• Friday, 03 May 2024
logo

مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل بعد الإستفتاء

مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل بعد الإستفتاء
أجرينا استفتاء غير رسمي في سنة 2005، وخرجت النتيجة مذهلة 8-98% وكانت تجربة ديمقراطية ناجحة، ولكن لم يكن الهدف منه إعلان دولة كوردستان، ولكنه كان امتحانا لشعب كوردستان الذي اختار أن يكون في دولته المستقلة، وفي سنة 2014 كان في نية القيادة الكوردستانية إجراء الإستفتاء لإستقلال كوردستان لكننا واجهنا عصابات داعش الإرهابية، والتي وأدت مشروع الإستفتاء بدعم من دولة إقليمية، وقد قررت أكثر الأحزاب الكوردستانية بإشراف السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان في 7 حزيران سنة 2017 تحديد 25-9-2017 موعدا لإجراء الإستفتاء لإستقلال كوردستان، وقد واجه هذا القرار التاريخي رفضا دوليا وإقليميا عنيفا، حيث رفضت بعض الدول إجراء الإستفتاء لكون الوقت غير مناسب مع اعترافها بحق شعب كوردستان ممارسة هذا الحق الطبيعي، وبعض الدول الأخرى رفضت هذا الحق جملة وتفصيلا، ووصفت العملية بالوبال والمحرقة والفتنة والحرب وتشتيت الدعم ضد داعش، وإسرائيل ثانية لتقسيم العراق والمنطقة من قبل اسرائيل وأمريكا، كل ذلك حتى يتم تأجيله لتعطيله في المستقبل، فالمطالبون بالتأجيل كانوا يريدون إلغاء ورفضه وتعطيله، ولهذا لما طالبنا تلك الدول بتحديد موعد آخر لإجراء الإستفتاء رفضت، ولما طالبناهم بتقديم بديل آخر أفضل من الإستفتاء رفضوا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم رضاهم بإجراء الإستفتاء في المستقبل أصلا، ولهذا لما أدركت القيادة الكوردستانية وخاصة الرئيس بارزاني سوء نيتهم رفض تلبية طلبهم، لأنه أدرك أنها خدعة دولية، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ووصل صدى هذا الإستفتاء جميع أنحاء العالم، حتى استقر في مجلس الأمن، فلم يرحب هذا المجلس بإجراء الإستفتاء، ولكن القيادة الكوردستانية أدركت أن إرادة الشعب أقوى من أي إرادة على وجه الأرض، فتحققت الإرادة القوية لهذا الشعب الذي رأي جميع صنوف العذاب والمعاناة منذ مائة عام، أليست هذه المدة كافية لمعاناتنا، كوردستان كانت ولا تزال حقلا لتجارب الحكومات العراقية الفاشلة الفاسدة، لقد رأى شعب كوردستان الحكم الملكي والجمهوري والبعثي والدعوي(حزب الدعوة الإسلامية – تيار الإسلام السياسي الشيعي) فلم يحصد من الحكومات المتعاقبة إلا الويل والدمار والعفاء والخراب والهلاك والفساد والكساد.
لقد كان اتخاذ هذا القرار بإجراء الإستفتاء قرارا تاريخيا عظيما، أما يوم التصويت فقد كان أسعد يوم في حياة شعب كوردستان، لقد كان يوم ميلاد لهذا الشعب، ليس في جنوب كوردستان بل في جميع أجزاء كوردستان، وقد أحيا هذا الإستفتاء الشعوري القومي والحس الوطني للأمة الكوردية في كل بقعة من الأرض، فمنذ مائة عام تفرض الدول المستعمرة والمحتلة والمستبدة على هذا الشعب خيارا واحدا لا حرية له فيه، فقد خيِّرنا سنة 1925 - أي بعد سنة من انهيار الدولة العثمانية - بين تركيا والعراق فاخترنا العراق لا حبا فيه، بل لأن أحلاهما مر، ولعل للبعد الديني تأثيرا في هذا الاختيار، لاعتقاد الكورد أن العراق بلد عربي والعرب أصل الإسلام كما هو معروف في الأوساط الإجتماعية الكوردية، ولعل ثمة أسبابا أخرى نجهلها، على أية حال، لم نُسأل ماذا تريديون؟ بل سئلنا ماذا تختارون؟ ولو سألونا ماذا تريدون لقلنا بكل تأكيد نريد دولة مستقلة كبقية شعوب المنطقة.
لأول مرة منذ قرن نسأل شعب كوردستان بصورة رسمية ماذا تريد؟ وقد عبر عن رأيه بكل حرية، وفي عملية ديمقراطية نزيهة، وبإشراف الجهات الأجنبية والداخلية، وتم وصفها بالعملية الديمقراطية الحضارية الراقية، وكانت النسبة 73-92% وهي نسبية عظيمة تعطي الشرعية لشعب كوردستان أن يعلن دولته المستقلة بموجب القوانين الدولية، وحق تقرير المصير Self-determination حق طبيعي لجميع شعوب العالم، وما أكثر الدول التي استقلت عن طريق الإستفتاء، وقد بينت ذلك مع الأمثلة في مقال لي بعنوان (إستفتاء كوردستان) نشر في مجلة كولان.
انتصرت إرادة شعب كوردستان على جميع الإرادات، ولم تستطع قوة على وجه الأرض كسر إرادة هذا الشعب، فمجرد إجراء الإستفتاء انتصار عظيم ويوم تأريخي عظيم، فمن حق هذا الشعب الذي عانى مائة عام أن يحتفل ليل نهار، إذا كانت بعض الدول استقلت فهي ربما انفصلت عن دولة متطورة قوية ديمقراطية، بينما شعب كوردستان سيستقل عن دولة فاشلة فاسدة أيدلوجية أشبه بجحيم لا يطاق، ولهذا اكتظت شوارع كوردستان بالإحتفالات فرحا وابتهاجا، وكم كان شعب كوردستان قلقا خوفا من تأجيله، ولكن لله وللتاريخ أقول أن الرئيس بارزاني كان سببا في عدم تأجيله، فإصراره الشديد وثقته بنفسه وتجربته السياسية والتاريخية الطويلة وتشجعيه لشعبه وللقيادة الكوردستانية تحقق هذا النصر العظيم.
أما وقد جرى الإستفتاء وتحقق، وخرج بنتيجة مرضية ونزيهة، فقد آن للحوار أن يبدأ بين بغداد وأربيل، إلا أن بغداد ترفض الحوار مطلقا، بحجة أن الإستفتاء غير دستوري، وغير قانوني، أقول باختصار إن مجرد وصف الإستفتاء في كونه عملية ديمقراطية يكفي في دستوريته وقانونيته وشرعيته، فشرعية الإستفتاء تأتي من المصوتين وليس من المتفرجين، ثم ليكن معلوما أن بغداد تحتج بالدستور عندما تكون في ورطة وأزمة أو عندما تكون بحاجة إليه، وإلا فبأي مادة دستورية تطعنون في الإستفتاء، وبأي مادة دستورية قطعتم الموازنة، وبأي مادة أقلتم محافظ كركوك؟ وبأي مادة منعتم رواتب البيشمركة وأسلحتهم وعتادهم؟ وبأي مادة دستورية خفضتم موازنة كوردستان من 17% الى 67-12%, وأغلقتم المطارارت والمنافذ، وما أكثر القرارات التي اتخذتها بغداد وهي مخالفة للدستور، بل إن بغداد ضربت الدستور عرض الحائط، وإلا كيف يمكن أن تلجأ الى الحل العسكري لحلحلة الخلافات السياسية الداخلية.
والغريب المضحك أنهم يطلبون إلغاء الإستفتاء، قلت لهم في إحدى القنوات العربية: نحن موافقون على إلغاء الإستفتاء، فاستغرب هذا الكلام مني، فقلت ولكن بشرط، وهو أن نجري إستفتاء آخر ونطلب من شعب كوردستان مرة أخرى أن يذهب إلى صناديق الإستفتاء ويدلي بصوته مرة أخرى، وقد كتب على البطاقة: هل تريد إلغاء الإستفتاء أم لا؟. بكل تأكيد لا يوافقون، لأنهم يدركون أنه بسبب المواقف المتشددة والرافضة لطموحات شعب كوردستان فإن نسبة التصويت بنعم ستزداد أكثر من النسبة التي تحققت، وحتى الذين صوتوا بلا سيندمون بسبب هذه المواقف غير الحضارية من عملية ديمقراطية سلسة، إن إستفتاء كوردستان أشبه بمولود جديد شرعي، لا يمكن أن تعيده الى بطن أمه، ولا يمكن أن تقتله، فالأول مستحيل، والثاني جريمة، فلا بد من التعامل معه بحكمة، لأنه سيكبر غدا، فمسألة إلغاء الإستفتاء كمثل من يطالب بعودة الطفل ألى بطن أمه، أو عودة اللبن إلى الضرع الذي خرج منه، ومتى دخل الجمل في سم الخياط وقتئذ سيتم إلغاء الإستفتاء، لا يلغي الإستفتاء إلا إستفتاء آخر، لأنه من المستحيل أن يجرأ أحد على إلغاءه، لأنه ليس قرار شخص أو حزب معين حتى يتم إلغاءه، ولا يمكن بتاتا إلغاء إرادة شعب، وحتى المحكمة الفيدرالية لم تستطع الطعن في عدم دستوريته، بل أصدرت قرارا ولائيا وهوإيقاف إجراء الإستفتاء لحين الفصل فيه، وبعد أن أجرينا الإستفتاء لم تستطع المحكمة أن تطعن في الإستفتاء، بل اكتفت أن الدستور لا يجيز انفصال أي جزء من العراق، والحقيقة أن المحكمة الفيدرالية وقعت في خطأ فادح، لأنها لم تشر الى ديباجة الدستور التي تقول: إن الإلتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر، ولم تشر الى المادة الأولى من الدستور العراقي التي تقول: أن الدستور ضامن لوحدة العراق، فالديباجة تشير الى أن الاتحاد ليس اجباريا بل اختياري، ثم إن عدم الالتزام بالدستور يعطي الحجة لمن يريد الخروج من هذه الوثيقة التي تم خرق بنودها، فبغداد خرقت أكثر من خمسين مادة دستورية، وهذا يعني أن هذا الدستور فقد شرعيته، وعندما يفقد الدستور شرعيته فوحدة البلاد معرضة للتقسيم، ولكن بما أن المحكمة الفيدرالية تم تسييس قراراتها فلا يمكن التعويل عليها في مثل هذه القضايا الخطيرة والمصيرية.
وقد قررت حكومة إقليم كوردستان تجميد الإستفتاء، وهذا لا يعني إلغاءه، بل سيبقى الإستفتاء وثيقة تاريخية للأبد، ومتى أراد شعب كوردستان الإستقلال فهو قد تجاوز مرحلة مهمة، وهي في تصوري أصعب من إعلان الدولة، لأن الإستفتاء أشبه برخصة قيادة السيارة، فمتى اشتريتها يمكنك قيادتها، لأنك تملك حق القيادة، وعليه لا حل إلا الحوار الحقيقي والجدي بين بغداد وأربيل، وقد رحبت الأمم المتحدة وأمريكا وفرنسا والسعودية، بقرار حكومة كوردستان، وحتى تركيا وايران ترحبان بالحوار لأنه لا يمكن تهميش حكومة منتخبة وشرعية ودستورية، وقد أشار بيان الخارجية الأمريكية الى دعم هذه الحكومة برئاسة السيد نيجيرفان البارزاني ونائبه السيد قوباد طالباني، وأكد البيان على ضرورة أن تكون هذه الحكومة قوية، وعلى الأحزاب الكوردستانية مساندتها، وهي رسالة قوية لمن يريد تمهيش هذه الحكومة أو عدم التعامل معها، لأن بغداد تحاول التعامل مع محافظات الإقليم بدل الحكومة، وقد وردت هذه العبارة في موازنة 2018 مع الأسف الشديد، ويحاول بعض النواب والساسة العراقيين استعمال مصطلح إقليم شمال العراق بلد إقليم كوردستان، وهي مخالفة صارخة للدستور، وفي الوقت نفسه بيان وزارة الخارجية الأمريكية رسالة قوية لمن يدندن حول تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وهي محاولة من بعض الأطراف السياسية الكوردية إنقاذ أنفسهم لكونهم فشلوا فشلا ذريعا.
ليكن معلوما أن بناء الدولة ليس سهلا فهي عملية صعبة ومعقدة وخاصة في هذه المنطقة ومع العراق، لذلك لا يعني الإستفتاء إعلان دولة، ولا ترسيم حدود، بل هي تعبير رأي بصورة ديمقراطية، وقد كفل الدستور العراقي هذا الحق، فلا أحد يستطيع منعه، ثم إن الإستفتاء لا يعني نهاية العراق، ولا نهاية الدنيا، ولا نهاية الحوار، فالحوار مستمر وسيبقى، وإذا كان الكل يركز على الدستور فإن كوردستان من أشد الجهات الداعمة والداعية لتطبيقه، لكن بغداد هي التي خرقت الدستور ولا تزال تخرق حتى هذه اللحظة.
ما الحل؟
أعتقد أن حكومة كوردستان اتخذت قرارا جريئا بتجميد الإستفتاء وذلك من أجل بدأ الحوار مع بغداد، ولكي لا يستمر القتال بين أبناء البلد الواحد، وليكن واضحا أن ما جرى في كركوك وغيرها من المناطق من عمليات عسكرية ليس بسبب الإستفتاء، بل لأن بغداد خططت منذ زمن بعيد القيام بهذا العمل العسكري، وقد عجل الإستفتاء ذلك، وأصبح ذريعة لبغداد حتى تتدخل في تلك المناطق.
لم يكن بمقدور بغداد التدخل عسكريا، لأنها أدركت أن قوات البيشمركة ستقاتل بضراوة، وأن المجتمع الدولي سيرفض التدخل العسكري، وهذا العمل سيشوه سمعة حكومة العبادي، ولهذا لجأت الى أسلوب تمزيق البيت الكوردي، وهذه الخطة آتت أكلها بواسطة أيادى خارجية، أقنعت شرذمة قليلة ترعرعت في أوربا لم يعانوا في حياتهم كما عانى البيشمركة، فهذه الشرذمة لا قيمة للوطن عندهم، بل إن الوطن الحقيقي عندهم عندما تمتلأ أرصدتهم في الخارج، وهم قلة قليلة في حزب معين قاموا بالإنقلاب على شعب كوردستان، وعلى قيادة حزبهم، فذهبت كركوك، ولما علم الرئيس بارزاني بهذه المؤامرة الخطيرة أمر بانسحاب البيشمركة حتى لا تقع حرب داخلية، وانتصر الكورد لأنه لم تقع حرب بينهم، وكان ذلك مخططا من قبلهم، خسر الكورد كركوك، لكنهم لم يخسروا دماء البيشمركة، فدماء البيشمركة أفضل من كركوك، لأن زوال الكعبة أهون عند الله من قتل امريء.
أعتقد أن الحل العسكري سيزيد الوضع تعقيدا، وسيدفع شعب كوردستان الى الإصرار والمقاومة، وهذا معروف لمن قرأ تاريخ شعب كوردستان، فكفى ما حصل، ولنعد الى طاولة الحوار، ونجعل الدستور حكما بيننا، أليس مؤسفا أن تحدث حرب بين الجيش العراقي والبيشمركة وقد كانوا بالأمس القريب يقاتلون صفا واحد كالبنيان المرصوص ضد عدو مشترك لم يفرق بينهما، ألا وهو داعش، أليس مؤسفا أن تستخدم هذه الأسلحة المتطورة - التي قدمت للجيش العراقي لمحاربة داعش- ضد البيشمركة، أليس هذا مخالفا للدستور والاتفاقات السابقة؟.
ثم كيف طابت أنفسكم أن تقاتلوا شعب كوردستان الذي آواكم في زمن الضراء والبأساء والشدة، وكيف طابت أنفسكم أن تضربوا أرض كوردستان التي كانت مأوى لكم في زمن المعارضة؟ وكيف طابت أنفسكم أن تحاربوا من كان سببا في وصولكم الى السلطة؟ وسببا في إضفاء الشرعية على سلطتكم، أين الوعود التي قطعتموها؟ أين الاتفاقات التي أبرمتموها؟ أليس ينطبق عليكم قول الشاعر:
وكم علمته رمي السهام فلما استدت ساعده رماني
إنها حقيقة مرة تكشف لنا أن المشكلة الحقيقية ليست في الدستور ولا في الثروة ولا في القوة ولا في الإدارة ولا في الأشخاص، إن المشكلة الأساسية هي في العقلية التي لم تتغير منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921، مضى قرن ولا زالت القضية الكوردية معلقة، وستبقى هكذا معلقة، جاء العهد الملكي، ثم الجمهوري، ثم البعثي والآن نواجه العهد الدعوي(حزب الدعوة – الإسلامي السياسي الشيعي) والقضية الكوردية معلقة، ولا أحد يفكر في حلها، ولا يريد حلها، فالقضية الكوردية تجارة رابحة وستبقى رابحة لمن يريد المتاجرة بدماء شعب كوردستان، ماذا حصدنا: خذ مثلا بين فترة البعثيين وفترة الدعويين: تحولنا من استبداد سياسي الى استبداد ديني مذهبي، من جيش عروبي الى جيش أيدولوجي، من صورة لشخص واحد الى صور لأشخاص عدة، من قرار مركزي الى قرار فوضوي، وفي النهاية يتفق الجميع على محاربة شعب كوردستان.
وليكن جليا أن النصر الحقيقي في كل معركة هو كسب قلوب الناس، وليس كسر قلوبهم، فكم من انتصارات تحققت في بعض المناطق لكنها تحولت الى انتكاسات وفضائح، هل حرق بيوت الكورد في كركوك وطوز وتشريدهم وطردهم وإهانتهم وإهانة رموزهم يعد نصرا، لقد صنعت هذه القوات العسكرية المتنوعة بهذه السلوكيات قناعة كاملة للكورد أن العيش مع هؤلاء لا يطاق، وأن المصالحة الوطنية ماتت، والعيش المشترك انتهى، والتعايش السلمي قد انهار للأبد، أرادت تلك القوات العسكرية المتنوعة بسط الأمن وهي كانت آمنة قبل دخولها، وبدخولها حلت الفوضى مكان الأمن والإستقرار، وحل الخوف والهلع والرعب مكان السلام والطمأنينة والراحة، لأنها لم تأت إلا لتحل الفوضى في هذه المناطق، وقد تحقق، ولن تستقر هذه المناطق أبدا إلا بعودة البيشمركة الذين حرروها من براثن داعش، ولولاهم لسقطت بيد داعش كما سقطت الموصل وكثير من المحافظات الغربية السنية.
دعني هنا أعبر عن قناعتي الشخصية، وذلك حتى لا يحسب رأيا حزبيا، لا يمكن أن نعود الى مرحلة ما قبل الإستفتاء، نحن اليوم وأنا أكتب هذه الأسطر في مرحلة جديدة، وهي مرحلة الاقتراب من الإستقلال، والذي دفعني الى هذه القناعة أن الحوار بين بغداد وأربيل لن يحقق ما يصبو إليه شعب كوردستان، لأن الإستفتاء تم تصويره في العقل العربي العراقي بأنه خيانة وجريمة ومؤامرة خطيرة، وأنه خطة إسرائيلية أمريكية لتقسيم العراق، وتشكيل إسرائيل ثانية في المنطقة، وهو في العقل الكوردستاني أعظم إنجاز يحققه منذ مائة عام، إذن هناك خلاف شديد وخطير بين عقلين وبين مجتمعين، والخلاف عندما يكون مجتمعيا من الصعب معالجته، على العكس من الخلافات السياسية التي يمكن معالجتها بسهولة، وأعتقد أن بعض الخطابات الدينية رسخت هذه القناعة لدى العقل العربي العراقي، لذلك أتصور أن الحوار سيكون طويلا وغير مثمر، والأدهى من ذلك اقتراب الانتخابات العراقية، فليس من مصلحة العبادي أن يفتح صفحة جديدة مع كوردستان، وذلك حتى لا يتهم بالانبطاح لكوردستان، - وهو مصطلح غير لائق وغير حضاري يستعمله خصوم التيار المدني والديمقراطي- وهو لا يريد أن يشوه سمعة انتصاراته على داعش بانتقادات تأتيه من وراء الحوار مع كوردستان، ولهذا الى الآن لم يستجب لدعوة كوردستان لقبول الحوار والبدأ به، فهو كلما تأخر الحوار كان في مصلحته، إلا إذا تدخلت امريكا بقوة، فوقتذ يمكن أن يسرع عملية الحوار، لكنها ستبقى طويلة وغير مثمرة، وكم من المرات تدخلت أمريكا ولكن دون جدوى، لذلك ينبغي توحيد البيت الكوردي أولا حتى نتمكن من مواجهة تحديات المرحلة القادمة، وقد رحب السيد نيجيرفان بعودة وزراء حركة التغيير، وكذلك مشاركة جميع القوى الكوردستانية للخروج من هذه الأزمة المتأزمة، وكذلك يجب عودة نواب كتلة التغيير الى البرلمان وقد رحب الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعودتهم وعودة رئيس البرلمان الدكتور يوسف، لأن هذه مسؤولية تاريخية يجب على الجميع الوقوف صفا واحدا أمام بغداد، وينبغي ثانيا: طلب إشراف دولي على المفاوضات وخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وأعتقد أن أمريكا أفضل من يشرف لتأثيرها القوي في المنطقة، العمل مع جميع الأحزاب العراقية وخاصة تلك التي تؤمن بالديمقراطية والمدنية والوطنية لكي نحاول معا حلحلة المشاكل بين بغداد وأربيل، وهي كما قلت أكثر من مرة أشبه بالمشاكل بين دولتين مستقلتين, وستقبل بغداد الحوار ولكن سيكون حوارا صعبا ومؤوفا بالمعوقات والمشاكل، ولكن إذا لم نتوصل الى حل يرضي شعب كوردستان، أعتقد أن أفضل حل هو الإنسحاب من العملية السياسية، ويكون هذا القرار جماعيا من قبل جميع الأحزاب الكوردستانية حتى تصبح قضية شعب وليس قضية أحزاب معينة.
Top