• Friday, 17 May 2024
logo

دولة كوردستان بعد خريف الإستقلال

دولة كوردستان بعد خريف الإستقلال
الدکتور سامان سوراني

نعم جدلية التاريخ ترشدنا بأنە في النهاية سوف يکون الإستقلال قدر الأوطان وأنّ الشعوب الساعية لإرساء الحقوق الديمقراطية يتمکن بعد تقرير مصير مناطقه وحقوقه خلق السلام والأمان والإستقرار. ومن يعتقد بأن إستقلال شعب محب للسلام، شعب يمد يد التآخي والوئام الي شعوب المنطقة، لاينهي المشاکل التاريخية فهو أكثر من واهم. واقع الحال يثبت لنا بأنه بعد كل هذه التحولات الجذرية في المنطقة والتي شكلت فرصة وجودية أمام شعب كوردستان ليدلي في يوم 25 من شهر أيلول عام 2017 بصوته في استفتاء تاريخي يمهّد لتأسيس دولة كوردستانية لها کافة المقومات الأساسية. دولة تُبني علي أسس الفدرالية والديمقراطية والمدنية والحرية والتعايش المشترك وفق إرادة شعب.

هذا الإنجاز المرتقب هو مکان إعتزاز وفخر لشعبنا، الذي شقّ طريقاً طويلاً محفوفاً بالصعوبات والتحديات وسوف يکون لإستقلالنا أثر إيجابي علي السلام والإستقرار الدولي والإنساني.

شعب كوردستان يعيش وللأسف منذ قرن من الزمان، أي منذ إنهيار الإمبراطورية العثمانية الفاسدة والمريضة عام 1918 وبعد تطبيق إتفاقية سايكس-بيکو المشؤومة إجحاف دولي لا مثيل لە. ففي أطراف كوردستان أجيز إنشاء دول قومية علي حساب جغرافيتها السياسية، حکومات وأنظمة تلك الدول كانت ومازالت الي اليوم دکتاتورية، قومية، شوفينية، فاشستية وطائفية.

نحن لا نريد تکرار التجارب المريرة التي مرّ بها شعبنا خلال مئة عام. نريد أن نطبق حقوقنا في تحقيق الذات لنقدم للإنسانية جمعاء تجربتنا في العيش المشترك وصون حقوق الكيانات وتأصيل التعددية الثقافية.

عجبي کل العجب من رؤساء وقيادات الأحزاب السياسية الدينية الشمولية الفاشلة في العراق العربي الطائفي بشقّيه الشيعي والسني أن يستخدموا لغة التهديد والوعيد يحذرون بها شعب كوردستان من عواقب إصرارهم علي الإستفتاء نحو الإستقلال.

قيادات تلك الأحزاب والتيارات التي تعيش خارج قواميس الثقافة والحضارة يطالبون شعب كوردستان بالبقاء في إطار شراکة مزيفة بإعتبارهم أشقاء في الوطن، لکنهم جميعاً وطوال مايقارب 14 سنة بعد سقوط الطاغية في بغداد لم يتحركوا ولا لبرهة الي العمل في كشف المقابر الجماعية لأكثر من 180 الف إنسان كوردستاني مؤنفل في المناطق الصحراوية من وسط و جنوب العراق. هذه طبعاً هي خصوصية وجودية تؤهل شعبنا للتمايز والاستقلال. ماذا يعني لتلك الأحزاب الطائفية الأخوة والشراكة وهي لا تهتم قيد أنملة بمتابعة ملفات الاستبداد والطغيان والإجرام وجرائم تاريخية حصلت ضد الأخ الشريك في "الوطن"؟

لقد فقد شعب كوردستان الأمل بحکومات بغداد، التي تريد للطائفية الشيعية أن تكون سردية كبرى معادية لکل تطلع نحو الحرية والإستقلال، داعية لاستنهاض أهل التشّيع تحقيقاً لعزّتهم، من خلال التأكيد على ما يجمع أهل العراق ويميزها عن غيرها. علماً بأن صيغـة الطائفية لا تنجح في تحديد مقنع وواضح لما هو مشترك بين الشعب الكوردستاني وشعب تحمل أفکار ونعرات طائفية مقيتة. لقد أصبح الكورد في اقليم کوردستان وكذلك الكورد والعرب والتركمان وسائر المكوّنات الأخري الساکنة في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم ضحايا عدم التزام حکومات بغداد ببنود دستور عام 2005.

بإختصار، إن عدم الثقة بين الکيانات وصل لمستوى لا يسمح لتلك الکيانات بالبقاء تحت سقف مايسمي اليوم طوباوياً بالعراق الاتحادي الفدرالي التعددي الموحد. استقلال الدولة يعني سيادتها واستقلالها فعلياً وقانونياً في ممارسة قرارها الدولي بعيداً عن سيطرة أية دولة أخرى أو توجيهها واعتراف الدول الأخرى بها وحقها في التمثيل الدبلوماسي وعضوية المنظمات الدولية وحريتها في اتخاذ القرارات الدولية على الصعيد الخارجي وعلى صعيد العلاقات الدولية من دون قيد أو تردد أو إكراه أو ضغط إلا الالتزامات التي يقرها القانون الدولي والمعاهدات الدولية الثنائية والإقليمية في نطاق الندية والاحترام المتبادل. الإستقلال والسيادة توأمان لايفترقان، فالسيادة كالإستقلال يعني ممارسة الدولة لقرارها السياسي داخلياً وخارجياً وفق إرادتها الحرة أو عدم خضوعها لأي سلطة داخلية كانت أو خارجية، حيث لا يحق لأي جهة أن تفرض قوتها على الدولة في منطقة نفوذها. صحيح بأن الاستقلال بسبب الظروف المحلية والإقليمية ليس بسهولة الاستفتاء، لکن إيماننا بحقنا في الحرية وحق بلادنا في الحياة أقوي من كل سلاح، وعلي الشعب الكوردستاني إذا أراد تحقيق حلمه، الإتحاد وتوحيد الصفوف والإستجابة للقدر.

وختاماً: المتغيرات فرصة لا كارثة والجديد غني لا فزاعة ومن يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسي بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب. رهاننا هو أن تتحول طاقاتنا إلى قوة مجتمعية فاعلة تفتح الابواب والفرص لبناء دولة كوردستان، متحرّرة من وهم العراق الموحد والغول الديني، قوامها الإنفتاح علي العالم المتحضر والديمقراطية الجذرية للوصول الي الأمن والإستقرار وبناء العيش الرغيد لمواطني كوردستان علي إختلاف أطيافهم وأجناسهم وحتي ثقافاتهم.
Top