• Friday, 17 May 2024
logo

كوردستان العراق بين دافوس وأنقاض الصواريخ

كوردستان العراق بين دافوس وأنقاض الصواريخ

شفان إبراهيم

يتحول الدمار والظلم لجزء أساسي من شخصية مكونات كوردستان، وذاكرتهم المتخمة بحوادث الحملات العسكرية والحصار، وقطع الأرزاق، بما فيها في مرحلة ما بعد النظام العراقي السابق، وكأن القدر رسم لهذه الرقعة الجغرافية رتم العذابات وعدم الاستقرار.

وإذا كان الموقع الجيوسياسي لإقليم كوردستان يمنحه هويّة المعاناة والمظلومية الدائمة، فهو يعيش بين دول أربع تشهد هي الأخرى نزاعات وتوترات وقضايا معلقة مع شعوبها ومع الدول الغربية الفاعلة في الشرق الأوسط، فإن مواقف البرلمان والحكومة العراقية بالاكتفاء بالتنديد وبعبارات مُكررة ومملة عن السيادة والتحقيق، لكن دون أي فاعلية يُشكلان انتكاسة عميقة في مفهوم الدولة الوطنية.

والأكثر مدعاة للأسف، هي السرديات حول الهجمات المتكررة قبل الآن، والداعية لكشف الجناة ومحاسبتهم، في حين أن المنفذين نفسهم يتبجحون بفعلتهم عبر وسائل الإعلام العراقية، ويفتخرون بالقصف والتدمير، بل ومتواجدين في البرلمان ككتل سياسية تُمثل قوات عسكرية موالية لإيران ضمن العراق، وكأنهم يقولون للحكومة والبرلمان، ماذا أنتم فاعلون.

وأغلب تلك الصواريخ تُطلق من مناطق سيطرة الحشد الشعبي، خاصة من أطراف الموصل، وتقول ما يُعرف باسم "المقاومة الإسلامية" إنهم يتصدون للوجود الأميركي، لكن الضحية دوماً هم الكورد وحيواتهم.

أربيل قُربانٌ لميادين الصراع الأميركي - الإيراني

ساحات المواجهة بين إيران وأميركا كثيرة، العراق، البحر الأحمر، اليمن، لبنان، غزة، شمال شرق سوريا، قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية، لكن إيران فضلت كوردستان الواقعة على كل تُلك المناطق لتقصفها بصواريخ بالستية، مُكررة الأسطوانة المشروخة نفسها التي دأبت الحكومات في سوريا والعراق على وشم المطاليب الكوردية بها، تهمة التواصل والعمل مع إسرائيل، زادت عليها إنها "استهدفت مقار للجواسيس والموساد والتجمعات الإرهابية المناهضة لإيران"، رداً على "الهجمات الإرهابية التي استهدفت مواطنينا في كرمان".

وإذا كانت كوردستان مقراً للموساد، وفقاً للادعاء، فلماذا تتعامل إيران بملايين الدولارات مع أسواق كوردستان؟ علماً أن المعاينة المباشرة لمكان الاستهداف، اثبت غياب أيّ مؤشرات أو ما يُلمح لقضية التآمر، بل مُجرد تهمة وظفتها إيران لأعمال دعائية في وسطها الداخلي.

القصف سواء من إيران مباشرة أو عبر اذرعها المسيطرة على مفاصل الحكم في بغداد، هي مسجات عسكرية لأميركا وحلفائها حول القدرة العسكرية الإيرانية، وإمكانية إلحاق عميق الأذى حيث المصالح الأميركية الحيوية، إذا استمر الاستهداف الأميركي لمصالح إيران، خاصة وأن تجربة إقليم كوردستان تُعتبر قصة نجاح سياسي وأمني واقتصادي في وسط جغرافي مليء بالعنف وخطاب الكراهية والقتل على الهويّة وسحقاً للحيوات الاقتصادية للقواعد الاجتماعية، عدا النجاح العميق الذي حققه إقليم كوردستان في محاربة ومواجهة الإرهاب.

الضربة الإيرانية وتبنيها المباشر للعملية من أراضيها على إقليم كوردستان، هو أولاً خروج على ما دأبت عليه طهران من ممارسة الضغط العسكري عبر فصائل واذرع عسكرية موالية لها وشريكة في العملية السياسية وكارتيلات السلطة ضمن بغداد، وثانياً تزامن مباشر مع تحولات محتملة في ميزان القوى بالشرق الأوسط، سواء في حرب غزة، أو مخاطر تمدد المواجهات في البحر الأحمر بين الحوثيين والغرب.

نجاح الكورد في دافوس غير مُرحب به في طهران

شكلت أربيل منذ بدايات كتابة الدستور العراقي وتشكيل الدولة من جديد، بعد سقوط النظام العراقي السابق، عقدة مستعصية أمام التوغل الإيراني، وباتت اليوم هي المنطقة الوحيد خارج سيطرة أو تواجد أو تمدد الميليشيات العراقية، كما لعب موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الرافض لـ"دونية" العلاقة مع إيران، أو حلفائه في العراق، وتبوئه عبر العملية الانتخابية، صدارة الكتلة البرلمانية والحكومة والرئاسة في كوردستان، وموقفها الرافض لانسحاب القوات الأميركية من العراق، لعب دوراً مستفزاً لإيران، التي هدفت من وراء هذا القصف إلى ضرب اقتصاد كوردستان والسياحة ومنع استقطاب رجال الأعمال العرب والأجانب، خاصة وان إقليم كوردستان مقبل على موسم السياحة خلال فصلي الربيع والصيف.

لكن أبرز الأسباب والعوامل المحركة للهجوم، هو مؤتمر دافوس المنعقد في سويسرا خلال كانون الثاني الجاري، ونجاح رئيس وزراء إقليم كوردستان السيد مسرور بارزاني من تأمين مكاسب اقتصادية كبيرة لشعب كوردستان في اجتماعاته الأخيرة. لذا رغبت إيران في إخافة المستثمرين، عبر استهداف رجل الأعمال الكوردي "بيشرو دزيي" مالك شركتي إمباير وفالكون العقاريتين، والذي قضى نحبه مع أثنين من أطفاله، وبرفقة رجل الاعمال العراقي "كرم ميخائيل" الذي كان في زيارته، وارسال مسج بعدم امان إقليم كوردستان، واحتمالية سقوط الصواريخ في أي لحظة، وبالتالي تبقى أسواق العراق وكوردستان حكراً على البضاعة الإيرانية الأرخص ثمناً من نظيرتها التركية. كما فعلت في اذار 2022 واستهداف رجل الأعمال الكوردي "باز البرزنجي" المدير التنفيذي لشركة "كار كروب" ذي الدور المؤثر والمحوري في إتمام صفقة الغاز من كوردستان والعراق إلى أوروبا، ليتم إلغاء العقد بعد ذلك، واستمرار حصار كوردستان اقتصادياً ومنعها من الاستفادة السياسية من العقود الاقتصادية، والقاسم المشترك بين كِلا القصفين، إن الفلل المستهدفة كانت مكاناً لتجمع الدبلوماسيين في المناسبات الاجتماعية، نظراً لقربها من القنصلية الأميركية في أربيل.

وليس بالبعيد ممارسة المزيد من الضغط على الديمقراطي الكوردستاني لتقديم التنازلات لباقي الأطراف السياسية في انتخابات برلمان كوردستان المقبلة، خاصة مع خشية أطراف سياسية كوردية ذات علاقات مع إيران، من خسارة نفوذها بسبب الغضب الشعبي ضدها وتراجع قواعدها الشعبية نتيجة مواقفها السياسية المقربة من كُتل وحلفاء إيران في بغداد.

دعوات لمقاطعة المنتجات الإيرانية ومواقف دولية شفهية

نشطاء ومواطنون عراقيون من مختلف القوميات، دعوا عبر هاشتاك لحملة مقاطعة البضائع الإيرانية وباللغات الإيرانية والكوردية والعربية، وهي وإن وجدت تضامناً لها في المناطق السّنية ومحافظتي أربيل ودهوك، حيث معاقل المتضررين من سياسات إيران وأذرعها في العراق، ستصطدم بقلة الإنتاج في الصناعات المحلية في إقليم كوردستان، وعلى الأرجح لن تجد النفاذ نفسه في السليمانية، حيث معقل العلاقات الكوردية – الإيرانية، والتي لم تشهد أيّ هجوماً أو قصفاً ما خلا الهجمات الصاروخية للقوات الإيرانية على معاقل الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني وباقي الأطراف المعارضة، والمتواجد في السليمانية، خاصة بعد مقتل الشابة الكوردية الإيرانية مهسا أميني في أيلول 2022.

جامعة الدول العربية، والولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الغربية الحليفة لها، أدانوا القصف، لكن ماذا بعد في ظل غياب أيّ إجراءات رادعة أو قاسية تضبط سلوك إيران تجاه كوردستان، أو توفير مظلة حماية لإقليم كوردستان من الاستهداف المتكرر، ولماذا لا يتم منح إقليم كوردستان منظومة دفاع جوي، عوضاً عن المشاعر الجياشة.

العراق الذي يكتفي بالمشاهدة والتنديد الخجول، وفقاً للدستور الاتحادي هو المسؤول الأول عن حماية الامن القومي للعراق، وأقاليمه، وكل ما له علاقة من قطع العلاقات الدبلوماسية أو فتحها، الشكاوى للأمم المتحدة، وكل ما له من علاقة بالتمثيل الخارجي والجيش وإعلان الحرب هي من صلاحيات المركز فقط. أما قوات البشمركة فهي متخصصة بحماية الأمن الداخلي والدفاع عن كوردستان.

كُوردستان التي لها ذكريات مريرة مع الجيوش العراقية السابقة، نجحت في تثبيت مادة دستورية تمنع دخول الجيش العراقي لمناطقه، لكن لماذا لا تتوجه قطاعات الجيش العراقي صوب الموصل وتحديداً للمناطق المستخدمة كمنصة لترهيب إقليم كوردستان وسكانه، وحماية جزء من العراق، أم أن ذلك الجزء تحديداً لابد من ترهيبه وإطفاء شعلة الحياة فيها.

 

 

 

روداو

Top