة ولكن المشكلة الحقيقية أن السيد العبادي رجل ضعيف ليس في شخصيته ولكن لأنه يعيش في تحالف شيعي أكثر أعضاءه يعملون ليل نهار ضد مصالح كوردستان، ولهذا لا يستطيع الوقوف أمام هذا التيار، لأنه تم تهديده أكثر من مرة لإقالته في البرلمان بعد الاستجواب، لذلك يحاول الرجل أن يبقى متوازنا في علاقاته الداخلية والخارجية، ولهذا عندما استضافته السعودية ذهب مباشرة بعدها الى طهران حفاظا على التوازن الإقليمي، ولو لم يفعل ذلك لربما وجدناه في البرلمان للإستجواب والإقالة، وخاصة من قبل نواب دولة القانون الذين يعادون السعودية معاداة غير طبيعية.



إن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب قررت إخراج العراق من هذه الأزمة الخانقة، بعد أن اتهمت إدارة الرئيس باراك اوباما بالفشل في العراق، وأنها سبب ما وصل إليه العراق، لذلك بدأت الإدارة الجديدة بالعمل الجاد مع رافضي المشروع الإيراني في داخل العراق وخارجه، فأكثرية العراقيين ضد المشاريع الخارجية التي تنشر الطائفية والفوضى في البلد، ولهذا قررت الدول العربية وخاصة الخليجية وعلى رأسها السعودية بمراجعة سياستها الخاطئة تجاه العراق، وبدأت بالعمل الجاد مع السيد العبادي وكل من يريد الاقتراب من المحيط العربي، أو يريد تأسيس عراق بعيد عن الصراعات الطائفية، ومع أن الخطوة السعودية جاءت متأخرة، لكن لا بد من إلقاء اللوم على إدارة أوباما التي هيأت الظروف بسياستها الناعمة والهينة لكي يصبح العراق فريسة ولقمة سائغة لأعداء الديمقراطية، لا ريب أن الهدف الإستراتيجي لإدارة دونالد ترامب تقزيم الدور الإيراني أو ربما إنهاءه كليا في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا، لأنها على قناعة أن سبب دمار العراق وخرابه وانهياره وتشتت فرقاءه السياسين هو الدور السلبي لإيران، لذلك تحاول الإدارة الأمريكية مع حلفائها داخل العراق وخارجه إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، والقضاء على جميع معوقات الدولة الديمقراطية والمدنية، وهذا بكل تأكيد سيتحول إلى صراع إقليمي بين الدول العربية وخاصة الخليجية وعلى رأسها السعودية وتركيا التي تؤيد السنة في كونهم تم تهميشهم تهميشا خطيرا، وبين إيران التي ترى أنها المسؤولة عن كل شيعي في العالم وفق نظرية ولاية الفقيه التي تأسست الدولة الإيرانية على أسسها وخاصة بعد مجيء الخميني في ثورة 1972، ومعلوم أن السعودية أعلنت الحرب على إيران من خلال تصريحات قادتها، وبمساندة أمريكية واضحة، وليس بمقدور ايران مواجهة العرب مع أنها تعلم من يقف وراء العرب في موقفهم الصارم، ولهذا تلجأ الى خيارات أخرى خوفا من المواجهة، وأصبحت الطبقة السياسية العراقية على قناعة أن المرحلة المقبلة ستختلف عن سابقتها كثيرا، فهناك من عرف الحقيقية قبل الجميع فغير قبلته من إيران الى العرب مثل التيار الصدري، وهناك من يريد تغيير قبلته لكنه مكبل بقيود الأيدلوجيا الدينية كالمجلس الأعلى الذي انشق عنه عمار الحكيم وشكل تيار الحكمة، وهناك من يصر على مشروعه الأيدلوجي السياسي، ويريد الوقوف مع إيران حتى النهاية، مثل حزب الدعوة وجماعات أخرى في الحشد الشعبي معروفة بتوجهاتها وولاءتها الأيدلوجية، أما السنة فهم في النهاية لا حل لهم إلا بالوقوف مع الدول العربية، أما المكونات الأخرى فهي دائما مع الأقوى في الساحة، وبخصوص الكورد، فهم مع من يؤيد الدولة الديمقراطية والمدنية، وبما أن الفرصة قد فاتت، فهم ذاهبون الى الاستقلال بعد أن يئسوا من العراق الجديد، ففي 25-9-2017 سيكون هناك استفتاء على مصير كوردستان.



وبما أن السيد مقتدى الصدر هو أول من عارض التدخلات الخارجية وخاصة الإيرانية في البيت الشيعي، بدأت السعودية باستضافته الى السعودية، ليس لتحويله الى سني، بل من أجل إعادة الشيعة الى الحضن العربي، فالشيعة في العراق عرب، ومن حقهم الاعتزاز بقوميتهم العربية، ولا يعني ذلك التخلي عن المذهب، فهذا من باب الحريات العامة، لا يحق لأحد أن يفرض مذهبه على أحد، كما لا يحق لأحد أن يكره أحدا للتخلي عن قناعته، لذلك نجد الصراع السعودي الإيراني واضحا في العراق، فالسعودية تريد للشيعة في العراق أن تفضل القومية على الأيدلوجية، بينما إيران تريد للشيعة في العراق أن تفضل المذهب على القومية، وكلا الأمرين ليس في صالح المجتمع العراقي المتنوع، فالقومية كانت سبب خراب العراق في زمن البعث، والأيدلوجية الدينية سبب دمار العراق في زمن حزب الدعوة، لأن العراق بتنوعه الديني والمذهبي والقومي بحاجة ماسة الى دولة ديمقراطية مدنية، فالدولة القومية تناسب مكونا واحدا كما في هو الحال في أكثر الدول العربية، والدولة الدينية تناسب دينا واحدا كما في أكثر الدول المسلمة، لذلك أعتقد أن العراق لن ينجو من هذا المأزق الخطير إلا بالتجرد من الولاءات الخارجية سواء كانت قومية أو دينية أو مذهبية، لا بد للولاء أن يكون للوطن فقط، والمضحك أن الجميع يتحدث عن الولاء للعراق فقط، وعند الشدائد تتجلى الولاءات الخارجية جلاء الشمس في رائعة النهار عندما يهرعون الى الخارج تجديدا للولاء.
وفي خضم الصراع بين الانتماء المذهبي والانتماء القومي هناك خوف وهلع لدى الأحزاب العراقية وخاصة الإسلامية بشقيها الشيعي والسني من الانتخابات القادمة، وإن كنت أعتقد أن إجراء الانتخابات النيابية في 2018 بات أمرا مستحيلا في ظل هذه الظروف العويصة التي يمر بها العراق، وذلك لجملة من الأسباب: أولا: أن العراق لم يتحرر من داعش عسكريا ناهيك عن تحريره فكريا، ثانيا: لا يزال النازحون يعيشون في المخيمات وفي الخارج، وهم بحاجة الى العودة الى أماكنهم، ثالثا: بعض المدن والنواحي والقرى دمرت بالكامل خذ مثلا أيسر الموصل، فالحياة فيها مستحيلة، وتحتاج الى عملية إعمار كبرى بجهودة دولية، رابعا: العراق اليوم غارق في ديون كبيرة كادت تخنقه خنقا، فالاقتصاد العراقي على وشك الانهيار لولا القروض الدولية ومساعادت البنك المركزي، ولكنها ستثقل كاهل الاقتصاد العراقي يوما بعد يوم، خامسا: لو جرت الانتخابات بهذه الحالة فإن الفائز الأكبر هم الشيعة فقط، ولهذا نجد المالكي يحذر في جميع خطبه السياسية من تأجيل الانتخابات، لأنه يدرك أن تأجيلها ليس في صالحه، وإجراءها في صالحه، وخاصة أن هناك محاولات جدية لمشاركة خفية للحشد الشعبي في السياسة، وقد سميته بالحشد السياسي، ولا ريب أن السلطة ستكون لهم لو جرت الانتخابات في ظل هذه الظروف الصعبة، وفيما يخص الكورد فقد اشترط الحزب الديمقراطي الكوردستاني شرطين للمشاركة في الانتخابات القادمة، أولهما أن يصبح العراق كله دائرة انتخابية واحدة، ثانيهما: رفض الأغلبية السياسية التي طرحها المالكي، لأنها أغلبية أيدلوجية محضة، وعلى فرضية إجراء الانتخابات فإنه سيكون هناك تحالف قوي بين أياد العلاوي والتيار الصدر وأكثر السنة، وأكثر الكورد مع هذا التحالف وخاصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كل ذلك من أجل الوقوف أمام عودة الإسلاموية الأيدلوجية بقيادة حزب الدعوة، ولقد طلب منا السيد مقتدى الصدر عندما التقيته في النجف أن نؤجل الاستفتاء لأنه بحاجة إلينا منعا لعودة القائد الضرورة، إلا أن الكورد قرروا الذهاب نحو الإستفتاء من أجل تقرير مصيرهم، فقد ذهبت جميع جهود الكورد سدى من أجل تحقيق الشراكة الوطنية الحقيقية، ومن أجل روح الديمقراطية والمدنية والإخوة الحقيقية بين مكونات العراق المتنوعة، فاستقلال كوردستان مع معاناة شعبنا المريرة أفضل من البقاء في عراق لا مستقبل له.
Top