• Monday, 20 May 2024
logo

مَطبّات على طريق إنتخابات كوردستان

مَطبّات على طريق إنتخابات كوردستان

شيروان الشميراني

 

كلمة "مَطَبّات" في اللغة العربية جمع "مَطبَّ": وهي مَزْلَق منخفض، ممتد بعَرض الطريق لإجبار السيارات على تخفيف سرعتها، والمارة على تفاديها، وهو خطر بطبيعته، فلا يكون الطريق الذي يريد المرء سَلْكَهُ مُعبّداً ومن ثم لا يكون مرتاحاً وهي يسير من أجل قطعه والبلوغ إلى المراد، وقد تكون مطبات مادية محسوسة كما في الطريق على الأرض، أو غير محسوسة كما هي في سير الإنسان لبلوغ غاية رسمها لنفسه في الحياة كالطريق إلى حيازة الشهادة أو المال أو الجاه أو غير ذلك.

الإنتخابات التشريعية في إقليم كوردستان لم تكن بلا مطبات في الدورات السابقة، وهي كأي محطة سياسية محفوفة بكثير من المخاطر والتوقعات، لكن التوافق السياسي بين الكيانات المشاركة وعلى وجه التحديد بين الحزب الدمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني اللذين يقسمان السلطة والإدارة في الإقليم، كان كفيلاً بتجاوز تلك المخاطر أو المطبات، لأنّ الاتفاق المسبق كان قد يذلّل كل شيء، حتى التمديد للفترة القانونية للدورة التشريعية ولأكثر من مرة كان يمرّ بهدوء، او التغيير في قانون الإنتخابات، حيث القرار السياسي يحلّ الأمور ويسبق التقنين، لأنهما كانا متفقين، ولم يكونا يودّان التدخل الخارجي في ترتيب البيت الكوردي قدَر الممكن، فالسياسيون ذوو الوزن التاريخي الثقيل يتكفلون بالحَلّ.

إلاّ أن هذه المرة مختلفة تماماً، الوضع قد تغيّر، فالمنافسة لن تكون على عدد المقاعد فحسب، وإنما من أجل إعادة رسم خريطة السلطة والسيطرة وإعادة توزيعها، والتصفيات السياسية أيضاً.

المطبّاتُ خلَقها الوضع الداخلي، أو هيأ لها الأجواء لحفرها في الطريق، لكن القرارات التي جاءت بها المحكمة الإتحادية رسختها وعمقتها، وجعلت البون أوسع مما كان بين أهل السلطة الكوردية. فالقرارت التي أصدرتها المحكمة في الآونة الأخيرة كانت قاسية ومتشددة حتى من منظور الجهة المشتكية، جاءت في مضمونها والصيغ التي وردت بها فوق مستوى المتوقع والمطلوب، وهذا ليس لأن المحكمة تريد الحق أكثر من المطالبين بها، وإنما كأنها تريد المسّ بالشخصية السياسية والمؤسساتية للإقليم لحاجة في نفسها، وقد أبانت قرارت سابقة أيضاً أنها تذهب لمديات أبعد مما تحتويه الدعوى، وتُدرِج فيها ما ليس منها.

موضوعنا هنا هو الانتخابات الكوردستانية، وقرار المحكمة الإتحادية الصادر في 21-2-2024 ، كل متابع ولو متابعة بسيطة، لن يعجز عن تسجيل أربع ملاحظات:

1- إن الدستور العراقي ينص في المادة (49) أولاً على مراعاة تكوين سائر مكونات الشعب في مجلس النواب، وهذا القرار منع هذا التخصيص والتمثيل للمكونات في الإقليم.

2- في قانون الانتخابات العراقية – البرلمانية والمحلية - رقم (12) لسنة 2018 والمعدَّل في (نيسان 2023) المنشور في الوقائع العراقية ذي العدد\ 4178، ورد في المادة التاسعة، أولاً: ب\ تمنح المكونات التالية حصة (كوتا) من العدد الكلي للمقاعد لمجلس النواب والمكونات المشار اليها كما ينص القانون المذكور هم: المسيحي، الايزيدي، الصابئي المندائي، الشبكي، الكورد الفيليين، وينص في الفقرة - ج - على أن إقليم كوردستان للمكون المسيحي دائرة واحدة، وكوتا المكونات موجودة كذلك في مجالس المحافظات، لكن قرار المحكمة الإتحادية جعل ذلك الحق لهذه المكونات الدينية باطلاً إذا كان في كوردستان، وهذا تمييز واضح، فهو إما تمثيل المكونات الدينية باطل في عموم العراق بما أن المحكمة تنظر في أمور البلد بمنظار واحد خاصة عند وحدة الملفات، أو إنها حق لهذه المكونات في عموم العراق، ووضع قرار المحكمة الإتحادية علامات الاستفهام على تلك المادة الموجودة في قانون الانتخابات العراقية، ولا يدري المرء فيما إذا كانت المحكمة تقضي ببطلان تلك المادة كما فعلت مع قانون انتخابات كوردستان في حال تقديم شكوى لديها أم لا؟.

3- إن البرلمان يبّت في المسائل المطروحة أمامه بالتصويت، وعليه يجب أن يكون العدد فردياً، لأن الزوجي يجعل من حسم الأمور بالتصويت مستحيلاً، لهذا عدد أعضاء البرلمان العراقي الفدرالي هو (275-325-327-329) لترجيح رأي على الآخر، لكنها هي جعلت من عدد النواب في الإقليم زوجياً "100" وليس فردياً، ولم تسأل نفسها كيف يمكن ترجيح رأي على آخر وتمرير القوانين مع وجود إحتمالية التساوي بين الرأيين عند التصويت؟.

4- كما أن الموادّ الدستورية "92-93-94" التي تحدد صلاحيات المحكمة الإتحادية يمكن حصرها في ثلاث كلمات "تفسير، مراقبة، الفصل"، فهي إما تفسر المواد الدستورية، أو تفصل في النزاعات بين المشتكين في ضوء الدستور والقوانين النافذة، أو تراقب القوانين الصادرة من مجلس النواب والنظر في دستوريتها، لكن المحكمة الإتحادية أسرفت في التأويل، ودخلت مجال التشريع عند قيامها بتبديل قوانين أو وضع نصوص قانونية وجعلها محل أخرى، وهذا هدم للجدار الفاصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور العراقي بوضوح شديد المادة 47.

في هذه المرحلة الحساسة في الإقليم، الحاجة الى التهدئة وتجاوز المخاطر للوصول الى مرحلة شبه مستقرة ضرورية لازمة، فعمل المؤسسات بحاجة إلى سندٍ قانوني ولن يكون ذلك إلاّ بإجراء انتخابات تشريعية، وما يأتي بعدها ليس بالأمر الهيّن فسيدخل الإقليم في نفق مزعج على طريق تشكيل الحكومة وسط التغييرات التي ستحصل في نسبة المقاعد، إلا أن الانتخابات المنتظرة تسدّ الفجوات والثغرات المرهقة الراهنة.

ويبقى السؤال الذي يتبادر إلى الذهن:

ماذا لو قدم ممثلو المكونات الدينية في الإقليم من المسيحيين وغيرهم دعوى إلى المحكمة الإتحادية ضد قانون انتخابات إقليم كوردستان، لأنه لا يضمن حقوقهم المنصوص عليها في القانون السائر في العراق؟.

 

 

 

روداوو

Top