• Saturday, 18 May 2024
logo

مهرجان كركوك المسرحي

مهرجان كركوك المسرحي

طارق كاريزي

 

شهدت مدينة كركوك خلال الفترة 5-10/تشرين الثاني/2022 مهرجان كركوك المسرحي في نسخته الثالثة. بداية، المسرح يعود الى القرن الخامس قبل الميلاد حيث ابتدع الاغريق هذا الفن، ومن ثم انتقل الى الرومان. وبعد سقوط الامبراطورية الرومانية دخل هذا الفن في سبات دام خمسة قرون. ومن ثم عاود المسرح الحياة في كنف الكنيسة حيث استلهمت النصوص المسرحية قصص الانجيل والارشادات الواردة فيه. يرجع نقاد المسرح ظهور التراجيديا الى فصل الربيع حيث تكون الطبيعة جرداء في بلاد الاغريق، فيما ولدت الكوميديا من رحم فصل الخريف حيث تكثر الثمار ويتم قطف الكروم واعداد الشراب مع اداء الرقصات المعبرة عن الفرح والسرور. والمسارح في عهد الاغريق كانت عبارة عن مدرجات مفتوحة تنحت على شكل اقواس من الصخر ومكان العرض كان عبارة عن مسطح صخري في فضاء مفتوح يقع قبالة اقواس منصات الجلوس. وكان يرتاد كل عرض مسرحي حوالي 20 الف فرد مجانا، وكانت سلطات حكومات المدن اليونانية تدعم العروض المسرحية في مسعى منها لتوعية عامة الناس.

ايطاليا احتضنت ظهور المسرح مجددا بعد سباته الطويل، واستلهم المسرحيون الطليان نصوص مسرح الاغريق وقدموا عروضهم في مسارح المدرجات الصخرية ذات طابع العمارة الرومانية والتي عرفت تاليا بالمسارح الرومانية. وانتشر المسرح تاليا لدى بقية الامم الاوربية وأولها الفرنسيون. واتخذ المسرح في كل بلد من البلدان الاوربية مسارا خاصا به. ومع تمدد الحضارة الاوربية الى بلدان القارات الاخرى، كان المسرح احد الفنون التي رافقت هذا التمدد الحضاري. مع ان نقاد مسرح الشارع يقولون بأن فن المسرح قديم قدم الانسان وسبق ظهوره عهد انسان النياندرتال، حيث تقول التنظيرات ان طقوس الرقص والغناء التي مارسها الانسان البدائي تعد الخطوات الاولى لفن المسرح، وتبقى من الوجهة الاكاديمية، البداية الحقيقة لفن المسرح هي النصوص التي كتبها الاغريق والتي بلغت ألف نص مسرحي لم يصلنا الا النزر اليسير منه، وكانت هذه النصوص تعرض تمثيلا على الجمهور. وظهر المسرح في الشرق مع بدايات التلامس الحضاري اثر فورة الحضارة الاوربية وتنامي منجزات عصر التصنيع وقدوم الاستعمار حيث اقتبس الشرق هذا الفن من الغرب وانتشر أكثر فأكثر مع ظهور الفرق المسرحية وتأسيس اقسام المسرح في المؤسسات الفنية الاكاديمية.

مسرح كركوك هو انعكاس لثقافة المدينة، فهو مسرح متعدد اللغات وكان لمسرحيي المدينة قصب السبق في ممارسة هذا الفن كهواية ومن ثم توظيفه كوسيلة تربية وتعليم وتوعية، ولفن المسرح في هذه المدينة تاريخ يبدأ منذ النصف الاول من القرن العشرين، وظهرت العديد من الفرق المسرحية في المدينة التي لم يستطع مسرحيوها تبوء سدة الاحتراف في هذا الفن كون ارضية العمل المسرحي اسوة بباقي الفنون واصناف الادب لم تتهيأ بالشكل المناسب والممهد للنموّ والانتعاش، فالمدينة كانت تعاني من محرمات وممنوعات تغتال فيها حرية العمل التي هي احدى الشروط الواجبة لانتعاش الفنون والآداب. الممنوعات والمحرمات في هذه المدينة طالت طوال عقود عدة مختلف نواحي الحياة فيها وانعكس ذلك بشكل سلبي على واقع حركة المسرح مما اضطر الكثيرون من المسرحيين الى الهجرة وترك المدينة حرصا منهم على هوايتهم واصرارا على مواصلة العمل الفني ولتطوير مهاراتهم وقابلياتهم الفنية. من المؤكد ان الاجواء الحالية ومنذ السنين الاولى للقرن الحادي والعشرين باتت مغايرة فالحرّية مشاعة ولا قيود معلنة أمام المسرحيين لتطوير مهاراتهم والعمل من اجل الارتقاء بفن المسرح. ومهرجان كركوك المسرحي دالة مشرقة تضع المدينة فوق خارطة فن المسرح على المستوى الوطني والاقليمي وبل وحتى الدولي، بحسب ضيوف المهرجان من الاكاديميين واساتذة هذا الفن. ومن هنا تقتضي الامور مشاركة الكل في هذا التظاهرة ودعمها بالشكل الذي يضمن تطويرها نسخة بعد اخرى لتكون مرآة لكركوك التي تمتلك الكثير من المؤهلات بأن تكون مدينة معروفة على مستوى الفنون وتتجاوز بذلك الصورة النمطية التي رسمت لها كونها مدينة البترول والصراعات.

 

 

باسنيوز

Top